أسر الشهداء: ولادنا ماتوا هدر.. حتى ذكرى الثورة مبقاش ليها طعم دلوقتى

كتب: أحمد عصر

أسر الشهداء: ولادنا ماتوا هدر.. حتى ذكرى الثورة مبقاش ليها طعم دلوقتى

أسر الشهداء: ولادنا ماتوا هدر.. حتى ذكرى الثورة مبقاش ليها طعم دلوقتى

حالة من الحزن والأسى سيطرت عليهم، ممزوجة بدموع لم تجف بعد، رغم مرور أعوام ستة على ذكرى استشهاد ذويهم، هذا هو الحال الذى كان عليه أسر شهداء ثورة يناير، بعد أن اتفقوا جميعاً على أن حقوق أبنائهم لم تأتِ بعد، وهو الأمر الذى يزيد من آلامهم كلما مر عام بأيامه تحل بعده ذكرى الاستشهاد، لتعيد أمام أعينهم المشهد كاملاً، وكأنه كان بالأمس القريب.

«أنا لا يمكن أنسى الشهيد إسلام، ولسه حزينة كأن إسلام مات النهارده»، كلمات قالتها «ألفت محمد»، والدة الشهيد «إسلام على» لتروى بعدها آخر مشهد جمعها به قبل استشهاده، قائلة: «كان يوم الجمعة 28 يناير، وقتها «إسلام» كان قاعد معايا فى البيت، وأخوه كان فى ميدان التحرير، ولما اتأخر قال هانزل أدور عليه ونزل مارجعش، لحد ما جالنا خبر إنه اتصاب، ومات بعدها بيومين، مات يوم الاتنين زى ما اتولد يوم الاتنين».

{long_qoute_1}

لم تتمكن «ألفت» من السيطرة على دموعها، لتُكمل حديثها بصوت مبحوح، قائلة: «اللى صعبان عليا أن ثورة يناير ماخدتش حقها، وداسوا عليها وعلى شهدائها، رغم أنها أعظم ثورة حصلت فى تاريخ مصر، وراح فداها شباب كتير زى الورد، وكان نفسى أجيب حق إسلام، بس زى ما بيقولوا، الميه مابتطلعش فى العالى، ولسه لحد دلوقتى حق إسلام ماجاش، والحاجة الوحيدة الجميلة، إنه اتعمل له نصب تذكارى فى الكلية بتاعته».

وتضيف «ألفت»: «إسلام كان أصغر واحد فى إخواته، وكان دايماً يقول إنه هيطلع وكيل نيابة، وفعلاً بعد ما استُشهد ونتيجته طلعت كان جايب امتياز، ورغم إنى قدمت ابنى فداء للوطن، إلا أن الدولة مابتديش أى اهتمام لأسر الشهداء، ولحد دلوقتى أخوه مش عارف يشتغل فى البلد، رغم أن المصابين أخدوا حقوقهم»، لتختم «ألفت» حديثها قائلة: «نفسى الشهيد يتكرّم بجد، مش ينسوه زى ما هما ناسيين الشهداء دلوقتى».

{long_qoute_2}

وفى منزل الشهيد «أحمد بسيونى» لم تعد ذكرى استشهاده سوى ذكرى عائلية فقط، بعد أن نسيته الدولة، حسب قول «باسم» شقيقه، الذى أضاف: «أول وتانى سنة كان فيه ناس كتير جداً بتحيى ذكرى استشهاد أحمد معانا، ووقتها كنا فاكرين أن استشهاده بيمثل ناس كتير، مش إحنا بس، لكن بعد كده اكتشفنا أن الكلام ده مش حقيقى وعرفنا مع مرور الوقت أن أحمد بيمثلنا إحنا بس مش أكتر».

يضيف «باسم»: «اللى إحنا فيه مايقولش أن فيه ثورة حصلت أصلاً، والحقيقة أنا باتكلم بمنتهى الأسى والأسف لأن أخويا رغم كل ده حقه ماجاش ولا هييجى بالشكل ده، لأن أحمد نزل علشان يحقق العدالة ليه ولغيره وده ماحصلش ومابقاش عندى أمل أنه يحصل، وبقى عندى إحباط تام، خصوصاً بعد ما والدى توفى بعد سنتين بس من موت أحمد أخويا علشان ماقدرش يستحمل الصدمة».

ويرى «حسن شهاب»، والد الشهيد «شهاب حسن»، أن ثورة يناير التى راح ابنه ضحيتها حقّقت أمراً مهماً بالنسبة إليه تمثل فى إنقاذ مصر من سياسة التوريث التى تعانى منها منذ أكثر من 7 آلاف عام، حسب قوله: «لولا أولادنا اللى نزلوا ميدان التحرير وماتوا فيه كان زمان جمال مبارك هو اللى بيحكمنا دلوقتى، ونتيجة ده اللى إحنا شايفينه من كمّ المجهودات اللى بيبذلها الرئيس السيسى واللى لو أى حد عنده بصيرة هيقدر يشوفها، واللى كان أولها تطوير الجيش وعدم الاعتماد على أمريكا لوحدها فى التسليح»، متابعاً: «ولو على الحالة الاقتصادية اللى إحنا فيها، فده نتيجة خراب من مبارك لمدة 30 سنة».

يضيف «حسن»: «اللى تاعبنى دلوقتى أن اللى قتل ابنى لسه ماتحاكمش لحد النهارده، وده راجع لأن مبارك كان يمتلك الأدوات اللى مكنته من إنه يمحى كل الأدلة اللى تدينه، وده إن دل، فإنما يدل على أن مبارك كان يمتلك مصر ولا يحكمها، وده مش معناه إنى باشكك فى القضاء المصرى، لكن برضه مفيش حد عنده ضمير فى مصر إلا وهيقول إن مبارك وجمال ابنه هما السبب، واللى هيقول غير كده يبقى شريك معاهم فى جريمتهم».

«أى أب أو أى أم بيفقدوا ابنهم، حياتهم بتنهار بشكل كامل ومابيكونش فيها أى نوع من أنواع التوازن، وهو ده اللى أنا وأم شهاب فيه دلوقتى»، كلمات تابع بها «حسن» حديثه بنبرة غيّرها الحزن، ليُكمل قائلاً: «مفيش حاجة بتهون علينا غير أصحاب شهاب اللى ما زالوا لحد دلوقتى بيزورونا باستمرار فى كل المواسم والمناسبات، وده لأنهم شباب محترم، وقاموا بثورة حقيقية، مش ثورة حرامية، ولا ثورة جياع»، مضيفاً: «يناير ثورة كتبها التاريخ بدم وأرواح أبنائنا، واللى عايز يقول غير كده يقول، وبالنسبة لحق ابنى هو أخده خلاص، لكن أنا اللى ماخدتش حقى، ومش هاحس إنى أخدته إلا لما أشوف محاكمة عادلة للى قتلوه».

من جانبها، قالت «أسما محمد» والدة الشهيد «خالد عطية» إنها لم ترَ أى بوادر لحقوق الشهداء، منذ وفاة ابنها وحتى الآن، معبرة عن ذلك بقولها: «إحنا فوضنا أمرنا إلى الله خلاص، واحتسبنا أولادنا وحقوقهم عند ربنا، خاصة أن مفيش ولا شهيد حقه جه لحد دلوقتى، رغم أن فيه ناس كتير جداً وعدونا وما زالوا لحد السنة اللى فاتت بيوعدونا بأن حق الشهيد هيجى، لكن أنا بقيت أحس أن كل ده من غير فايدة، ولا هيجيب نتيجة».

لم تنسَ «أسما» شهيدها «خالد» حتى الآن، رغم مرور ستة أعوام على وفاته، فهى ما زالت تشعر وكأنه يعيش معها، وكأنها تراه كل يوم، حسب قولها، مضيفة: «أنا ابنى ماماتش، بس كنت أتمنى أن ثورة يناير تبقى ثورة حقيقية وتُحقّق أهدافها اللى أولادنا ماتوا علشانها فيها، بس ده قضاء ربنا، وللأسف وصلت إلى مرحلة إنى بقيت أحس أن حق «خالد» واخواته الشهداء بقى حاجة صعب تحقيقها، خاصة أن كل اللى قتلوهم عايشين دلوقتى بره السجون، وبيتمتعوا بحياتهم عادى جداً زى الأول وأحسن، ولا كأن فيه ثورة حصلت من الأساس، وولا كأن فيه شهداء ماتوا علشان البلد يتصلح حالها».

تضيف «أسما»: «ذكرى ثورة يناير مابقاش ليها طعم عندى ولا عند أسر الشهداء كلهم، وده بقيت أحس بيه لما بنتصل ببعض فى المواسم، أو فى الأعياد، أو فى الذكرى نفسها علشان نعزّى بعض فى أولادنا، وبقينا نحس إننا عاجزين عن إننا نجيب حق اولادنا اللى ماتوا، رغم القضايا اللى عملناها والمحاكم اللى دخلناها طول السنين اللى فاتت دى كلها، ورغم أن فيه ناس كتير ما زالت بتحاول تجيب حقهم لحد دلوقتى».

وتابعت «أسما»: «أكيد ربنا ليه حكمة كبيرة محدش عارفها من اللى بيحصل دلوقتى، وأكيد هيجى يوم من الأيام، الأجيال اللى بعدنا هى اللى هتجيب حق شهداء ثورة يناير، وقتها إحنا هنكون مبسوطين، حتى لو كنا ميتين، ويكفينى دلوقتى اهتمام الناس بالشهداء، وإنهم يفضلوا فاكرينهم، وبافرح جداً لما بالاقى حد بيسأل على ابنى بعد الفترة دى كلها، وقتها باحس أن لسه فيه ناس فاكرة ثورة يناير، وأن فيه ناس لسه فاكرين أن فيه شهداء ماتوا فى الثورة دى علشان يجيبوا حقوق غيرهم».


مواضيع متعلقة