أحلام البسطاء فى زيارة قبر الرسول تتلاشى مع زيادة «الريال السعودى»

أحلام البسطاء فى زيارة قبر الرسول تتلاشى مع زيادة «الريال السعودى»
- الريال السعودى
- الصفا والمروة
- العام الماضى
- بائع خضار
- باب التسجيل
- بيت الله
- تخفيف العبء
- تذاكر الطيران
- تكاليف السفر
- أحلام
- الريال السعودى
- الصفا والمروة
- العام الماضى
- بائع خضار
- باب التسجيل
- بيت الله
- تخفيف العبء
- تذاكر الطيران
- تكاليف السفر
- أحلام
«لمن استطاع إليه سبيلاً».. شرط رفع الحرج عن الكثيرين، لكنه لم يرفع الشوق من قلوبهم، إذ توارى حلم الحج لدى كثير من البسطاء خلف الأعباء المادية، فكان الأمل فى عمرة، باعتبارها أضعف الإيمان، تضمن زيارة الكعبة والسعى بين الصفا والمروة، وزيارة النبى فى روضته الشريفة، لكنها هى الأخرى صارت حلماً بعيد المنال، بسبب خارج عن إرادتهم وعن قدرتهم المالية، فمع ارتفاع قيمة الريال السعودى مقابل الجنيه، تضاعفت أسعار العمرة بشكل غير مسبوق، لتضيع أحلام البسطاء هباء. {left_qoute_1}
5 جنيهات كانت أقصى ما تستطيع بدرية عبدالعال أن تدخره يومياً، لجأت السيدة التى تخطت العقد الرابع من عمرها إلى جمعية بـ5 جنيهات، آملة فى أداء عمرة رمضان، كانت الجمعية التى أقامتها مع بعض أصدقائها بقيمة 2000 جنيه، فقررت أن تدخرها فى دفتر توفير، إلى حين دخولها جمعية أخرى لتضيف إلى قيمة الاثنتين ما تبقى من مال وتتمكن من السفر لقضاء العمرة، لكن السيدة، التى توفى عنها زوجها قبل 10 أعوام، تاركاً لها ولدين قامت بتزويجهما من عملها فى بيع الصابون السائل، لم تتمكن من جمع المبلغ الكافى بعدما اضطرت إلى دفع ما ادخرته فى مصاريف العمل بعد زيادة أسعار الصابون «يعنى كنت هاكل عيش حاف وأسافر بس والله ما قدرت أكمل المبلغ، فحطيته فى الشغل».
عاود الأمل السيدة التى تسكن فى قرية المعتمدية، لكنها تلك المرة وبعد جمعها مبلغاً بسيطاً اكتشفت أن أسعار العمرة ارتفعت بشكل غير مسبوق: «العمرة بـ12 و13 ألف فى الأيام العادية مش رمضان، هجيب منين المبلغ ده عشان أزور النبى، يعنى لما كانت أسعارها رخيصة وبنحوش جنيه على جنيه ماعرفناش، دلوقتى يبقى خلاص عليه العوض، وربنا يرزقنى بنيتى بقى».
البحث عن الفقراء واليتامى والأرامل وإهداؤهم زيارة إلى بيت الله، أمور كان شريف بيبس يحرص عليها سنوياً مع أصدقائه، منذ أعوام كانت هناك أزمة أنابيب فاقترح الرجل أن يكون هناك تنظيم لصرفها للناس، واقترح أن يرفع سعر كل أنبوبة جنيهين، يذهبان لصالح عمرة لأحد الفقراء، وما أن كوَّن المبلغ حتى جهَّز لأحد الفقراء بروض الفرج عمرة: «بنطلّع نحو 10 فى السنة مجاناً، وبنسفَّرهم فى أفضل خطوط، وبيقعدوا فى أفضل فنادق، وبنختار الناس الأصعب فى ظروفها المادية»، لكنه الآن لا يستطيع.
وأشار إلى أنه قرر أن تكون الأعداد أقل للنصف، منتظراً فتح باب التسجيل للعمرة: «بيساعدنى زمايلى فى مكاتب سياحة، ومنهم بيتبرع بجزء للناس، لكن دلوقتى العدد هيقل للنصف للأسف».
7 آلاف ونصف قيمة العمرة فى أواخر شعبان ومطلع رمضان، لكن الرجل يتوقع أن تصل إلى أكثر من 15 ألفاً هذا العام، مشيراً إلى أنه يعد مسابقة لحفظة القرآن فى رمضان ويكون نصيب الفائزين رحلة عمرة، لكنه لا يعرف إذا ما كان هذا العام سيشهد الأمر نفسه: «لما العدد يقل السنة دى ناس كتير متعشمة هتزعل».
الأمر ذاته يقوم به وليد المرسى، صاحب معرض كاوتش، مشيراً إلى أنه يشارك مع بعض الأشخاص بجمع مبالغ مالية لتمكين بعض المحتاجين من أداء العمرة: «فيه ناس تقدر تاكل وتشرب وحياتها كويسة، لكنها ماتقدرش تطلع عمرة، لأن تكاليف السفر زادت وتكاليف المعيشة هناك هتزيد، لأن الريال سعره وصل لأكتر من 5 جنيه».
ومنذ 7 سنوات كان جمعة الروبى، يدخر ماله لأداء العمرة، لكن ما جمعه فى ذلك التوقيت ذهب كله فى علاج زوجته المصابة بمرض فى المخ، وتوفيت بعد ذلك بعامين، تاركة له طفلتين، دخلت إحداهما الجامعة ولا تزال الأخرى تدرس فى الثانوية، ويعمل الرجل بائع خضار بسوق شعبية، ما يكسبه يكاد يكفى شئون بيته ومصاريف دراسة ابنتيه، لكنه رغب مرة أخرى فى جمع مبلغ مستقل للعمرة، وبعد جمع بعضه ووعود بعض أقاربه فى مساعدته، اكتشف أن الأسعار تغيرت: «العمرة بتاعة رجب اللى كانت بـ4 آلاف ونص وبـ5 قالوا لى هتزيد وتبقى 13 ألف، فلغيت كل حاجة وشلت الموضوع من دماغى».
يحكى الرجل الذى أتم عامه الـ54، مشيراً إلى أنه يتابع الكعبة عبر التليفزيون وكثيراً ما يبكى شوقاً إلى رؤيتها على الطبيعة: «نفسى أروح لسيدنا النبى، وأسلم عليه عشان يشفع لى، يعنى لا هنطول عمرة ولا حج؟». محمد بسيونى، رئيس مجلس إدارة إحدى الجمعيات بشبرا، يشير إلى أن الكثيرين كانوا فى انتظار موسم العمرة للتقديم، لكنه فى ذلك التوقيت لا يعلم ما الذى ستؤول إليه الأمور، لاسيما بعد وقف العمرة 3 أشهر وانتظار مكاتب السياحة توثيق عقود العمرة، موضحاً أن الأعداد التى أتته للبحث عن فرصة للتقديم على عمرة رجب أقل من نصف الأعداد التى أتته العام الماضى: «الناس كانت بتزاحم على العمرة، دلوقتى المشهد ضبابى والأسعار بتزيد ومش عارفين تعامل الفنادق معانا هيبقى إزاى، وتذاكر الطيران هتوصل كام».
اعتقد الرجل أن كثيراً من البسطاء قد لا يتمكنون من أداء العمرة مجدداً فى ظل تلك الزيادات: «الخماسى كان بـ5600 جنيه السنة اللى فاتت فى عمرة رجب، وشعبان 8950 جنيه ورمضان الشهر كامل 13 ألف ونص، ورمضان الجاى ممكن تصل لـ25 أو أكتر محدش عارف».
يمكنه عمله من الاضطلاع على الوضع المادى للبعض، فيسهم فى تخفيف العبء المالى عنهم بوضعهم على إحدى الدرجات دون أخرى: «ناس كتير غلابة والله وهيموتوا ويطلعوا عمرة، ومنهم اللى بيستلف عشان يطلع، بس ده كله خلاص خلص». حتى هؤلاء الذين أدوا العمرة من قبل، ويأملون فى تكرارها أضحى الأمر بالنسبة لهم صعباً، يحيى عبدالعليم أدى العمرة 9 مرات بصحبة أمه وزوجته وأولاده، يعود الرجل بذاكرته إلى الوراء حين أدى العمرة لأول مرة سنة 1995 وكلفته حينها 800 جنيه، ليعاود أداءها أكثر من مرة كان آخرها عام 2016 وكلفته 7500 جنيه، مشيراً إلى أنه دفع 30 ألف جنيه لنفسه وزوجته وولده وأمه، لكنه هذا العام وجد نفسه مضطراً إلى إلغاء السفر: «لو حبيت أطلع أنا ومراتى بس هيكلفنا السفر 30 ألف جنيه على الأقل، فى حين نفس المبلغ ده كان يطلعنى أنا و3 كمان».
يحكى «يحيى» أن زياراته المتكررة للأراضى المقدسة بدافع الشوق: «والله إحساس مختلف وأنا هناك، بنكسب ثواب من عند ربنا وبنزور سيدنا النبى، بس للأسف مش هقدر أعمل كده السنة دى، رغم إنى كنت مقرر أطلع أنا ومراتى».