فى مكتبة الإسكندرية.. متحدون ضد التطرف
- إطلاق النيران
- البحث العلمى
- التنظيمات الإرهابية
- التنظيمات المسلحة
- الدول العربية
- الدولة الحديثة
- الفكر المتطرف
- المجال العام
- المجتمعات العربية
- أجندة
- إطلاق النيران
- البحث العلمى
- التنظيمات الإرهابية
- التنظيمات المسلحة
- الدول العربية
- الدولة الحديثة
- الفكر المتطرف
- المجال العام
- المجتمعات العربية
- أجندة
مؤتمر مهم عقد بمكتبة الإسكندرية، فى الفترة من 17 إلى 19 يناير بعنوان «العالم ينتفض: متحدون ضد التطرف»، شهدت فعالياته وأروقته الكثير من الأمور المهمة والجدية، التى يستلزم إلقاء مزيد من الضوء عليها، فضلاً عن كم من الأسئلة التى يجوز إعادة طرحها، فقد ذهب الكثير من الحضور محملين بها ومهمومين بهواجسها، وغادروا هذا المنتدى القيم وهى ما زالت عالقة فى مقام التفكر، حيث ظل المعظم منهم وكأنه يأتنس بحمل أسئلة الآخر، أو ربما جاء الحرص على جمعها، بغرض وضعها بجوار مثيلاتها من أجل إتمام الصورة الذهنية الكاملة.
أول ما يلفت الانتباه أن مؤتمراً يتصدى لموضوع شائك كالتطرف، يتصور أن يحمل قدراً واسعاً من الجدل والرؤى المتقاطعة. لكن هذا توارى وتجلت صورة معاكسة تماماً مترجمة لإحدى كلمات العنوان الدالة «متحدون»، وهو توصيف لفعل ليس من السهل توقع إدراك مفرداته. ما جاء به الحضور على اختلاف مشاربهم «مصرياً، وعربياً» على وجه الخصوص، تجسد فيه هذا الاتحاد، فى البداية على ملامح القلق التى طغت على الجميع فالكل تحت ضغط هم حقيقى، لم يخف أحد أن أوطاننا ومجتمعاتنا تتعرض لمأزق شائك، وأن المعظم منا غير قادر على اصطناع غسل يديه من تفاصيل المشهد، والتظاهر بالقدرة على التنظير والإحالات والتأويل. وفى هذا بدا الاتحاد يصيغ مشهداً به قدر واضح من التواضع، نادر الحدوث فى مثل تلك الفعاليات، أمام أعراض لم تتكثف بهذا التداخل من قبل. على استقامة هذا الخط انجلت رؤية ظلت غائمة لفترة، وهى أن التطرف هو الأب الشرعى للإرهاب، وكلاهما عنوان لظاهرة معقدة، يمثل حمل السلاح وإطلاق النيران مجرد محطة أخيرة التى باليقين يسبقها خطوات.
عن حمل السلاح وتشكيل التنظيمات الإرهابية، دار سجال يتناول وضعيتها فى النشأة وعلى الأراضى التى مارست فيها نشاطاً مسلحاً، هل انبعاث تلك التنظيمات جاء بقرار وإرادة ذاتية لأعضائها وقياداتها، لاسيما أن الباحثين والكتاب المتخصصين أفردوا تاريخاً شبه مفصل عن محطات نشأتها وتطورها. وفق ذلك الطرح تكون المجتمعات والأفكار العقائدية المنحرفة هما التربة التى أنبتت، وهما المتهم الذى يمكن تعليق الإدانة فى رقبته. فى الجانب المقابل كان هناك من وضع تلك الإدانة مباشرة فى عنق أجهزة الاستخبارات لدول مختلفة، استناداً لمحطات أخرى فى ذات النسق التاريخى، تم تحريك وإدارة تلك التنظيمات خلالها عبر أيادى هذه الأجهزة. بقيت منطقة فى المنتصف كانت هى أطروحتى وما انحزت إليه، حيث لم أعف المجتمعات العربية باحتقانها وإخفاقاتها أمام مشكلاتها الرئيسية، لتكون بتطور منطقى هى الصانعة لمساحة الإحباط القادر على إنتاج التطرف. وفى هذا تبدأ القائمة من فلسطين الضائعة ولا تنتهى عند مشكلات مشروع الدولة الحديثة، لكنى وضعت بالموازاة دوراً رئيسياً لا يمكن تجاوزه يتمثل فى المساعدة الاستخباراتية لدول بعينها من أجل ضمان فعالية تلك التنظيمات، مستنداً فى ذلك على ثلاثة عناصر «التمويل، والتسليح، الأهداف التكتيكية»، وثلاثتهم لا يمكن تصور تنظيم إرهابى مسلح على أى ساحة عربية أو دولية قادراً على الحياة دونها. وهى عناصر غير قابلة للتوفير بالقدرات الذاتية للتنظيمات وعناصرها، فضلاً عن تقديم تسهيلات وفرض نوع خفى من التقييد على مجابهتها، وهذه مهمات لا يستطيع إنجازها سوى أجهزة استخبارات تعمل وفق أجندة الدول التابعة لها.
المساعدة الاستخباراتية التى أشرت إليها عادة تأخذ شكلاً من أشكال الاختراق للتنظيمات، وليس بالضرورة أن تكون معلنة لأفراد التنظيم بل يفضل ألا تكون كذلك، وهذا الاختراق يضمن توجيه النشاط المسلح للوجهة التى تحقق نقاطاً فى صراعات العمل السرى. وقبل مغادرة هذه المعادلة يجدر الإشارة إلى أن الحديث عن رعاية الاستخبارات للعمل الإرهابى المسلح فى نشاطه التكتيكى، ليس من قبيل صناعة وحش أسطورى غامض، يتبعه ارتكان لتجنبه تحت وقع تضخيم إمكاناته. بل هو يؤكد على شقين، الأول أنه لا يعفى مجتمعاتنا من مسئوليتها فى صناعة «القماشة الاستراتيجية» لتلك التنظيمات، عبر رعاية الفكر المتطرف وتأصيل الكراهية والتباطؤ فى اقتحام مشروعات الدول الوطنية. والثانى أن تلك المفردات الضخمة الرنانة كالاستخبارات والاستراتيجيات هى عناوين لساحة صراع، يمكن بجهد وعمل مقابل هزيمتها والانتصار عليها بل وتحطيم بنك أهدافها، بشرط إرادة خوض الصراع والتسلح بما يفوق الطرف الآخر من أدوات أكثر تماسكاً وأمضى فاعلية.
مما توحد فيه المشاركون أيضاً وأظنه على قدر عالٍ من الأهمية، أن أجهزة الدول العربية ما زالت تعانى من التكلس والنمطية وارتباك الأولويات، فى مقابل حيوية ومرونة التنظيمات المسلحة التى تعمل بأنساق حديثة. لتكون النتيجة أن التطرف يسبق المشروع الوطنى بخطوات، وقادر على القفز واستحداث الوسائط، التى تمكنه من غزو العقول والاستحواذ على رؤى المستقبل، لاسيما والسباق يجرى على الشريحة الشبابية التى عنوانها المنطقى التجديد ورفض الواقع. هذه المساحة من الرفض يمكن توظيفها إيجابياً بالجهد الجمعى لأدوات الدولة فى صناعة التطور والنمو، إذا احتل التعليم والبحث العلمى والفكرى موقعاً متقدماً فى مشروع الدولة، وإفساح المجال العام للثقافة لتكون بروافدها المتنوعة هى سلاح الاشتباك مع قضايا المجتمعات الراهنة وفق المعطيات الحديثة، وبمنطق إبداعى يحاصر التطرف والانغلاق بالمزيد من الرحابة والابتكار.
كل التحية والشكر للدكتور خالد عزب ودكتور سامح فوزى والكتيبة الشبابية المستنيرة، خلايا من النحل والجهد الصادق على مدار الساعة، واعين بالدور الثمين المنوط بهم، وخالص التقدير لكل المشاركين العرب حيث كان انتقاؤهم موفقاً وثرياً. مكتبة الإسكندرية صرح فكرى وثقافى حقيقى تفخر به مصر.