لطالما دفعت سلمى صباحى أثماناً باهظة لكونها ابنة أحد المناضلين ضد القهر والفساد.. ومع ذلك لم تفقد يوماً ابتسامتها الساحرة التى تنطلق من روحها المتألقة لتسكن فوق وجهها البرىء.
عندما وُلدت سلمى من زواج رفقة النضال الذى بدأ فى الجامعة بين حمدين صباحى وسهام نجم، شعرنا جميعاً بالفرحة.. باعتبار أن الجيل الثانى من الناصريين بدأ فى القدوم إلى الحياة.
تربت «سلمى» فى وسطنا جميعاً.. أصدقاء الأب والأم.. تسمع أفكارنا وأحاديثنا السياسية وأغانينا ذات المضامين.. وتعتنق كل هذا بمحبة.. ولكنها لا تكبر أبداً.. تظل تلك الطفلة الضاحكة دوماً.. المبتسمة ببراءة.. برغم سيرها على أشواك الدرب الصعب.. الذى تأتى صعوبته من مصدر قوتها الدائم.. إنها ابنة حمدين صباحى وسهام نجم.. إنهما معارضان دائمان لنظام فاسد لا يتورع عن القتل المعنوى لمعارضيه.
يضعهم تحت ضغط دائم ومستمر.. يحاربهم فى أرزاقهم.. ويضعهم تحت المراقبة الدائمة.. يعتقلهم إذا لزم الأمر.. ينتزعهم من أحضان أبنائهم..
تعلمت «سلمى» منذ البداية ألا تكون عبئاً على أبيها.. وألا تكون هى وأخوها محمد سبباً لضعف الأب والأم إذا خافا عليهما، يجب أن يكونا قويين.. وأن يسبقا عمريهما..
تعلمت «سلمى» -وتعلم أخوها- أن تحفظ اسم حمدين فى كل تصرف وكل سلوك.. كبيراً كان أم صغيراً.
تعلمت «سلمى» -وتعلم أخوها- الاعتماد على الذات.. بل وتقديم النموذج الراقى فى العلاقات الإنسانية.
تعلمت «سلمى» وتعلم «محمد» أن الثبات على المبدأ والتمسك بالحق فى مواجهة الباطل يقويان صاحبهما فى أصعب المواقف ولا يجب أن يهزما قدرته على الابتسام.
وهكذا كان من الصعب أن تشاهد «سلمى» دون ابتسامتها..
فى رمضان - ديسمبر عام 1999 وقفتُ على خشبة المسرح القومى لأقدم عرض «مسحراتى العرب» مع مجموعة من أجمل المطربين والملحنين واخترت «سلمى»، التى غادرت الطفولة قريباً، لتقف معى وتشاركنى الإلقاء الشعرى وتشارك الآخرين فى الغناء.
كان استقبال الناس لـ«سلمى» الفنانة رائعا.
وكانت «ابتسامة سلمى» واحدة من أبطال عرض «مسحراتى العرب» على المسرح القومى.
قبل ثورة يناير.. كانت «سلمى» قد أنجبت ابنتها الوحيدة.. ومع أيام الثورة الأولى كانت «سلمى» قد تركت ابنتها لأمها ونزلت إلى ميدان التحرير لتشارك أبناء جيلها فى القيام بالثورة.. حتى لا تضطر ابنتها أن تعيش مع الخوف والقهر مرة أخرى.
لن أنسى ابتسامة «سلمى» العريضة على وجهها حين أخبرتنى أن هذه الابنة التى أنجبتها قبل الثورة بعدة أسابيع اسمها «حلم»!
يوماً ما استعنت بـ«سلمى» فى برنامج «نسيم الكلام» الذى قدمته فى التليفزيون المصرى.. كان ضيفى فى الحلقة الشاعر الكبير سيد حجاب.. وغنت «سلمى» أغنيته الرائعة «حبيبتى بين ضفايرها طل القمر».. بكى يومها سيد حجاب.. ولم تغب عن «سلمى» -بعد انتهاء الحلقة- ابتسامتها العذبة.
قالت لى «سلمى» يوماً: «الإحساس بالظلم موجع جداً.. بس بيقوى جداً جداً جداً».
تذكرت هذه الكلمات فوجدتنى ابتسم ابتسامة كبيرة.. شكراً يا «سلمى»..