بديلاً للإرهاب فلنزرع سيناء زيتوناً وبشراً

خالد عكاشة

خالد عكاشة

كاتب صحفي

صدرت مؤخراً مجموعة من الاشتراطات الأمنية الواجب استيفاؤها لمن يريد دخول سيناء، والمعنى بهذه القيود الأمنية هم المواطنون المصريون أبناء المحافظات الأخرى، وجاء المقصود بما تم تعميمه هم مستخدمو «نفق الشهيد أحمد حمدى»، المتجهون إلى سيناء، والمتصور أن هناك مثيلاً لها أو أشد خاصاً بشمال سيناء، السبب واضح ولا يحتاج إلى تفصيل وهو المتعلق بـ«مكافحة الإرهاب»، العنوان مهم وكبير ويدفع الأقدام إلى الخلف تلقائياً، نحن نتفق ونؤكد على أهمية العنوان، وبمرجعية تلك الأهمية سمحنا لأنفسنا أن نختلف ونطرح رؤية مختلفة، من دون أن ترجع أقدامنا للخلف، فنحن نريدها للأمام فى ظل مواجهة مطلوب لها أن تكون وجهاً لوجه.

الإعلان عن هذا المذكور عاليه، جاء فى ظل متابعة كثيفة من الرأى العام لما يدور فى سيناء، على وقع مجموعة من العمليات الإرهابية التى وقعت فى العريش، وعادة تلك المتابعة تأخذ شكلاً موسمياً مصاحباً لسقوط شهدائنا الأبرار فى تلك الحرب المعقدة، ولا أعلم يقيناً هل صارت المتابعة الإعلامية التى هى الأخرى بذات النمط الموسمى، مقصودة بأن تظل هكذا، أم أن المشهد ينسحب تلقائياً من الاهتمام بمجرد تشييع الجنازات، ففى الوقت الذى ذكر فيه السيد الرئيس شخصياً بعضاً من البيانات والأرقام عن حجم ما يتم على الأرض، أشار بلهجة عتاب عن غياب الاهتمام اللازم بحرب حقيقية تدور على أرض سيناء، وفى ظل البحث عن أطراف عدة يفترض أن لها أدواراً لصياغة هذا النوع من الاهتمام لدى الرأى العام، انقسم هذا الأخير على نفسه فى تفسير قرار الاشتراطات الأمنية المتعلقة بسيناء، فهناك من رأى أنها واجبة كى تتمكن القوات المسلحة والشرطة من تطهير مدن سيناء من العناصر الإرهابية، وآخرون ذهبوا إلى أن قرارات بهذا الشكل من العمومية لتقييد الحركة إلى سيناء، هو بمثابة تقديم خدمة للإرهاب الذى يريدها قطعاً مساحة خالية من البشر والأحداث، فهذه هى البيئة النموذجية للنمو والتوغل فى طياتها، لا سيما أن العناصر التى تريد الانضمام إلى تنظيمات إرهابية، لا يتصور سلوكها تلك المسارات المراقبة أمنياً «نفق أحمد حمدى، كوبرى السلام، المعديات العائمة».

مع كل تقديرى لمسببات الطرح الأول ولمن رأى إصدار هذه القرارات، إلا أنى أعلن انحيازى المطلق لما جاء فى الرؤية الثانية، وأستند أولياً فى ذلك إلى أن «حالة التقييد» ظلت مطبقة فعلياً منذ العام 2013م، واليوم بعد ما يقارب الأعوام الأربعة، هل النتيجة تفضى إلى المزيد من التشديد والإصرار على ديمومتها، أظن إجابة الوضع الراهن ليس فى صالح تلك الرؤية، وحرب معقدة ضد إرهاب سيناء تحديداً، لا أظنها بحاجة لأفكار تقليدية ربما تعمق الخطر، حتى لو اقتصرت على إطالة عمرها الزمنى، لذلك يبدو قطع الطريق على هذا التمدد الذى يحمل فى طياته نذر «التحور» من مقتضيات اللحظة الراهنة، وليس أهم اليوم من البحث عن التكتيكات الخلاقة، لصياغة مكونات مشهد جديد فى المجابهة، على الأقل لتحقيق مساحة من السبق عن خطط التنظيم الإرهابى الذى يحرص على أن يتمتع بأكبر قدر من المرونة والتجدد.

ليس المقام ولا المساحة بما يسمح بالخوض فى تكتيكات جديدة، لكن يظل الإلحاح على ضروريتها واجباً وهو مما لا ينتقص من جهد القائمين على الملف، ومن خلال قدر الاهتمام الذى لا يقل ضرورة، يمكن الإشارة إلى أن إرهاب سيناء قولاً واحداً هو صنيعة الفراغ، البارز فيه هو الأرض والبشر، وعلاجهما قادر على قلب معادلة سيناء إيجابياً، هو ليس عنواناً استراتيجياً حتى ولو بدا للوهلة الأولى يحتاج لوقت وأموال، وكلاهما لا نملك رفاهية إنفاقهما أو انتظارهما، لكننا تحت نيران خطر حقيقى لا نملك التعلل بأننا لم نبدأ بخطوات على الطريق، ولم نذهب للتحرك بإمكاناتنا المتوافرة، صعيد مصر الموجود به القرى الأكثر فقراً على مستوى الجمهورية، هو ثرى بالسواعد والبشر القادرين على تعويض الفراغ فى سيناء، وتحريك تلك القرى ونقلها بالكامل إلى هناك فى منظومة مشروعات محددة، يعالج ويصحح مشكلة مزدوجة لكلا الطرفين، وتشكل نواة فعلية يمكن البناء عليها فى مستقبل منظور.

فى سيناء، ثلاثة عناوين جاهزة لاستجلاب هذا العدد الكثيف المستهدف توطينه على هذه الأرض، وجميعهم لا يستلزمه رؤوس أموال ضخمة، فقط هم بانتظار خطوة البداية بالنظر إلى موقع شمال سيناء المتاخم لمخطط إقليم قناة السويس. «زراعة أشجار الزيتون، بحيرة البردويل، ملاحات الساحل الشمالى»، هذه المشروعات قادرة على إنتاج «زيت زيتون، أسماك، الملح الصناعى والطعام» وتتمتع سيناء فيها بميزة تنافسية حقيقية، بشرط إخضاعها إلى إنتاج كثيف ومطور بهدف التصدير عبر موانئ قناة السويس أو العريش، وجميعها على مرمى حجر من القدرة على المساهمة فى ميزاننا الإجمالى للناتج القومى، أهالى شمال سيناء لديهم خبرة متميزة فى تلك المشروعات خاصة فى إنتاج «زيت زيتون» فائق الجودة، ومنه يصدر للخارج، لكن بكميات محدودة بالنظر إلى الإمكانيات المتاحة القادرة على صناعة رقم مهم فى السوق الدولية لهذا المنتج الثمين، وأهالى سيناء بشبابها لهم الدور الأبرز فى فاعلية هذه «المنظومة»، فمن خلال النشاط الزراعى والصناعى المصاحب لهذه المنتجات، قادرة على بث روح الأمل فى غد أفضل يرونه بأعينهم، ويتملكون فيه ويعملون بديلاً عن الركود الساكن فى جنبات الصحراوات المفتوحة، وإن كان من السهل طى تلك السطور حتى نفرغ من الحرب على الإرهاب، فربما يكون من الأسهل مدها على استقامتها للمضى فيها قدماً، يقيناً بأنها قد تشكل ترياقاً للخطر ولغيره من أعراض الفراغ القاتل.