الدكتور محمد دويدار: الحكومة تُقبّل يد رأس المال الأجنبي استعطافاً له ونستطيع أن نعيش بدونه لو توافرت الإرادة السياسية

الدكتور محمد دويدار: الحكومة تُقبّل يد رأس المال الأجنبي استعطافاً له ونستطيع أن نعيش بدونه لو توافرت الإرادة السياسية
- أجهزة الدولة
- أزمة الدولار
- أزمة سد النهضة
- أزمة مالية
- أسعار السلع
- أطراف الصراع
- أعمال المنزلية
- أوضاع المرأة
- أيام السادات
- أبعاد
- أجهزة الدولة
- أزمة الدولار
- أزمة سد النهضة
- أزمة مالية
- أسعار السلع
- أطراف الصراع
- أعمال المنزلية
- أوضاع المرأة
- أيام السادات
- أبعاد
قال عالم الاقتصاد المصرى، الدكتور محمد حامد دويدار، إن برنامج الإصلاح الاقتصادى، الذى قدمته الحكومة للبرلمان وحصلت بموجبه مؤخراً على قرض من صندوق النقد قيمته 12 مليار دولار، لا يدعو للتفاؤل، لأنه لم يسبقه تشخيص متكامل لمجمل أوضاعنا وإمكانياتنا، وأى علاج لا يسبقه تشخيص دقيق لا يكون علاجاً.
وأضاف، أستاذ الاقتصاد السياسى المرموق بجامعة الإسكندرية فى حواره لـ«الوطن»، أن نقطة الانطلاق الحقيقية لاقتصادنا مرتبطة بإحياء السياسة التى ماتت منذ عام 1952، وإعادة النظر فى سياسات الانفتاح الاقتصادى التى بدأت منذ عام 1974، وحذر من الاعتماد المتزايد على رأس المال الأجنبى، موضحاً أنه لم يبن أبداً اقتصاد أى دولة ولم ينتعش فى أى بلد يعانى فيه المستثمر الوطنى، وأكد أن هدف صندوق النقد الدولى ومنذ تأسيسه عام 1944 هو حماية رأس المال الغربى، ولفت إلى أن كثيراً من مؤسسات الدولة معنية فقط بخدمة رجال الأعمال وأصحاب المصالح على حساب القطاع الأكبر من الشعب والشرائح الفقيرة المهمشة، وعبر «دويدار» عن تفاؤله بمستقبل مصر رغم الظروف الصعبة، مؤكداً أن مصر لديها مقومات نجاح لكنه لن يتحقق فى ظل سياسات متناثرة الأجزاء تفتقد التخطيط الذى يجرى تهميشه منذ السبعينات، ما أدى لكوارث نعانى منها حتى الآن. وإلى نص الحوار:
{long_qoute_1}
■ كيف ترى برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى قدمته الحكومة للبرلمان وحصلت بموجبه مؤخراً على قرض من صندوق النقد قيمته 12 مليار دولار؟
- أراه بداية غير رشيدة وليس فيه ما يدعونى للتفاؤل بحدوث تطور أو الإصلاح الذى يتحدثون عنه.
■ لماذا؟
- لأنه لم يسبقه تشخيص متكامل لمجمل أوضاعنا وإمكانياتنا، وأى علاج لا يسبقه تشخيص دقيق لا يكون علاجاً، نقطة البدء يجب أن تكون بتحديد أبعاد الخريطة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهى 3 محددات، أولها براح مكانى يتمثل فى مليون كيلومتر مربع ذات تنوع غير موجود فى أى مكان فى العالم، نهر وبحار، أى مسطحات مائية متنوعة، فلدينا مياه عذبة ومالحة ومختلطة إلخ وصحارى وسهول وهضاب وجبال ومصادر طاقة غير متجددة ومتجددة غير مستغلة، هل تعرف أن مصر من أكثر دول العالم استقبالاً للشمس، وحتى هذا اليوم ليس لدينا طاقة شمسية كافية حتى للأعمال المنزلية، وثانيها ثروة سكانية هائلة، فالسكان مصدر النشاط الاقتصادى باعتبارهم القوى العاملة، ومصب للنشاط الاقتصاد باعتبارهم المستهلكين، أى من الناس ننتج ولهم ننتج، والبعد الثالث يتمثل فى الرغبة الشعبية للتغيير بداية من يناير 2011، إذن ما الذى يعجزنا عن التطور سوى أداء الدولة المخيب للآمال؟
■ ماذا تقصد؟
- أقصد أنه لا يوجد أمل فى الإصلاح الاقتصادى أو أى تقدم بالتركيبة الاجتماعية والسياسية لأجهزة الدولة، هناك تناقض كبير بين الدولة والشعب، والدولة غير معنية بأكثر من 70% من المصريين. فى منتصف التسعينات أرادت منظمة «اليونيسف» عمل برامج لتحسين أوضاع المرأة المصرية، وتطلب ذلك بحثاً مطولاً لرصد أوضاع سيدات فى محافظات مصر المختلفة، وكانت البداية من محافظة الإسكندرية، وطلبوا منى الإشراف على العمل الذى يقوم به 10 فرق بحثية انتهيت إلى أن 27% من أهالى المحافظة يعيشون فى العشوائيات، و80 ألف أسرة تعيش فى شقة من حجرة واحدة، واقترحنا برنامجاً للتخلص من العشوائيات على مدار 5 سنوات كبداية لتحسين أوضاع المرأة بتكلفة 7 مليارات جنيه، لكن لم يستجب لنا أحد فى الوقت الذى أنفقت فيه الدولة مليارات الجنيهات على تطوير الساحل الشمالى، الذى لا يستخدم إلا لأسابيع قليلة فى العام، هذا مثال يوضح لك أولويات السلطة فى مصر منذ سنوات طويلة.
{left_qoute_1}
■ لكن هذا مجرد مثال؟
- ليس مثالاً هذا توجه عام لسلطة ترتبط مصالحها بشكل مباشر وغير مباشر برجال الأعمال، مع جهل اقتصادى وعقم سياسى. لكى تعرف طبيعة أى دولة عليك أن تدرس إلى أى فئة اجتماعية وأيديولوجية ينتمى شاغلو المراكز المفتاحية فى الدولة، وهذه دراسة لم تتم، فنحن لا نعرف طبيعة وأولويات من يحكمنا، ويمكن أن تتعرف على أولوياتهم بطريقة أبسط من خلال قراءة الموازنة العامة للدولة التى تعكس بوضوح مدى انشغالها بالطبقات الموجودة فى البلاد، ومن خلالها تعرف هل اتجهت الحكومة لخدمة المناطق الفقيرة، أم المناطق التى لا يسكنها إلا الأغنياء؟ الدولة بتكوينها الحالى ليس لها دور تقدمى فى إصلاح أحوال الشعب. لماذا نحتاج كل هذه السنوات لإلغاء المنطقة الحرة ببورسعيد التى خربت الصناعات هناك. وهذا مثال آخر على انصياع الحكومة لمصالح رأس المال المحلى والأجنبى الذى تُقبل الحكومة يده استعطافاً له حتى يأتى لبلدنا.
■ وما العيب فى ذلك؟ كل دول العالم تتسابق على جذب المستثمرين ومعهم تأتى المشروعات، فالتنمية فالرفاهية؟
- غير صحيح، الأجانب هم من أدخلوا فى عقولنا أنهم هم الأمل، رأس المال الأجنبى لم ينتعش فى أى بلد لم ينتعش فيه رأس المال الوطنى، ثم انظر إلى وضعك وعلاقتك برأس المال الأجنبى، أنت بلد يغلب على اقتصاده الزراعة، لكن الزراعة متأخرة، والصناعات قمت بتصفيتها تدريجياً مع بداية الانفتاح الاقتصادى فى عام 1974 وما تبقى منها ضعيف، وغذاؤك لا يكفيك ووارداتك أكبر من صادراتك، ومعظم هذه الصادرات مواد أولوية، والخلل فى ميزان المدفوعات قديم منذ أكثر من 20 عاماً، وليس لديك إطار تنظيمى يحمى المستثمر ويشجعه. رأس المال الأجنبى يفضل فى هذه الحالة أن يقرضك فقط وبشروطه، رأس المال الأجنبى ينهب البلاد ولا ينميها، أنت تفتح حدودك لشركات أجنبية وليس لديك قطاع عام أو خاص قادر على منافستها أصلاً، وهم حريصون على قتل هذه المنافسة من خلال الإذعان لشروط الصندوق النقد الدولى الذى أخطأت بالتعامل معه مجدداً.
■ هل اطلعت على شروط وبنود الاتفاق الأخير مع الصندوق؟
- لست فى حاجة للاطلاع عليه لأنها معروفة سلفاً، هناك فرق بين الشروط والمشروطية، الشروط تفاصيل تختلف من قرض لآخر، أما المشروطية فهى سياسة دائمة متفق عليها بين الصندوق والبنك الدولى تسمى بـ«التكيف الهيكلى»، وهذه ثابتة ومعروفة وتتضمن ضرورة بيع القطاع العام وإطلاق الحرية للقطاع الخاص وفتح حدودك للاستثمار الأجنبى وعدم تدخل الدولة فى الأثمان ورفع الدعم، أى ألا تلعب الدولة أى دور اقتصادى، وعلى الدولة المقترضة احترام هذه التوجهات إذا أرادت الحصول على القرض.
■ لكن صندوق النقد تغير وأصبح يحترم ويراعى خصوصيات كل دولة ويراعى الأبعاد الاجتماعية لبرامج الإصلاح التى يقرها؟
- غير صحيح، الصندوق منذ نشأته فى عام 1944 كان وما زال هدفه تحويل العالم كله لساحة اقتصادية مفتوحة لرأس المال الأجنبى الغربى وتحديداً الأمريكى. الولايات المتحدة خرجت من الحرب العالمية الثانية كأقوى اقتصاد فى العالم، فقد كانت إنتاجية العمل هناك أعلى ونفقة الإنتاج أقل، ما جعل أسعار السلع أرخص وأكثر تنافسية، لذلك كان من مصلحتها أن يكون العالم سوقاً واحدة ينظمها حقل قانونى واحد، وانضمت لها دول أوروبية واتفقوا أن يكون رئيس البنك الدولى أمريكياً ورئيس الصندوق أوروبياً، كما هو الحال مع كرستين لاجارد الآن، أهداف الصندوق خدمة رأس المال الغربى، ألم تلاحظ أن أحد شروط الاتفاق الأخير دفع مديونياتك المتأخرة لشركات النفط العالمية؟
■ منطق الصندوق الذى قبلته الحكومة هو أن سداد هذه المتأخرات سيشجع هذه الشركات على مزيد من تطوير الحقول المصرية، كما حدث فى حقل ظهر، وبالتالى يصب ذلك فى صالحنا.
- هذا ما يحاولون إقناعنا به، لكن واقع الأمر أن شروطهم تعكس أولوياتهم، وشرط سداد الديون يعكس حرصهم على خدمة الشركات العالمية وليس تنمية حقولك، أى أعطاك الدولار بيد وأخذه منك باليد الأخرى. ثم لماذا تظل معتمداً بالأساس على هذه الشركات؟ لديك شركات محلية لماذا لا تعتمد عليها؟ لماذا لا نحذو حذو الصين وروسيا وريثة الاتحاد السوفيتى اللتين نجحتا بالتخطيط والموارد المحلية فى بناء دولتين كبيرتين دون أن تقترضا مليماً. نستطيع أن نعيش بدون مساعدة الأجانب لو توافرت الإرادة السياسية، لكن هذه الرؤية غير موجودة أصلاً.
{long_qoute_2}
■ وما البدائل لقرض الصندوق وشروطه؟
- لا توجد بدائل أمام أى دولة تصر على اعتناق اقتصاد السوق، رغم أنه ليس لدينا سوق مستقلة لكنها سوق مرتبطة بالسوق الدولية، صادراتنا محدودة ووارداتنا غير محدودة، جهاز الإنتاج تمت تصفية معظمه، والدولة نفضت يدها من الزراعة، وقالت إنها غير معنية بتنظيم شئونها منذ أيام وزير الزراعة الأسبق يوسف والى، رغم أننا دولة تقوم على الرى ولا بد لها من دورة زراعية، ما يعنى أننا لا نملك تشخيصاً للاقتصاد القومى، والتعليم لا يمشى بالمنهجية المطلوبة، وأنا شخصياً لدىّ طلبة فى السنة الرابعة بالكلية، لا يذكر ما درسه فى العام الدراسى السابق، والنتيجة لا يوجد مسئول ألمعى، ماتت الطبقة السياسية فى مصر منذ عام 1952، وبالتالى تحول الوزراء إلى فنيين مع جهل سياسى وبعضهم مع المحسوبية جهلاء فنياً وفسدة.
■ وما الحل من وجهة نظرك لمشاكلنا الاقتصادية؟
- الأمل هو تفعيل الحياة السياسية، وهذا يأخذ وقتاً ولا بأس لو كان المسار يعطى أملاً والأمل يحقق المأمول، المهم أن يكون الطريق واضحاً، والوضوح يتطلب تخطيطاً والدولة تعادى التخطيط وتكرهه منذ عام 1974 وحتى الآن، «أرسطو» عرّف الإنسان بأنه «حيوان مخطط» الكائن الوحيد الذى يحدد هدفه قبل الوصول إليه، هل يعقل أن تسير مصر بلا تخطيط ونحن من ابتدعنا الدولة كشكل سياسى لتنظيم الحياة اليومية؟
■ لكن كيف تعادى الدولة التخطيط ولديها وزارة تخطيط؟ ولماذا تعادى التخطيط أساساً؟
- التخطيط يتطلب بطبيعته رقابة متعددة الدرجات، فالخطة توضع فى وزارة التخطيط وتنفذ فى كل الوزارات، ثم تأتى الرقابة بكل أنواعها، سواء كانت إدارية من داخل نفس المؤسسة أو من جانب أجهزة رقابية وبرلمانية، وفى حال وجود أحزاب فاعلة تضاف أيضاً رقابة شعبية من خلال هذه الأحزاب، ولهذا كله لا تحب حكوماتنا هذه الرقابة وتهرب منها برفض التخطيط من أساسه، حتى فى ظل وزارة تخطيط يقتصر دورها على أنشطة هامشية وجزئية، ولا يمكن أن نحقق نهضة بدون تخطيط قائم على تحديد أولوياتك وإمكاناتك.{left_qoute_2}
■ معنى ذلك أنك ترى أنه ليس لدينا حالياً مقومات النهضة الاقتصادية؟
- لدينا مقومات النجاح، ولكنه لن يتحقق فى ظل سياسات متناثرة الأجزاء تفتقد التخطيط، لن نستطيع أن نفصل السياسة عن الاقتصاد، الزعيم الصينى التاريخى ماو تسى تونج حين سألوه عن تعريف السياسة قال «هى الاقتصاد المركز» وتكتيكاً هى فن عقد التحالفات ولو للحظة، يقصد أن جوهر سياسة أى بلد هو الدفاع عن مصالحه الاقتصادية فى الداخل والخارج، وسياساتنا منذ مطلع السبعينات لا تراعى مصالحنا. وعلى سبيل المثال فإن المجال الجيوسياسى لمصر هو أفريقى قبل أن يكون عربياً بسبب كوب الماء الذى نشربه، ومع ذلك كنا وما زلنا نهمل الدول الأفريقية والنتيجة ظهور أزمة سد النهضة، أتعجب حين يقترح الناس الاستفادة من نهر الكونغو، نحن نحتاج لتحقيق هذه الاستفادة تغيير المجرى على طول 500 كيلو ويمر بـ3 دول، «علشان يوافقوا ماذا ستعطيهم؟» كان هذا أمراً ممكناً فى الماضى أما الآن فلا وجود لنا هناك، كان لنا فى كينشاسا على سبيل المثال 200 مدرس لغة فرنسية فى السبعينات كمنحة مصرية، أما الآن فغيرنا هو من يساعد هذه الدول وبالتالى ملك النفوذ فيها، تراجع الاهتمام بالدول الأفريقية ليس نتيجة نقص فى الإمكانات ولكن عيب فى الإدارة، عندما طلبت تركيا من العراق أن تمدها بالنفط مقابل المياه التى تأتى إلى العراق عن طريق دجلة والفرات من منابعهما فى تركيا قلت إن الدور سيأتى علينا أى أن تطلب منا دول أفريقيا تحت ضغوط الدول الكبرى مبادلة المياه بالطاقة، متمثلة فى الغاز الوفير الذى ظهر عندنا.
■ لكن ماذا يمكن أن نفعل الآن فى ظل الأوضاع القائمة؟
- هذا سؤال فضفاض، الدولة تستطيع أن تفعل الكثير لو توافرت الإرادة والرؤية، وهذا غير قائم الآن، توجه الدولة سلطوى وليس إنتاجياً، وحين تحتاج أموالاً تهرول لزيادة الضرائب من الأسواق مثل ضريبة القيمة المضافة بدلاً من دعم مصادر الإنتاج، يجب أن تبحث عن تعظيم الإنتاج وليس الجباية، وحين تحصل الضريبة يجب أن تراعى تحميل الأغنياء العبء الأكبر. الانفتاح الاقتصادى هدفه خدمة رأس المال الأجنبى، وصندوق النقد يمثل رأس المال الأجنبى، انظر ماذا يطلب منك، طلب منك تبيع ما تملك وتخفف الدعم. وإذا لم يكن هناك بد من هذه الخطوة، ما كان يجب رفع الدعم عن الوقود الموجه للزراعة، لأن هذا سوف يرفع المواد الغذائية وليس لديك اكتفاء. أحد شروط الصندوق وسياساته الدائمة هو التقشف، والتقشف يعنى الادخار، والهدف ليس تحقيق التنمية وإنما توفير فائض يمكنك من دفع ديونك الخارجية.
{long_qoute_3}
■ كيف ترى أزمة الدولار الحالية؟
- هذه ليست أزمة جديدة، هى أحد مظاهر الفساد وسوء التخطيط منذ أيام بزنس «تجارة الشنطة» أيام السادات، التى صنع أصحابها ثروات ضخمة جداً وبعضهم الآن وأولادهم هم كبار رجال الأعمال اليوم، ثم بدأت عملية استيراد أجهرة منزلية كاملة فى كرتونة واحدة ثم يبيعونها كمنتج وطنى بعد تجميعها بأرباح فاحشة، كمنتج وطنى ثم شركات توظيف الأموال، وكلها ممارسات ما كان يمكن أن تتم لولا تواطؤ كبار موظفى الدولة.
■ لكنك تبدو متشائماً جداً؟
- غير صحيح، يجب أن يكون للتفاؤل والتشاؤم أساس، وأنا لست متشائماً إنما حيادى فى الحكم، وإذا كان ولا بد من تصنيفى فأنا متفائل لعلمى بقدرات الشعب ورغبته فى التغيير، وأؤكد لك أن الشعب لن يهدأ حتى يعيد البلد لمساره الصحيح.
■ بعيداً عن مصر، كيف تفسر تلاحق الأزمات الاقتصادية فى مختلف دول العالم؟
- تقديرى منذ سنوات أن الأزمة المالية العالمية الناتجة عن قروض سوق الائتمان العقارى فى أمريكا عام 2008 لم تكن مجرد أزمة مالية، بل أزمة تاريخية لمجمل النظام الرأسمالى الدولى؟ وانظر حولك: من سعيد فى كل شعوب العالم؟ لا أحد، الكل تعيس ومثقل بكل أنواع المشاكل، ما يعنى أن هذا النظام الذى لعب دوراً هائلاً فى تطور البشرية بات يعلن عن انقضائه، وكأنه يقول «وصلت العالم لغاية هنا وكفاية مش قادر»، منذ عدة سنوات كانت هناك 83 مدينة ثارت ضد الرأسمالية فى وقت واحد، ما يعنى أن العالم يبحث عن بديل للرأسمالية التى لم تعد قادرة على الاستمرار فى التطوير الاقتصادى للمعيشة. والعولمة فى ظل انهيار الرأسمالية تؤدى «لبلقنة الدولة أى تفتيتها وشرذمة المجتمعات» على أساس ومعايير عرقية وطائفية.
■ وماذا تستفيد الدول الرأسمالية من سقوط الدول؟
- تستفيد السيطرة عليها وتحقيق مصالحها.
■ لكن الفوضى التى تعقب سقوط الدول يمكن أن تهد مصالح هذه الدول؟
- الدول القوية تستطيع تحقيق أمنها بالعنف إذا تطلب الأمر كما حدث فى العراق، رأس المال عنيف بطبعه ولا يشبع لأن هدفه تعظيم الربح (أى الفارق بين التكلفة والدخل) وهذا لا ينتهى أبداً، ولقد توسعوا بحثاً عن الربح فى كل تجارة، حتى تجارة العبيد ونهب ثروات البلاد الضعيفة وارتكبوا جرائم لا تقع تحت حصر فى كل مستعمراتهم ومنها مصر.{left_qoute_3}
■ وكيف ترى الأوضاع المتردية فى العالم العربى الذى يشهد انهيار ليبيا واليمن وسوريا؟
- نحن نشهد منذ عام 2000 هجمة إمبريالية جديدة بدأت بغزو العراق ولم تنته حتى الآن، وهى هجمة جاءت بعد فترة هدوء امتدت بين الحرب العالمية الثانية ونهاية القرن العشرين، هذه الهجمة المتجددة ناتجة عن الصراع والأزمات الاقتصادية داخل الدول الرأسمالية ما يجعلها أكثر رعونة واحتقاناً وعنفاً.
■ هل تختلف هذه الأجواء المتوترة عالمياً وتنعكس على دول المنطقة عن الأجواء التى سبقت الحربين العالميتين؟ وهل يمكن أن تؤدى الحرب فى سوريا لحرب عالمية ثالثة؟
- لا تختلف فى شىء، وجوهر الصراع واحد. ويمكن أن نشهد حرباً عالمية ثالثة، ونلاحظ أن أطراف الصراعات فى الحربين العالميتين الأولى والثانية كانت دولاً غربية، ما يعنى أن أول عولمة للحرب كانت من جانب نظم لدول رأسمالية فى صراعها على المستعمرات، الحرب العالمية الأولى لم تنشب بسبب اغتيال ولى عهد النمسا، هذه كانت مجرد شرارة، أما السبب الحقيقى فكان الصراع على المستعمرات بين بريطانيا وحلفائها وألمانيا، والحرب الثانية بدأت بسبب رغبة ألمانيا، المثقلة بتعويضات مالية عالية جداً للدول المنتصرة، فى استعادة نفوذها فى شرق أوروبا وأفريقيا، رأس المال بطبيعته توسعى وهو يحقق أطماعه بسبل مختلفة، بالذوق واللطف أو العنف إذ لزم الأمر.