حلب الشرقية: أينما تولوا وجوهكم يدرككم... الخراب

حلب الشرقية: أينما تولوا وجوهكم يدرككم... الخراب
- أحرار الشام
- أحمد على
- أشعة الشمس
- أفلام الرعب
- أنابيب البوتاجاز
- البلدة القديمة
- البنك الإسلامى
- الجيش السورى
- الجيش العربى السورى
- أبناء
- أحرار الشام
- أحمد على
- أشعة الشمس
- أفلام الرعب
- أنابيب البوتاجاز
- البلدة القديمة
- البنك الإسلامى
- الجيش السورى
- الجيش العربى السورى
- أبناء
اختفت أشعة الشمس، خيم الغمام والظلام، انسحبت الألوان كلها ولم يبق غير اللونين الأسود والأحمر، حرائق هنا ودماء هناك، انتبه أنت فى حلب الشرقية، هنا الدمار هو العنوان.. الخراب هو سر الحكاية ومفتاح لفهم ما جرى.. ما يقرب من ست سنوات عجاف عاشتها مدينة الصناعة والتجارة السورية وعاصمة المال والأعمال، والقاطرة التى كانت تقود الاقتصاد السورى نحو التقدم، على حين غفلة من التاريخ دُمرت المدينة وهُدمت المبانى العتيقة وعبثت دانات المدافع بالقلعة التاريخية، فتحت تركيا حدودها ليعبر الآلاف من الإرهابيين والمعتوهين إلى المدينة التى كانت زاهية، لتنسحب كل الألوان من المدينة ويبقى لون الدم.
{long_qoute_1}
على مدى النظر لن ترى العين سوى ركام المبانى وأطلال مدينة كانت تزخر بالحياة فلم يبق بها سوى رائحة الموت، كان المشهد مفزعاً وكأنك فى أحد أفلام الرعب المخيفة، مئات البنايات متهدمة، ركام وأطلال ورائحة الموت فى كل مكان، أمام إحدى البنايات المتهدمة عن آخرها وقف مازن وبعض أقاربه يرفعون الأنقاض ببطء شديد ويبحثون بين الركام بحذر «هنا مات أبى وأمى» قال الشاب الثلاثينى متأثراً، «سقطت قذيفة على المنزل كانت الاشتباكات حامية جداً بين الفصائل المسلحة وقوات النظام، لم يتمكن والداى المسنان من الخروج من البيت سقطت قذيقة أحرقت كل شىء، وبقيا هنا للآن تحت الأنقاض، اشتدت المعارك وهرب الجيران بعد ذلك ولم يتمكن أحد من إخراج جثمانيهما» تركنى الشاب وذهب ليحمل أنقاض البيت الذى آوى أبويه أحياء واحتفظ برفاتهما أمواتاً.
فى شارع البنايات بوسط حلب الغربية وقفت شواهد القبور بارزة تناطح أشجار الزهر فى وسط الحديقة العامة بالحى الهادئ، لم تتضرر بنايات الحى مثلها مثل كل بنايات الحى الغربى لحلب «هنا كانت قوات النظام تسيطر على الجزء الغربى من المدينة» قال أبوعمر، سائق التاكسى، وأضاف «بينما سيطر المسلحون على الجزء الشرقى، كانت مقبرة حلب النظامية فى الجزء الشرقى تحت سيطرة المسلحين ولم نجد مكاناً ندفن فيه موتانا وما أكثرهم فى تلك الحرب، لذا حولنا الحدائق العامة لمقابر»، لم تتبق بناية واحدة سليمة بشارع سيف الدولة الحمدانى بحلب الشرقية، لم يتبق بالحى كله أية بنايات سليمة، كنا نمر وحدنا فى الشارع الكبير، الذى يعد أحد الشوارع الرئيسية بالحى الشرقى، لم يكن هناك أحد، الكل هجر الشارع الذى يوصف بأنه راقٍ، فلم يتبق فيه شىء، أمام البنك الإسلامى بوسط الشارع جلس أحمد على مشعلاً النيران فيما تبقى من أخشاب البنك المتهدم، «ما زالت خزينة البنك موجودة تحت الركام، لذا أوجد يومياً من 7 صباحاً حتى 7 مساء، وفى الليل تتولى قوات الجيش حماية أطلال المبنى، رغم الركام والأطلال كانت قوات الجيش العربى السورى موجودة بكثافة فى شارع حاجز، وعند كل تقاطع كمين، ما زالت عمليات تنظيف المدينة جارية على قدم وساق، وما زالت هناك خلايا نائمة للمسلحين أو للمتعاطفين معهم لذا فالحذر واجب، قال ملازم بالجيش السورى، طلب عدم ذكر اسمه «أساساً ممنوع أتحدث معك لكن لأنك مصرى فلا مشاكل»، أضاف الجندى وانسحب بعد أن تأكد من هويتى ومن التصريح الأمنى الخاص بى، من شارع سيف الدولة الحمدانى اتجهنا يساراً نحو شارع السكرى نفس المشاهد، أينما تولى وجهك فلن تجد غير الركام وأطلال المبانى، فى نهاية شارع السكرى أشار السائق إلى سيارة إسعاف تركية ضربها الطيران «فتحت تركيا حدودها ليمر الإرهابيون وقدموا لهم كل المساعدات» قال حارث، أحد سكان البلدة، فى ميدان صلاح الدين نصب جنود روس خيمة فى وسط الميدان، طُلب من ضابط الأمن ألا نقترب منهم أو نلتقط لهم أية صور، فى منطقة باب الحديد بالبلدة القديمة كانت سيارات تابعة لجمعية أهلية إيرانية توزع معونات على من تبقى من أبناء حلب الشرقية، تحولت المدينة إذن إلى مدينة أمنية، تعبث بها كل القوى، آلاف الإرهابيين من مختلف الدول، تساندهم تركيا وتحاربهم روسيا وإيران وحزب الله الذى ارتفعت صور قادته فوق أطلال المبانى.
{long_qoute_2}
من كل مظاهر الخراب بالبلدة الشرقية ومن داخل نصف منزل تهدمت معظم جدرانه فتح إبراهيم الأحمر سوبر ماركت «عدت إلى هنا من 4 أيام بعد غياب أكثر من خمس سنوات وجدت كل شىء متهدماً لم يبق أى شىء» نظر الرجل نحو الشارع الذى تهدمت كل مبانيه «لم يبق لنا غير التراب» قال الرجل الأربعينى «كنت أملك مصنعاً للمنسوجات ومكتب عقارات وكلها تهدمت لم يبق لى غير هذا المحل، لم أكن أتخيل أن أخرج من حلب يوماً، بعدما دخل المسلحون إلى حارتنا وجدت نفسى محاصراً، كانت كتائب لواء الإسلام تسيطر على الحارة التى أعيش بها وبعد ذلك جاء مسلحو أحرار الشام، كانت الحياة صعبة، إما تدفع لهم أو تغادر الحى، فجأة حسبونى على النظام وهاجمونى استطعت الفرار بصعوبة ومن ساعتها لم أعد، ولما عدت وجدت تعب 14 عاماً راح وذهب»، صمت الرجل ونظر بعيداً وكأنما يتذكر «لما كنت هنا كان فيه مسلحين أتراك وتونسيين ومصريين وسعوديين وأفغان، كان هنا منتخب دولى من الإرهابيين».
أغلق رجال الجيش الطريق المؤدى إلى الأوتوستراد ومنعوا المرور، كانت وحدات خاصة من قطاع المفرقعات تفحص المدرسة الصناعية وتفجر لغماً داخل المدرسة، «الألغام المنتشرة فى كل مكان أخطر ما يواجه أبناء حلب الذين يريدون العودة» قال أبوعمر السائق.
فى حى هانانو شرقى حلب الشرقية كانت المعاناة بأبشع صورها، وقف أكثر من 2000 أمام سيارة جمعية الإحسان التابعة لإيران يتلقون وجبة الغذاء اليومية، حمل كل منهم جردلاً صغيراً يأخذ فيه نصيبه من الكرنب والأرز باللحم المفروم، «نقدم يومياً 2000 وجبة للأهالى، كل فرد يحصل على 150 جراماً تقريباً الوجبة عبارة عن كرنب مسلوق مع الأرز باللحم المفروم، ولكل أسرة كيس من الخبر يضم نحو 20 رغيفاً»، قال بدر مسئول توزيع الوجبات الساخنة، وانصرف مسرعاً لينهر عجوزاً حاول اجتياز دوره للحصول على قوت أسرته.
{long_qoute_3}
حمل «محمد» حلة وجردلاً صغيراً وانتظر دوره ليحصل على الوجبة الساخنة لأسرته «لم أخرج من حلب، بقيت هنا أنا وأسرتى المكونة من أربعة أفراد واجهنا الموت كل يوم وكل لحظة، قليلون هم من بقوا فى حلب تحت رحمة المسلحين، كانوا يضربوننا ويسرقوننا ويهاجمون البيوت، ومن يحاول أن يعترض يكون جزاؤه الموت، لم يكن لى مكان أذهب إليه، بقيت أنا وأسرتى وجار لنا فى البيت معنا، كثيراً ما كنا ننام فى منزل واحد خوفاً، ودائماً ما كنا ننام جوعى لم نكن نجد هنا الأكل، كانت حياة صعبة» صمت الرجل ونظر إلىَّ خجلاً «فقدت 50 كيلو من وزنى، بسبب الجوع، كنت بطل سوريا فى رفع الأثقال، والآن أنت ترى أقف فى طابور الجوعى أنتظر من يمنحنى لقمة» انحشرت الكلمات فى حلق الرجل وانهمرت دموعه، أشاح بوجهه عنى، تركته لأفاجأ بطابور يتجاوز طوله الـ50 متراً يقف أصحابه بأنابيب البوتاجاز، اقتربت منى فتاة تبلغ حوالى 15 عاماً وسألتنى «عمو هاييجى الغاز النهاردة؟» قلت لها لا أعرف، فى ظل درجات حرارة منخفضة تصل إلى -1 ليلاً فى حلب، ومع انهيار معظم المبانى لا يتبقى للسكان غير الغاز يستخدمونه فى التدفئة، تركت هانانو أول الأحياء التى استولى عليها المسلحون فى حلب، وأول الأحياء التى حُررت واتجهت نحو حلب الغربية ماراً بمنطقة الشيخ منصور، التى كان يسكنها أكراد المدينة، وقد غادروا إلى مدينة عفرين دون قتال مع الجيش، عند دوران الكوبرى الفاصل بين حلب الشرقية والغربية والمواجه لمبنى محافظة حلب تغير المشهد، عادت الألوان للحياة وازدهر الورد فجأة، مبان من زجاج وفيلل وقصور وأزهار وحدائق غناء، من هنا لم تمر الحرب ولم تر تلك الأحياء القتال، كان المشهد غريباً، شارع واحد يفصل بين المناطق التى تهدمت عن آخرها ولم يبق منها غير أطلال وفيلل وحدائق فى حلب الغربية التى كانت تسيطر عليها قوات النظام، فى منطقة العزيزية حيث يعيش الأرمن والمسيحيون كانت بنايات زاهية مبنية بالحجر الأبيض الذى تشتهر به حلب، لم تصل الحرب إلى هنا إذن، وفى منطقة السبيل حيث تشعر أنك انتقلت إلى أوروبا، أشجار عالية شوارع نظيفة، فيلل من الحجارة الصفراء، لم يتمكن المسلحون من استهداف تلك المناطق.