مراكز شباب .. تتحول إلي "أوكار" لتجار المخدرات

مراكز شباب .. تتحول إلي "أوكار" لتجار المخدرات
فى مختلف محافظات الجمهورية يوجد 4355 مركزاً للشباب عنوانها الإهمال والتسيب وتدمير المواهب، الاسم: عمر أحمد، السن 15 عاماً، الدراسة: الصف الثالث الإعدادى، هذه ليست بيانات لطفل تائه، إنما هى نموذج لموهبة مصرية مهددة بالتدمير داخل ما يسمى بمراكز الشباب فى مصر، الموهبة يخرج من المدرسة فى الثانية ظهراً ويتوجه مع أقرانه إلى «مركز شباب الخشاينة» فى الإسماعيلية لممارسة لعبته المفضلة.[FirstQuote]
الملعب عبارة عن أرض فضاء مساحتها 3000 متر يوجد بها مرميان مصنوعان من حديد متهالك، و4 حجرات يملأها من الداخل آثار تناول المخدرات وتغلفها من الخارج أكوام القمامة، ويقول عمر: «إحنا ميهمناش اللى موجود فى الملعب إحنا أهم حاجة عندنا نلعب كورة، نلعب فى الأرض دى أحسن ما نلعب فى الشارع».
أدوات الملعب عبارة عن كرة متهالكة، وتى شيرت جلبه معه فى كيس بلاستيك بدلاً من ملابس الدراسة ويتابع: إحنا لما العارضة بتتكسر بنلم من بعض عشان نصلحها، ولا نعرف حد من المسئولين عن المركز.
دقائق وتجمع الأطفال المقبلون على سن الشباب داخل الملعب وبدأوا فى تقسيم أنفسهم ليكونوا فريقين وتبدأ المباراة، وما بين تسديدة هنا تصحبها مجموعة من التراب، وآخر يجرى فى الملعب دون حذاء، يقول عمر: «المركز هنا لا يوفر أى مستلزمات للعب، ونهاراً يكون مأوى لنا للعب الكرة، أما فى المساء فهو ملك لمجموعة من الشباب يأتون لتناول المخدرات، وتدخين (الجوزة)، إحنا منقدرش نعمل حاجة غير أن إحنا نيجى هنا ونلعب لأن محدش فينا يقدر يروح نادى ويلعب هناك، محدش هيبص فى وشنا أصلاً ومعناش فلوس ندفع إيجار ملعب إحنا فى ناس مننا بتلعب من غير جزمة عشان معهاش فلوس تشتريها أصلاً».[SecondImage]
مراكز شباب على مستوى محافظات الجمهورية، منها ما يحصل على دعم بقيمة 6 آلاف جنيه والمخصصة كدعم إدارى لأى مركز موجود فى القرى، و12 ألف جنيه لدعم المراكز الموجودة فى المدن، بالإضافة إلى 20 ألف جنيه تحصل عليها المراكز التى تتضمن ملاعب «النجيلة»، ولا تحصل الملاعب الأخرى على المثل.[SecondQuote]
المؤهل منها للاستخدام كمنشآت رياضية 2772 مركزاً، وفى المقابل يوجد 1172 مركزاً غير مؤهل لاستقبال الشباب، ويصل حجم الإنفاق على المراكز المؤهلة ما يقرب من 88 مليون جنيه سنوياً، وتحصل غير المؤهلة منها على 7 ملايين جنيه سنوياً.
ورغم معاناة أهالى منطقة الخشاينة من سوء حالة المركز إلا أن محافظة الإسماعيلية يوجد بها سوء توزيع جغرافى لمراكز الشباب حيث تقع مراكز قريبة من بعضها البعض أمثال الزغابة وأبوعطوة والسحارة وأبوشحاتة، التى تم إشهارها عام 1993 بالإضافة إلى بناء مراكز شباب بجوار المقابر، وهو ما أدى إلى هجرها مثل السبع آبار غربية وشباب غزالة والكوع.
والمفاجأة صدور قرارات إزالة لعدد من مراكز الشباب بالإسماعيلية، منها مركز شباب مدينة التل الكبير ومركز شباب الخنيج بالقصاصين، وما زالت هذه المراكز تمارس النشاط داخل المقر رغم صدور قرار من وزارة الشباب بإخلاء هذه المقرات حفاظاً على أرواح المشتركين.
حال مركز شباب «الخشاينة» والإهمال الذى يتضمنه لأطفال من الممكن أن يكون بينهم مواهب عديدة تفيد مصر، لا يختلف كثيراً عن بقية المراكز فى مختلف مناطق مصر، ففى دمنهور يقبع مركز شباب قراقص التابع لإدارة شباب دمنهور بمحافظة البحيرة للتعدى منذ عام 2009 من جانب أحد المواطنين هناك حيث قام بالتعدى على مساحة 135 متراً وبناء بيت سكنى عليها وقام مجلس إدارة المركز برئاسة محمد السقا نائب رئيس مجلس الإدارة والقائم بأعمال الرئيس بتصعيد الأمر للنيابة الإدارية ووزارة الشباب بالتنسيق مع مديرية الشباب والرياضة بالبحيرة برئاسة أحمد الدمياطى، وصدر قرار إزالة للمبنى رقم 325 لسنة 2011، إلا أن مديرية أمن البحيرة لم تتمكن من هدم المنزل حتى الآن.
ولم يكتف المواطن الذى قام باغتصاب مساحة من أرض مركز الشباب، تجاه الشكاوى المقدمة من جانب محمد السقا لدى الجهات المسئولة بالدولة، حيث تعدى بالضرب على أسرة القائم بأعمال رئيس المركز، وقام بتحطيم محتويات منزله أكثر من مرة.
وتبلغ مساحة مركز شباب قراقص 4490 متراً ويقع وسط مقابر القرية ويقوم الأهالى المجاورون للمركز بإلقاء الزبالة داخله ما دفع شباب المنطقة إلى العزوف عنه حسب تأكيدات القائم بأعمال الرئيس.
وأشار القائم بأعمال الرئيس إلى أن مركز الشباب لا يتلقى أى دعم من جانب وزارة الشباب المتمثلة فى مديرية الشباب والرياضة بالبحيرة، حيث يحصل على 2000 جنيه سنوياً، بالإضافة إلى تواطؤ قسم البيئة بالوحدة المحلية لقرية شرنوب التابع لها المركز بإعفاء الأهالى الذين يقومون بإلقاء القمامة من دفع غرامات المحاضر المحررة ضدهم.
فى كل محافظة فى مصر يوجد بها مديرية للشباب والرياضة تتبع كلاً من وزارتى الشباب التى يتولاها أسامة ياسين، ووزارة الرياضة التى يتولاها العامرى فاروق، لكن غياب الرعاية والرقابة وتوفير الدعم يتسبب فى حالات عديدة من الإهمال على حد وصف أهالى منطقة قرقاص.
المشهد لم يتغير أيضاً فى محافظة الجيزة رغم كونها ضمن نطاق القاهرة الكبرى، ففى العياط العديد من مراكز الشباب التى تعانى نقص الموارد وغياب الرعاية من المسئولين، على الرغم من اعتلائها بلافتة مركز شباب (رياضى، ثقافى، ترفيهى، اجتماعى).
فعلى الطريق الرئيسى للعياط يوجد مركز شباب «المساندة» وهو عبارة عن سور أبيض مصنوع من الطوب النىّ، وداخل المركز يوجد ملعب واحد من الأرض الترابية ومرميان، وحجرة واحدة يتم التعامل معها كمخزن، وقام أحد الشباب باستئجار جزء من أرض الملعب المجاور للمخزن مقابل 350 جنيهاً، وقام بعمل مقهى ويتم السهر عليها حتى الساعات الأولى من الصباح.
الأهالى أكدوا أنهم لا يعرفون شيئاً عن إدارة المقهى، إلا أن الشباب يأتون ويجلسون عليها ولا نعرف ماذا يحدث فى الداخل، خصوصاً أن إدارة المركز بعيدة عن المركز نفسه، وهو ما يتسبب فى عدم وجود أى رقابة.[ThirdImage]
وعلى بعد 10كم يوجد مركز شباب منكوب آخر هو «مركز شباب كفر تركى»، الذى لم يوجد فيه أى مسئول سوى «عم مجدى» العامل المسئول عن حراسة المركز، والذى يقول: «شباب كثيرون من أهل الكفر يأتون إلى المركز، لكن لا يوجد أى اهتمام بهم رغم أنهم يمتلكون مواهب عالية، لكن لا يوجد أى اهتمام».
الأطفال يخرجون من المدرسة ويتوجهون لمساعدة عم مجدى فى رش الملعب لتخفيف حرارة الشمس عن الملعب، خصوصاً أنهم لا يستطيعون اللعب مساء لكون الملعب لا يوجد به إضاءة.
وبجولة بسيطة داخل المركز، الذى يحتوى على مبنى وحيد للنشاط الاجتماعى والترفيهى، يتبين أنه لا يوجد سوى حجرة لممارسة تنس الطاولة، وليتها طاولة إنما هى عبارة عن لوح خشبى متآكل، والشباك مقطوعة، وحتى المضاب بدون مقابض للعب بها.[ThirdQuote]
ويقول عم مجدى إن شباب القرية يأتون فى الصباح لممارسة الأنشطة فى المركز سواء بلعب تنس الطاولة أو لعب كرة القدم، ويكون الضغط فى أوقات الإجازات، ويتم تقسيم الشباب إلى فرق، والذى يخسر يخرج من الملعب لعدم توافر سوى ملعب واحد فقط وينقصه بعض الرعاية.
من جانبه أكد إمام محمدين رئيس قطاع الناشئين بنادى إنبى وأحد أهم المدربين الذين يتوجهون إلى مراكز الشباب لاكتشاف المواهب أن مراكز الشباب على مستوى الجمهورية تضم العديد من المواهب التى من شأنها أن تفيد المجال الرياضى فى الألعاب المختلفة، لاسيما فى كرة القدم، مؤكداً أنه قام بنفسه بالذهاب لمراكز الشباب لاختيار العديد من المواهب الكروية المناسبة لفريق إنبى، خصوصاً أن معظم الناشئين يفضلون الذهاب لاختبارات ناديى الأهلى والزمالك عن الوجود والذهاب لاختبار فى نادى إنبى، حيث من الممكن أن يذهب 10 آلاف ناشئ للاختبار فى أندية القمة بينما يوجود حوالى 1000 ناشئ فى اختبارات نادى إنبى.
وأضاف محمدين أن أفضل سن لاختيار اللاعبين الناشئين من 8 حتى 14 سنة، حيث أن الفرصة خلال هذه السن فى تنميتهم من الناحية الجسمانية والسلوكية والفنية كبيرة، ومن السهل خلالها تطويعهم فيما يصبح من الصعب تطوير اللاعب وهو أكثر من 15 سنة، وأكد محمدين أن الثنائى أحمد صبحى ومحمد صبحى نتاج مراكز الشباب، حيث تم التعاقد معهما فى سن صغيرة وتولى النادى تطويرهما حتى أصبحا ضمن العناصر الأساسية للمنتخبات الوطنية.
«الوطن» وضعت تلك الوقائع الموثقة بالصوت والصورة أمام مسئولى وزارة الشباب، فرفض رمزى هندى رئيس قطاع مراكز الشباب بالوزارة الرد عليها بقوله: «معنديش رد على الكلام ده وعليكم أن تسألوا المتحدث الإعلامى للوزارة».
فيما اعترف رمضان الموصل المتحدث الإعلامى لوزارة الشباب بوجود تقصير وإهمال ومخالفات مالية وإدارية بالعديد من مراكز الشباب على مستوى الجمهورية، مشيراً إلى أن الوزير أسامة ياسين بصدد التصدى لهذه الأخطاء والقضاء على الفساد المستشرى فى هذه المراكز، وأبرزها تعاطى المخدرات بداخلها ليلاً، وذلك من خلال الاتصال بأجهزة الأمن المسئولة عن ذلك بالمحافظات المختلفة ما يسهم فى منع هذه الأمراض من الوصول إلى الشباب.
وكشف عن أن أسامة ياسين وزير الشباب وضع خطة لتطوير مراكز الشباب على مستوى الجمهورية خلال عام ونصف على أقصى تقدير، مؤكداً فى الوقت نفسه أنه تم تخصيص خط ساخن يحمل رقم «19133» لتلقى الشكاوى من الشباب، مؤكداً متابعته لتحقيق «الوطن» للتحقق منه ووضعه أمام الوزير لاتخاذ قرارات حاسمة.