«أبوسرجة»: تلاميذ المسيح يحملون المبنى.. وسفينة نوح من فوقهم

«أبوسرجة»: تلاميذ المسيح يحملون المبنى.. وسفينة نوح من فوقهم
يقف الزائر فى الطرقات القديمة الضيقة المؤدية إلى كنيسة أبوسرجة الأثرية بمصر القديمة، رائحة الأبنية تتسرب إلى أنفه ببساطة، معها يستنشق عبق التاريخ فى كل حجر وكل زاوية، عظمة المكان تزداد بالاقتراب من الأرض التى طالتها قدم السيدة مريم العذراء ومعها ابنها أثناء هروبهم إلى مصر، تتسرب الترانيم والصلوات، تتشابك الأصوات وتتعانق، يتجلى المعنى الذى يتلخص فى «الضعف الإنسانى أمام القدرة الإلهية».
بزيه المميز يقف «إميل تادرس» -53 عاماً- خادم الكنيسة والمشرف عليها منذ ما يزيد على 25 عاماً، اختلطت روحه بالكنيسة، واختلطت مبانيها وأسرارها به حتى صار جزءاً منها وصارت جزءاً منه. بسمته صارت علامة مميزة لزوار الكنيسة ممن اعتادوا جلوسه على يسار باب الكنيسة خلال استقبالهم، يمسح دموعه التى فاضت بها عيناه خلال صلواته، يتحدث عن علاقة المسيحيين بالمسلمين فيقول إنها مثل «قطعة خشب زان ثقيل لا يهدها الطرق، وإنما يزيدها صقلاً»، ويصفها بـ«محبة وترابط بالرغم من كل ما تشهده مصر حالياً من أزمات»، يختم: «مصر دوماً بلد السلام».
يحكى إميل عن تاريخ التحاقه بالكنيسة فيقول: «تركت عملى كموجه فى وزارة التربية والتعليم، وتفرغت لخدمة الكنيسة». يتحدث عن تاريخ الكنيسة فيقول إنها تعد من أهم الكنائس المصرية نظراً لأنها تحتوى على مغارة العائلة المقدسة.
الكنيسة التى تم بناؤها منذ ما يقرب من 1600 عام فى القرن الخامس الميلادى، التى تم ترميمها فى عهد «يوحنا بن الأبح» وزير الخليفة الفاطمى المستنصر بالله، الذى يقول إميل إنه قام ببناء تلك الكنيسة ومعها كنيسة القديسة بربارة. طراز بناء الكنيسة كما يصفه إميل يعد فريداً من نوعه، فهى مبنية على 12 عموداً تمثل التلاميذ الاثنى عشر للمسيح، أما سقفها فمبنى على هيئة سفينة نوح.
تكتسب الكنيسة شهرة عالمية، بحسب إميل، فهى المكان الذى آوى العائلة المقدسة خلال رحلة هروبها داخل أرض مصر، ومنه توجهت إلى الصعيد هرباً من الرومان، يروى قائلاً: «هنا جلست العائلة المقدسة لمدة شهر داخل مغارة، ومنه انطلقت إلى المعادى، ثم انطلقت إلى دير المحرّق بأسيوط»، هذه المغارة تحتوى على كنيسة صغيرة، ومعمودية ومذبح، بالإضافة إلى الحوض الذى كانت تغسل فيه السيدة مريم ملابس «المسيح».
أما سبب تسميتها بأبوسرجة، فلهذا قصة يرويها إميل: «جنديان من الجيش الرومانى فى سوريا هما سرجيوس وواخس، اعتنقا الدين المسيحى فى بداية ظهوره، وتعرضا للاضطهاد الشديد من الملك ميكسمونس، الذى حاول إعادتهما إلى الديانة الوثنية، لكنهما رفضا، فقام الملك بقطع رقبة واخس ثم عذب سرجيوس بأذناب الخيل حتى ماتا، وقام رفقاء لهما بنقل بقايا رفاتهما إلى الكنيسة، فحملت اسم سرجيوس الذى حرفه المصريون إلى أبوسرجة».
بآية «أحبوا أعداءكم» يختتم إميل حديثه، معتبراً أنها أمر الله للمسيحيين، لذا يرى أنه مهما حاولت بعض العناصر التى ليس لديها إيمان بالدين التفرقة بين قطبى الوطن فلن تنجح.