الدستور الروسى لسوريا!
- استطلاع رأي
- الأراضى السورية
- الأزمة السورية
- الأمة العربية
- الاحتلال الفرنسى
- التدخل العسكرى
- التراث الإنسانى
- التعاون العربى
- التنوع الثقافى
- الجيش السورى
- استطلاع رأي
- الأراضى السورية
- الأزمة السورية
- الأمة العربية
- الاحتلال الفرنسى
- التدخل العسكرى
- التراث الإنسانى
- التعاون العربى
- التنوع الثقافى
- الجيش السورى
لعلّ من المفارقات العجيبة أن تشترك كل من «روسيا» و«سوريا» فى الحروف التى يتكون منها اسم الدولتين، والذى يشتمل على خمسة حروف، هى (بحسب الترتيب الأبجدى): «أ، ر، س، و، ى». وتشترك الدولتان فى الحرف الثانى منهما، وهو الواو. كذلك، تشترك الدولتان فى الحرفين الأخيرين، وهما الياء والألف.
ولا يخفى على أحد أن سوريا منذ الاستقلال عن الاحتلال الفرنسى تقع ضمن مناطق النفوذ الروسى، وتستضيف منذ عقود طويلة قاعدة روسية بحرية فى ميناء طرطوس السورى. وليس بخافٍ على أحد أيضاً أن معظم أسلحة الجيش السورى من إنتاج روسيا. ومن هذا المنطلق، لم يكن مفاجئاً أن يبادر الدب الروسى إلى الدفاع عن النظام السورى، حرصاً على مصالحه الحيوية فى هذه المنطقة من العالم. ولم يقف الأمر عند حد التدخل العسكرى الروسى فى الأراضى السورية، وإنما امتد إلى طرح بعض الدوائر الروسية فكرة إقامة اتحاد كونفيدرالى بين الدولتين. كذلك، قامت روسيا بإعداد مشروع دستور سورى، تم توزيعه فى مفاوضات «أستانا» التى جرت بين أطراف الأزمة السورية، وانعقدت يومَى 23 و24 يناير الحالى.
ولعلها المرة الأولى فى التاريخ الذى تقوم فيها دولة بإعداد مشروع دستور لدولة أخرى ذات سيادة. ومن ثم، يمكن لأساتذة القانون الدستورى أن يتحدثوا فى كتاباتهم عن صورة جديدة لنشأة الدساتير، إلى جانب الصور الأخرى المعروفة. ولعل أول ما يسترعى الانتباه فى مسودة الدستور هو الغياب العربى الكامل، سواء فيما يتعلق بالدول التى جرى استطلاع رأيها فى مسودة الدستور قبل خروجها إلى العلن، أو فيما يتعلق بالدول الأطراف فى مفاوضات «أستانا»، حيث تم توزيع مشروع الدستور، أو فيما يتعلق بنصوص الدستور ذاته والتى تخلو من كل إشارة إلى الطابع العروبى للجمهورية السورية، وبحيث يغدو اسمها «الجمهورية السورية» بدلاً من «الجمهورية العربية السورية» كما هو الوضع حالياً. ولبيان حجم وفداحة التغيير، يكفى أن نشير إلى أن مقدمة الدستور السورى الحالى تنص على أن «تعتز الجمهورية العربية السورية بانتمائها العربى، ويكون شعبها جزءاً لا يتجزأ من الأمة العربية مجسدة هذا الانتماء فى مشروعها القومى العربى، وفى العمل على دعم التعاون العربى بهدف تعزيز التكامل وتحقيق وحدة الأمة العربية».
كذلك، تخلو مسودة الدستور من النص على ديانة رئيس الدولة، وذلك خلافاً لما هو منصوص عليه فى المادة الثالثة من دستور سوريا الدائم لعام 1973م والمادة الثالثة من الدستور السورى الحالى الصادر سنة 2012م. وقد قيل إن هذه التعديلات قد تمت بناء على ضغط من الدولة الإيرانية الصفوية، لتفكيك الهوية العربية لسوريا وتذويبها، بحجة حماية التنوع الثقافى.
والغريب أن تأتى هذه التعديلات بناء على ضغط دولة دينية بامتياز، تدّعى زوراً وبهتاناً أنها «جمهورية إيران الإسلامية» أو «جمهورى إسلامى إيرانى» كما هو اسمها باللغة الفارسية. إذ يكرس الدستور الإيرانى الطابع الدينى الصفوى فى معظم نصوصه، وبصورة غير مسبوقة فى دساتير العالم المعاصر. فعلى سبيل المثال، ووفقاً للمادة الخامسة من الدستور الإيرانى: «فى زمن غيبة الإمام المهدى (عجّل الله تعالى فرجه) تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة فى جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتقى، البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبر... ». وتنص المادة 12 على أن «الدين الرسمى لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفرى الاثنا عشر، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير».
وفى الختام، ورغم أن الواقع العربى الراهن لا يبعث على التفاؤل، لن نفقد الأمل فى أن تعود الأمة العربية إلى رشدها، مستلهمين روح الفقرة الأولى من مقدمة الدستور السورى الحالى: «تعرضت الحضارة العربية التى تُعد جزءاً من التراث الإنسانى عبر تاريخها الطويل إلى تحديات جسام استهدفت كسر إرادتها وإخضاعها للهيمنة الاستعمارية، لكنها بقدراتها الذاتية الخلاقة كانت تنهض لممارسة دورها فى بناء الحضارة الإنسانية».