خبراء: قرارات «السادات» الاقتصادية «ضرورة» أفسدها التطبيق

كتب: أحمد عصر

خبراء: قرارات «السادات» الاقتصادية «ضرورة» أفسدها التطبيق

خبراء: قرارات «السادات» الاقتصادية «ضرورة» أفسدها التطبيق

تباينت آراء خبراء وأساتذة الاقتصاد حول قرارات الإصلاح الاقتصادى التى اتخذها الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ضمن مشروع الميزانية الذى اقتضى رفع أسعار العديد من السلع الأساسية قبل 40 عاماً، حيث يرى البعض أن تلك القرارات، كانت جيدة وفق ما أشارت إليه تقييمات اقتصادية أقيمت بعد ذلك، وأن خروج الشعب ضد القرارات وقتها كان له أبعاد سياسية أكثر منه اقتصادية، فى حين يرى آخرون أن قرارات «السادات» افتقرت إلى الدراسات المسبقة التى تراعى طبيعة طبقات المجتمع المصرى، فضلاً عن اتباعه أسلوب الإصلاح الاقتصادى بالصدمات الكهربائية، وهو ما لم يتحمله المواطنون وفق حديث بعض الخبراء.

{long_qoute_1}

يقول الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادى، إن قرارات «السادات» التى عدل عنها نتيجة خروج الشعب فى الميادين المختلفة وقتها، أصبحت جزءاً من التاريخ الذى يصعب التوقف على أثر تبعاته بصورة واضحة، مشيراً إلى أن تحريك الأسعار الذى قرره الرئيس الراحل وقتها، كان الهدف الرئيسى منه هو الإصلاح الهيكلى للحالة الاقتصادية للدولة، وأن الزيادة رغم أنها كانت فى سلع أساسية إلا أنها لم تكن كبيرة كالتى نراها هذه الأيام، وأضاف «نافع» لـ«الوطن»: «الأزمة الحقيقية كانت تكمن فى نظام التسعيرة الجبرية التى كان يعمل بها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، بعد أن اعتاد الشعب على أن التحرك فى الأسعار يقابله على الجانب الآخر تحريك للأجور، رغم أن الجنيه المصرى فى عهده كان آخذاً فى فقدان قيمته، وبالتالى فإن الشعب لم يتمكن من استقبال ما فعله السادات عندما رفع يده من على الأسعار دون ضبط الأجور»، موضحاً أن هناك تقييمات اقتصادية تشير إلى أن قرارات السادات كانت جيدة وكان من الأفضل أن يتم العمل بها لولا أن خرج الشارع وقتها رافضاً لها، خاصة أن هذه القرارات كان لها مبرراتها، ومن المفترض أنها كانت ستعمل على تخفيض عجز الموازنة وقتها، وأشارت هذه التقييمات، حسبما أكد «نافع»، إلى أن الرجوع عن قرارات تحريك الأسعار وقتها كبّل الدولة بمزيد من القيود التى ما زالت آثارها موجودة حتى الآن، ويرى «نافع» أن الأصل فى تحرك الناس ضد قرارات السادات وقتها لم يكن اقتصادياً وإنما كان لأسباب سياسية نتيجة الاحتقان الذى كان يعانى منه الشارع المصرى وقتها، متابعاً: «لو كان هناك تمهيد مسبق وحوار مجتمعى لهذه القرارات مع الشعب بعيداً عن عنصر المفاجأة، ربما اختلفت ردة فعل الشارع وقتها»، مشيراً إلى أن أى حركة اقتصادية من هذا النوع يمكن أن يكون لها أثرها الإيجابى الكبير، شريطة أن يكون هذا التحرك على جميع الأصعدة، وأن يقابل الزيادة فى الأسعار زيادة فى الأجور، «من غير المقبول أن ترتفع الأسعار بطريقة مفاجئة وكبيرة، وأن تظل الأجور ثابتة فى مكانها لا تتحرك أو أن تكون حركتها بطيئة، لأن هذا أشبه بالمراهنة على أن غرفة امتلأت بالغاز لن تشتعل ذاتياً رغم أن شرارة قد تأتيها من أى وقت تؤدى إلى انفجارها». {left_qoute_1}

وقال الدكتور فخرى الفقى، أستاذ الاقتصاد فى جامعة القاهرة، إن قرارات السادات التى نتجت عنها انتفاضة يناير كانت طبيعية جداً، وملائمة لظروف مصر وقتها، رغم أن الجهاز الإدارى للدولة الموجود وقتها كان صاحب فكر محدود جداً، وكان سيواجه صعوبة فى التقدم إلى الأمام، وأضاف: «السادات كان طالع من حرب بالإضافة إلى كره الغرب الواضح له وقتها، ده غير تبعات حربى 67 والاستنزاف، كل ده أهلك الشعب المصرى بجميع أطيافه، فضلاً عن وجود الناصريين وقتها بقوة فى الشارع واللى كانوا بيلعبوا على طبقات محدودى الدخل بشكل كبير جداً».

ويرى «فخرى» أن عدم عدول «السادات» عن قراراته نتيجة الغضب الشعبى وقتها كان سيؤدى إلى مزيد من تدهور الأحوال، وكان من الممكن أن تعجل هذه الأزمة من اغتيال السادات نفسه، متابعاً: «بعيداً عن ظروف مصر وقت ما فرض السادات قراراته، خلينا نتفق على أن الإصلاح الاقتصادى بسياسة التدريج أفضل بكثير من الإصلاح السياسى عن طريق الصدمات، وهو ما يتبعه النظام الحالى رغم بطء تحركه، مع الأخذ فى الاعتبار الفجوة الكبيرة بين الطبقات حالياً على خلاف فترة حكم السادات حيث كانت الفجوة بين الطبقات ليست كبيرة بهذا القدر».

وقال الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، إن ما حدث فى 17 و18 يناير 1977، كان انتفاضة شعبية ضد الارتفاع المفاجئ للأسعار، واستخدام سياسة الإصلاح الاقتصادى بالصدمات الكهربائية دون مراعاة للبعد الاجتماعى، ودون دراسة مسبقة لمدى تأثير مثل هذه القرارات على كافة طبقات الشعب، وأضاف: «قرارات السادات وقتها تسببت فى أن كل الأسعار ضربت فى 3 أضعاف فى الوقت اللى كانت فيه الدخول ثابتة، وهى الفكرة التى تولاها عبدالمنعم القيسونى رئيس الوزراء آنذاك، لأنه كان من أصحاب وجهة النظر التى تؤمن بأن الإصلاح الاقتصادى يجب أن يكون مرة واحدة دون تدرج»، يوضح «نادر» أن أى قرارات إصلاح اقتصادى يجب أن يسبقها أولاً ما يسمى اقتصادياً بـ«شبكة الحماية الاجتماعية»، على أن يتم من خلالها دراسة الكيفية التى يمكن من خلالها تعويض المواطنين، خاصة الفقراء والطبقات المتوسطة منهم، حتى لا تنهار هذه الطبقات وتنكمش فى دائرة الفقر، ومن ثم تختفى الطبقة المتوسطة نتيجة القرارات المتسرعة، متابعاً: «هذه القرارات لولا أن تم التراجع عنها كانت ستؤدى إلى مزيد من القنوط والحقد على الدولة، لأن المواطن هيعتقد أن الدولة بهذه الطريقة لا تفكر إلا فى نفسها، ما يولد لديه رغبة انتقامية تجاهها، فضلاً عن زيادة حالات الطلاق والانتحار وكثرة الأخبار التى نسمع بها عن رب أسرة قتل جميع أفراد أسرته نتيجة غلاء المعيشة، وغيرها كثير من التداعيات الموجعة التى تحدث حالة من اليأس»، ويضيف «نادر»: «نظام مبارك تعلم الدرس من هذه الأزمة كويس جداً وتعلم كيف يمكن عمل إصلاحات وتحسينات اقتصادية بصورة تدريجية بعيداً عن أسلوب الصدمات الكهربائية، وبالفعل نتيجة هذه السياسة وصلت مصر فى أواخر عهد مبارك إلى مبلغ 37 مليون دولار احتياطى نقدى، ونسبة نمو وصلت إلى 7%، وهو ما كان بمثابة نموذج طيب للإصلاح الاقتصادى المتدرج».


مواضيع متعلقة