مدير مستشفى القوات المسلحة بالإسماعيلية: علاج الإدمان أصبح «مسألة أمن قومى»

كتب: إمام أحمد ومروة عبدالله

مدير مستشفى القوات المسلحة بالإسماعيلية: علاج الإدمان أصبح «مسألة أمن قومى»

مدير مستشفى القوات المسلحة بالإسماعيلية: علاج الإدمان أصبح «مسألة أمن قومى»

قال العقيد طبيب محمد دياب، قائد المركز الطبى لعلاج الإدمان، مدير مستشفى القوات المسلحة بالإسماعيلية، إن المستشفى استقبل أكثر من 1000 مدمن من المدنيين، وعالج 280 حالة منهم داخلياً، بالإضافة إلى 750 حالة أخرى «علاج خارجى» مجاناً، مشدداً على أن علاج الإدمان «مسألة أمن قومى»، خصوصاً أن نسبة التعاطى فى مصر تُقدّر بـ10% وهو ما تم اكتشافه بالفعل وما خفى أكبر، وهى تعد ضعف النسبة العالمية.

وأضاف «دياب» فى حوار مع «الوطن» أن المركز لديه خطة توسعات طموحة يعمل من خلالها ليصبح رائداً فى مجال علاج الإدمان، ليس فى مصر وحدها ولكن على المستوى الإقليمى، مشيراً إلى أن المركز يعمل بصورة غير مسبوقة تختلف تماماً عن استراتيجيات علاج مرضى الإدمان فى كافة المستشفيات الأخرى. وإلى نص الحوار:

{long_qoute_1}

■من واقع خبرتك.. متى يتخذ مريض الإدمان قراراً برغبته فى العلاج وتجده يطرق أبواب المركز؟

- العلاج لا يأتى قهراً أو جبراً، بل لا بد أن يأتى بقناعة تامة من جانب مريض الإدمان، ورغبة منه فى العلاج، وعادة ما يتخذ المريض هذا القرار عندما يصل إلى النقطة «صفر»، وهى النقطة التى يخسر فيها كل شىء، ويكون عنصراً مرفوضاً من كل من حوله، بل إن بعض الحالات ربما قد تكون أقدمت على الانتحار بالفعل قبل أن تتمكن من تلقى العلاج.

■ ما المراحل العلاجية التى يمر بها المريض منذ لحظة دخوله إلى المركز؟

- يمر المريض بـ5 مراحل، وتعد أول مرحلة هى المرحلة الأصعب، التى تقتصر على «سحب المخدر» من الدم والتى تجرى خلال الخمسة أيام الأولى من دخوله، حيث يوضع المريض تحت عناية مركزة من جانب فريق العمل بالمستشفى، ثم يتم تخيير المريض ما بين البقاء أو الخروج لأن العلاج ليس إجبارياً، بل يجب أن يأتى من رغبة حقيقية لدى المريض، ثم بموافقته على البقاء، التى بموجبها يتم انتقاله إلى المرحلة الثانية، وهى مرحلة التأهيل الأولية، التى يجرى من خلالها إعداد المريض خلال شهر كامل، وتأهيله نفسياً وصحياً لاستعادة ذاته أولاً وقبل كل شىء ووفقاً لنموذج العلاج الذى وضعناه فى المستشفى، ويتضمن 104 صفحات لكل مريض، تشتمل على جدول معين يرتبط بعدد من النقاط الخاصة بتقييم مدى استجابته لبرنامج العلاج كاملاً، الذى يشتمل أيضاً على التقييم السلوكى للمريض وفقاً لمعدل هذه الدرجات والتقييم من الطبيب المشرف على الحالة، ومن ثم ينتقل إلى المستوى الثالث، وهو التأهيل المتقدم ويتم فى فترة 8 أسابيع، ليكمل المريض مدة العلاج وهى 90 يوماً منذ دخوله إلى المستشفى ليكون بعدها قادراً على مواصلة علاجه بعد خروجه سليماً معافى من خلال المرحلة الرابعة، التى تشمل مرحلة المتابعة النهارية والتى يأتى فيها المريض إلى المستشفى أسبوعياً بعد الخروج، ويظل مستمراً على المتابعة بشكل دورى، فيما تعد المرحلة الخامسة هى مرحلة التأهيل ليصبح من كان مؤهلاً منهم للمساعدة فى علاج غيره من المدمنين الجدد.

{left_qoute_1}

■ وما الخطوات الأولى التى تتخذونها مع المريض؟

- يتم توجيهه فوراً إلى معمل التحاليل، وسحب عينة دم كاملة منه، وإجراء تحليل للفيروسات ووظائف الكبد والكلى لمعرفة الحالة الصحية التى عليها المريض، ولا يُعترف بأى أشعة أو تحاليل يصطحبها المريض من خارج المستشفى على الإطلاق، لضمان نتائجها، فضلاً عن إجراء بعض الأشعة لمن تتطلب حالتهم من المرضى وفقاً لتقديرات نتائج التحاليل، ثم يخضع بعدها المريض لجلسات العلاج الأولى، ويتناول الأقراص التى تعمل على سحب المخدر من الدم وفقاً لمواعيد محددة ومنتظمة.

■ وهل يوجد بالمركز تخصصات ملحقة بخلاف عيادات علاج الإدمان؟

- بالتأكيد، فالمدمن هو مريض أولاً وأخيراً، وبالتالى يحتاج إلى العديد من التخصصات الأخرى وليست فقط الطب النفسى وأطباء متخصصين فى علاج الإدمان، حيث إن لدينا وحدات للأشعة المقطعية و«السونار وأشعة إكس»، فضلاً عن معامل لسحب عينات الدم من المريض، وعيادات متخصصة فى علاج الكلى وأخرى للكبد، إذ إن كثيراً من المدمنين يعانون من التهابات الكبد، نظراً لأنه أكثر الأجهزة تأثراً، خاصة عندما يكون المدمن اعتاد على التعاطى عن طريق «الحقن».

■ وكم عدد المرضى الذين استقبلهم المركز منذ افتتاحه؟

- قمنا باستقبال ما يزيد على 1000 حالة منذ افتتاح المركز، منهم 280 حالة تم علاجها داخلياً خلال فترة علاج مستمرة، بالإضافة إلى 750 حالة أخرى علاج خارجى، تأتى للمتابعة أسبوعياً، خلال فترة تقدر بـ5 أشهر فقط، وهو رقم كبير جداً، ويتم استقبال كل الشرائح العمرية، ابتداء من سن 20 عاماً حتى 51 عاماً، والحمد لله استطعنا أن نقدم جهوداً غير عادية فى مساعدتهم على الشفاء التام، والمركز لديه خطة توسعات طموحة يعمل من خلالها ليصبح رائداً فى مجال علاج مرضى الإدمان، ليس فى مصر وحدها ولكن على المستوى الإقليمى، خاصة أن المركز يعمل بصورة غير مسبوقة تختلف تماماً عن استراتيجيات علاج مرضى الإدمان فى كافة المستشفيات الأخرى.

{long_qoute_2}

■ هل يستقبل المركز المرضى مباشرة أم يتم تحويلهم من جانب صندوق مكافحة الإدمان؟

- نحن نعمل بشكل مزدوج، لأن هذا الأمر يعد أحد جوانب الأمن القومى، حيث إن مصر لن تنهض إلا بقوة أبنائها، وبالتالى نقوم باستقبال الحالات التى تأتى إلينا بشكل فردى أو من خلال المركز القومى لمكافحة الإدمان التابع لوزارة التضامن الاجتماعى، وكان من المخطط أن يقوم المركز بخدمة المرضى فى 4 محافظات رئيسية، الإسماعيلية وبورسعيد والسويس ودمياط والشرقية، على اعتبار أنها المحافظات الأقرب للنطاق الجغرافى للمستشفى إلا أننا استقبلنا من محافظة القاهرة وحدها نسبة قد تتجاوز الـ45% من إجمالى المرضى منذ افتتاح المستشفى فى أغسطس الماضى.

■ وهل يقوم هؤلاء المرضى بالاتصال بذويهم؟

- اصطحاب التليفون المحمول من الأمور الممنوعة داخل منظومة العلاج، ولكن وحدة إدارة الحالات بالمستشفى تكون على اتصال دائم بأهالى المرضى وتستقبل اتصالاتهم بشكل دائم، ويتم السماح للمتعافين بعد فترة 3 شهور من بدء العلاج بالحصول على موبايل بخطوط جديدة بغرض الاتصال بالأهل فقط، ولمدة ساعتين يومياً، من أجل قطع دائرة العودة إلى الصحبة السوء من الأصدقاء أو أحد أفراد «الشلة» القديمة التى كان معها المدمن، دون التعرض للإنترنت أو الموبايلات الحديثة على الإطلاق.{left_qoute_2}

■وهل مسموح للأهالى بالزيارات خلال فترة العلاج؟

- الزيارة تتم خلال يوم الجمعة فقط، ومدتها ساعتان من 2-4 مساء، وتكون للأقارب ذوى الدرجة الأولى، أو من يليهم، ويتم تفتيشهم بمعرفة أمن البوابة ثم يمرون من خلال محطتين للتفتيش داخل المركز كما يجرى التفتيش ذاتياً لضمان عدم تسرب أى من المواد المخدرة إلى الداخل.

■ وما أصعب المواد المخدرة فى عملية سحبها من الدم؟

- يعد الهيروين والترامادول من أخطر المواد المخدرة وأصعبها فى عملية التعافى، ليس لشىء إلا لقدرة المريض على مواصلة عملية العلاج، فكثير منهم يأتى برغبته وربما يفقد هذه الرغبة بعد 3 أيام فقط من العلاج، وتعد الخطوة الأصعب خلال فترة العلاج لإقناعه باستكمال علاجه طوعاً، وفى حالة الرفض لا بد أن يقضى فترة الـ5 أيام للتأكد من سحب المخدر تماماً من الدم مع اشتراط المتابعة من جانبه أسبوعياً.

■ هل هناك مرضى يعودون مرة أخرى إلى الإدمان بعد علاجهم؟

- بعض المرضى الذين يخرجون مبكراً قد يرفضون الاستكمال، وبمجرد سحب المخدر من الدم، فإن هناك من يعود مرة أخرى وللأسف يكون أسوأ مما كان فى المرة الأولى، ولكن لأن الأمر ليس هيناً، وحتى لا يكون الأمر وسيلة سهلة، وضعنا شروطاً صعبة لمن يفكر فى العودة والعلاج، حيث إنه لا يمكن الدخول مرة أخرى إلا بعد 6 أشهر لتلقى العلاج حتى يشعر المريض بأهمية هذا العلاج، وأيضاً حتى لا يضيع فرصة على مريض غيره باستهتاره ببرنامج العلاج، فإدمان المواد المخدرة هو الأسوأ على الإطلاق، وهى تسمى بـ«التعليم الشيطانى» وتعادل 15 ضعفاً من إدمان المسكرات أو الخمور بين الأشخاص الطبيعيين.

■ ماذا عن العاملين لخدمة المرضى وكيف يتم تأهيلهم؟

- يعمل فى مركز علاج الإدمان فريق عمل متكامل مكون من 9 أطباء متخصصين، و21 ممرضة، و4 مشرفين، و34 فرد أمن إضافياً لهذا القطاع فقط، ويتم تأهيل العاملين من خلال دورات أسبوعية للوقوف على أهم المشكلات التى تواجههم خلال فترات العمل، ويكون التدريب كل يوم اثنين أسبوعياً، ولمدة 3 ساعات، من أجل إكسابهم القدرات اللازمة للتعامل والتفاعل بشكل أكثر إيجابية مع المريض، وتجديد طاقاتهم وفق أسلوب واستراتيجية العمل، فضلاً عن تدريب المتطوعين من المتعافين المشاركين فى علاج المرضى الجدد.

{long_qoute_3}

■ وكم تقدر تكلفة المريض الواحد خلال الفترة العلاجية؟

- هناك بروتوكول تعاون موقع مع صندوق مكافحة الإدمان يقضى بأن يتحمل الصندوق مصاريف العلاج مناصفة مع القوات المسلحة، وبالتالى أى مريض يأتى لعلاجه من الإدمان لا يدفع أى شىء على الإطلاق ويتم علاجه مجاناً، فى حين أن تكلفة علاج المريض الواحد تتراوح ما بين 6 آلاف كحد أدنى وتصل إلى 18 ألف جنيه فى بعض الحالات، وربما يدفع المريض فقط مبلغ 500 جنيه كتأمين يستردها بعد فترة الـ3 شهور عند خروجه من المستشفى بعد استكمال فترة علاجه.

■وكم تقدر نسب التعاطى فى مصر الآن؟

- للأسف النسبة كبيرة لدينا، حيث تقدر نسبة التعاطى فى مصر بـ10% وهو ما تم اكتشافه، وما خفى كان أكبر، وهى تعد ضعف النسبة العالمية، وهذا المركز يخدم القطاع المدنى بصورة كبيرة، إيماناً بدور القوات المسلحة ومساهمتها فى هذا القطاع، فقد تمت إقامة هذا المركز للمساهمة فى تحقيق نسب شفاء عالية ومتقدمة دون عودة مرة أخرى لهذا الخطر الداهم الذى يهدد مجتمعنا برمته.

■ ما الذى يميز المركز القومى لعلاج الإدمان عن غيره من المراكز الخاصة والحكومية فيما يقدمه للمريض؟

- طريقة العلاج التى يقدمها المركز متقدمة ومختلفة عن غيرها، حيث يتم إجراء لقاءات فردية مع المرضى، فضلاً عن استخدام جلسات العلاج الجمعى بطريقة الحوار وبأسلوب المناقشة بين عدد كبير من المرضى، وكل منهم يعرض خلال ذلك تجربته مع الإدمان، وكيف دخل إلى هذا العالم المظلم، فضلاً عن «فترة التأمل» فكل يوم وخلال 365 يوماً يقوم المريض بالتأمل فى جملة ما والتركيز عليها دون ما حولها، وهو أحد أجزاء برنامج NA الشهير لعلاج الإدمان، فضلاً عن أن المركز يوفر للمرضى العديد من الفرص التى تمكنهم من إعادة اكتشاف ذواتهم من خلال مساحات الملاعب الرياضية الواسعة، بالإضافة إلى إقامة ورش عمل للتلوين والرسم وصالة كمال الأجسام التى يقضى فيها المرضى ساعتين يومياً، ناهيك عن الأذكار الصباحية و«دعاء السكينة» والمواظبة على الصلاة كل وقت، التى تدخل فى عملية التقييم أيضاً، فبعد ممارسة الرياضة واتباع كل تلك الأشياء يتم وضع درجات للتقييم.

■ ما وسيلة العلاج «الأنجع» فى تقديركم؟

- التمثيل هو أحد العناصر التى جاءت بنتيجة مذهلة، حيث قدم المرضى عرضاً مبهراً وقاموا بتأليف مسرحية بعنوان «خيوط العنكبوت»، وشاركوا بالتمثيل فيها أمام عدد كبير من الحضور، وجاءت المسرحية لترصد رحلة المدمن من الألف إلى الياء، ومعاناته خلال مراحل الإدمان، ولكى تجسد نموذجاً حقيقياً يستحق المشاهدة والتأمل، فقد استطاع المرضى من خلالها إعادة اكتشاف أنفسهم مرة أخرى.


مواضيع متعلقة