الدولة والإعلام.. ومعضلة «الأمن القومى»
- أمن الدولة
- إبراهيم المصرى
- الأسبوع الماضى
- الأمن القومى
- الأمن الوطنى
- الإعلام الخاص
- الإعلام المصرى
- التحريض على العنف
- آداب
- أبناء
- أمن الدولة
- إبراهيم المصرى
- الأسبوع الماضى
- الأمن القومى
- الأمن الوطنى
- الإعلام الخاص
- الإعلام المصرى
- التحريض على العنف
- آداب
- أبناء
يعيش الإعلام المصرى عهداً من أسوأ عهوده وأكثرها اضطراباً، وتتزايد الضغوط على الصناعة يوماً بعد يوم، ومع ذلك لا يزال الإعلام محافظاً على مكانة كبيرة، باعتباره «مالئ الدنيا وشاغل الناس»، ولا يزال التعويل على دوره أكبر من طاقته ومن طاقة غيره من القطاعات.
فى الأسبوع الماضى، نشرت فى هذه المساحة مقالاً بعنوان «الدولة والإعلام.. والأخطاء الثلاثة»، وهو المقال الذى سعى إلى استعراض السلبيات التى تعترى العلاقة بين الدولة وقطاع الإعلام، قبل أن يخلص إلى أن «أى عملية إصلاحية للمجال الإعلامى لا يمكن أن تنجح من دون سياق سياسى مواتٍ، وهذا السياق بالذات يجب أن يتحلى بدرجة عالية من الشفافية، وأن يتسم أيضاً بدرجة مناسبة من الرشد، الذى بفضله سيدرك صناع القرار أن القمع والمصادرة والتأميم باتت سياسات من الماضى، لا يمكن أن تنجح مع واقع الإعلام الذى نعيشه الآن».
لقد تلقيت ردوداً وتعليقات عدة على هذا المقال، أرسلها مختصون ومتابعون مهتمون، وقد انقسمت، كالعادة، إلى قسمين كبيرين؛ أحدهما مؤيد، والآخر معارض، لكن أحد هذه الردود، جاء مهماً وثرياً، بحيث دفعنى إلى الاستئذان لنشره فى السطور التالية:
«تحية طيبة من كندا..
أنا عاشق للمحروسة، ويهمنى أمرها، وقد قرأت مقالك الأخير عن الإعلام والنقاش الدائر حوله، وعن حريته وممارساته، وتدخل الدولة، ورأس المال.
نحن نتفق جميعاً على أهمية الإعلام لبناء الدولة الحديثة، لكن مع هذا فلدىّ بعض الملاحظات:
أولاً: إن الإعلام صناعة، بها مستهلك، ومالك، وإعلامى، وقانون، وعُرف، ورأى وخبر.
ثانياً: حال الإعلام فى مصر أفضل من كل الدول العربية، وتركيا، وإيران، وإسرائيل، ونتمنى المزيد.
ثالثاً: لا يمكن تجاهل وضع مصر كدولة تخلصت للتو من حكم فاشى لجماعة دينية، تستخدم القتل والإرهاب والترويع، وتبث سموم الإحباط وعدم الاستقرار، وهى جماعة مدعومة من جهات خارجية.
رابعاً: كما تتدخل الدولة (أى دولة) فى الاقتصاد بدرجات متفاوتة من الصين إلى الولايات المتحدة، تتدخل أيضاً فى الإعلام بدرجات متفاوتة.
خامساً: أصحاب وسائل الإعلام الخاصة فى مصر لا يصح أن يعملوا بمنأى عن ظروف البلد؛ فالمالك قد يعطى نسبة من دخل الإعلانات لأحد النجوم الكبار، وهذا الأمر، للأسف، يدفع هذا النجم الكبير إلى الهجوم والانتقاد، ليجذب مشاهدات أكثر، بعيداً عن الالتزام بالقواعد المهنية.
سادساً: الهجوم (عمال على بطال) يُفقد المسئول العزيمة والرغبة فى العمل، ويصيب المشاهد بالاكتئاب.
سابعاً: مصر فى حاجة ماسة إلى النقد البناء حتى لرئيس الجمهورية، وهذا يعنى الإشادة بالعمل الجيد ونقد الخلل والتقصير وتقديم الحلول.
ثامناً: المجتمع الإعلامى فى مصر يحتاج أن يعرف جيداً أن العرف المجتمعى فى بلاد الغرب يحجم حرية الإعلامى إلى حد كبير، وهناك تكاليف كبيرة يدفعها الإعلاميون نتيجة لبعض الأخطاء التى يرتكبونها، ومن تلك التكاليف فقدان الوظيفة، وأحياناً الذهاب إلى السجن. فمثلاً مستحيل فى الولايات المتحدة أن تكتب أن النظام الشيوعى هو الأفضل، وفى فرنسا وكندا لا يمكنك التشكيك فى (محرقة اليهود).
مع خالص تحياتى.
أ.د.محمد إبراهيم المصرى، أستاذ هندسة الإلكترونيات، بجامعة واترلو، كندا».
لقد انتهى التعليق المرسل من الدكتور محمد المصرى، وهو «بروفيسير» مرموق فى إحدى الجامعات الكندية، فضلاً عن اهتماماته بالإعلام والشأن الوطنى، ومن الواضح أن تعليقه يفتح الباب لطرح السؤال عن الطريقة المثلى للتعامل مع الإعلام خصوصاً فى أوقات الأزمات وتفاقم الضغوط والتحديات الإرهابية.
أنا أتفق مع الدكتور المصرى فى الكثير مما قاله، خصوصاً فيما يتصل بضرورة خضوع المجال الإعلامى لقواعد تنظيمية ترسيها الدولة، والتأكد من أن الممارسات الإعلامية الحادة لا تتسبب فى مخاطر قد تقوض الأمن الوطنى.
وأعرف أن الدول الغربية الكبرى لا تتسامح إزاء كثير من المخالفات التى تمس أمن الدولة والمواطنين بداعى الحفاظ على حرية الرأى والتعبير، وأنها كثيراً ما تتخذ إجراءات عقابية بحق بعض الممارسات الإعلامية.
ولأن جزءاً من السيادة الوطنية يتعلق بالسيادة على المجال الإعلامى، فقد ظهر اتفاق واضح بين كثير من الباحثين على أن الحكومة فى أى دولة ذات سيادة مطالبة بأن تتخذ الإجراءات اللازمة حيال وسائل الإعلام الداخلية والخارجية التى تستهدف الأمن القومى.
يظل هذا التدبير الحكومى جزءاً من مسئولية حماية أمن الدولة والمواطنين والخصوصية والكرامة الإنسانية والوحدة الوطنية والتماسك الأهلى والآداب وحقوق النشء والفئات المهمشة والضعيفة.
وتظل قدرة كل دولة على أن تمارس تلك المسئولية دون أن تجور على حرية الرأى والتعبير مناط الاهتمام والتقدير.
ومع ذلك، فسيكون من المناسب جداً توضيح الحدود التى يمكن أن تعتبر فيها أى دولة أن ممارسةً ما عبر وسائل الإعلام التقليدى أو الجديد «حرية رأى» أو «انتهاك للأمن القومى»، لكن، للأسف، فإن هذا لا يحدث بشكل دقيق فى كل الأحوال.
إن الحق فى حرية الرأى والتعبير، والحق فى إعلام حر منفتح بلا أى رقابة أو تضييق، يستلزم صيانة جملة أخرى من الحقوق؛ على رأسها الحق فى الخصوصية، وفى الحصول على معلومات سليمة غير مضللة، وعدم التمييز بين المواطنين، أو التحريض على العنف، أو بث الكراهية.
إن وظائف الدولة متشعبة ومتنوعة ومعقدة لكن على رأسها بالطبع صيانة الأمن الوطنى، وإذا كانت الدولة تُسخر موارد وطاقات عديدة للدفاع عن السيادة والتراب، فإنها أيضاً تجهز وسائل وأدوات مختلفة للدفاع عن أمنها وأمن مواطنيها فى المجال الإعلامى.
وستظل قدرة الدولة على توفير إطار مناسب من حرية الرأى والتعبير محل تقدير كبير، كما ستظل التدابير التى تتخذها من أجل حماية القيم الوطنية من الممارسات الإعلامية الحادة محل تشكيك وانتقاد فى كثير من الأحيان.
ستتصاعد الشكوك فى سلوك الدولة حيال حرية الإعلام كلما كان هذا السلوك انتقائياً يكيل بعدة مكاييل، وسيسود الاعتقاد فى سلامة منطلقات هذا السلوك كلما كان مستقيماً وعادلاً.
وببساطة شديدة، فأنا أفهم مثلاً أن دولةً ما تعاقب وسائل الإعلام والإعلاميين الذين ينتهكون الخصوصية، لأن تلك الخصوصية حق مصون، لكن لا أفهم أن تكون هناك انتقائية فى حماية هذا الحق، بمعنى أن يتم التسامح مع انتهاك خصوصية الخصوم والمنافسين، ولا يتم التسامح مع انتهاك خصوصية التابعين والأنصار.
بمعنى آخر، أنا أفهم تماماً أن دولة ما تتخذ إجراءات قاسية بحق وسيلة إعلام تحرض على العنف ضد أبناء منطقة معينة، أو أتباع دين معين، أو المنتمين لمذهب ما، أو أنصار فريق سياسى، لكن ما لا أفهمه أن تتغاضى الدولة عن تلك الإجراءات، وتتجاهل تلك الجرائم والأخطاء، إذا كان التحريض ضد أعداء النظام ومنافسيه.
يجب أن يخضع الإعلام لتنظيم، ويجب أن يكون هذا التنظيم كفؤاً وصارماً بما يكفى للحد من الانفلاتات والتجاوزات التى تؤثر فى الأمن القومى، لكن يجب أن يكون هذا التنظيم رشيداً وعادلاً بما يكفى فى الوقت ذاته.