الأقباط والدولة المصرية: قاوموا الاحتلال البريطانى وساندوا ثورتى أحمد عرابى وسعد زغلول

كتب: جهاد عباس

الأقباط  والدولة المصرية: قاوموا الاحتلال البريطانى وساندوا ثورتى أحمد عرابى وسعد زغلول

الأقباط والدولة المصرية: قاوموا الاحتلال البريطانى وساندوا ثورتى أحمد عرابى وسعد زغلول

وطن واحد يتشارك فيه الجميع، مرت على مصر فترات تاريخية عديدة، منها أزمات لا يمكن أن ينساها التاريخ، ومنها لحظات انتصار حفرت فى وجدان المصريين. فى الأزمات والشدائد والحروب يقف المصريون بجوار بعضهم البعض. بمختلف «انتماءاتهم ومعتقداتهم وأفكارهم وتوجهاتهم»، هذا ما يقوله أشرف مؤنس، رئيس قسم التاريخ المعاصر فى كلية التربية جامعة عين شمس.

مضيفاً: «تغذية الفتنة بين المسلمين والمسيحيين فى مصر، بدأت منذ 1881، مع الاحتلال البريطانى لمصر»، ويكمل «مؤنس» حديثه قائلاً، إن الاحتلال أدرك أن قوة مصر معتمدة على ترابط أبنائها، وفى وحدتها الوطنية، وهو ما انتهجه الاحتلال البريطانى فى مصر، حيث تمكن من الإيقاع بين أبناء الديانات المختلفة، وتم إطلاق لقب «درة التاج البريطانى» على الهند.

يقول «مؤنس»: «فى فترة الاحتلال البريطانى، حاولوا إقناع مسيحيى مصر أنهم أقلية، ويجب عليهم إعلان مخاوفهم كأقلية مصرية، ولكنهم رفضوا، كما انتشر فى تلك الفترة عائلات فى صعيد مصر، كانت معروفة بدورها فى مقاومة الاحتلال، مثل عائلة عبدالنور فى جرجا التى ساعدت أحمد عرابى، والشقيقين ميخائيل وحنا إثناسيوس، فى محافظة المنيا، اللذين ساعدا المقاومة المصرية فى جمع التبرعات». ويضيف «مؤنس»: «كلمة قبطى، تعنى مصرى، سواء كان هذا القبطى مسلماً أو مسيحياً، لأنها كلمة قديمة كانت تدل على عموم المصريين فى فترة تاريخية معينة، بالإضافة إلى أن اللغة المتداولة فى مصر كانت قديماً هى اللغة القبطية، ومصر عاشت ظروفاً مختلفة تضامن فيها المسلمون والمسيحيون، ولكن قمة الحركة الوطنية تجسدت فى ثورة 1919»، مكملاً: «كانت ثورة شعبية قلباً وقالباً، حيث تشارك فيها الجميع، الفلاح والعامل والموظف، المرأة والرجل، المسلم والمسيحى، ومن هنا تجلت الحركة المصرية».

{long_qoute_2}

ومن المواقف الدالة على الترابط بين المسلمين والمسيحيين فى مصر، أن الاحتلال البريطانى، قام بعمل خديعة جديدة للإيقاع بينهم وهى تعيين يوسف وهبة، رئيساً للوزراء، بعدما قام محمد سعيد رئيس الوزراء وقتها بتقديم استقالته اعتراضاً على أفعال الاحتلال البريطانى، وكان «وهبة» وزيراً للمالية فى تلك الوزارة، كما كان موالياً للاحتلال البريطانى، وكانت مفاجأة الاحتلال أن مسيحيى مصر قبل مسلميها رفضوا ذلك القرار، وعارضوا يوسف وهبة بشدة، وهذا أدى إلى قصر فترة توليه رئاسة الوزارة، حيث تسلمها فى نهاية شهر نوفمبر، وتركها فى منتصف مايو، هذا ما يؤكده «مؤنس».

وعن حرية الرأى والتعبير وقتها يقول «مؤنس»: «كان هناك جريدة عام 1919 اسمها (الوطن)، وكانت جريدة قبطية، أسست على مبادئ معينة، منها مقاومة ورفض الاحتلال البريطانى لمصر، وتغيير الصورة السائدة التى حاول النظام تصديرها وهى أن مسيحيى مصر يقاومون الاحتلال البريطانى فقط خوفاً من المسلمين، حيث تبنت تلك الجريدة مذهباً ثورياً قوياً».

ويضيف «مؤنس»: «طبعاً كل الأعمال السينمائية التى تجسد تلك الفترة التاريخية، لا تتجاوز مشهد القساوسة الذين يخطبون على منابر المساجد، والمشايخ يخطبون فى مذابح الكنائس، حيث كانت أحد الأدلة الدامغة على عدم التفرقة بين أشقاء الأمة، وكان لدى القمص مرقص وقتها عبارة شهيرة (إن مصر وطن بجناحين هما الهلال والصليب، ولكن بقلب واحد وهو مصر)، و(إذا كان الإنجليز يتمسكون ببقائهم فى مصر، بحجة الدفاع عن المسيحيين فنحن لا نريدهم ولا نحتاج دفاعهم عنا). وهذا ما أكده أيضاً، الزعيم سعد زغلول، حيث قال: رصاص الاحتلال عند ضرب المصريين، لا يفرق بين مسلم ومسيحى».

وكانت المحاولة الأخيرة للاحتلال البريطانى، زعمهم بأن مسيحيى مصر يتولون دائماً المناصب الإدارية الأقل، وهنا رد شنودة حنا، وكيل اللجنة المركزية بحزب الوفد أنه ليس هناك فرق بين مسلم ومسيحى فى مصر، ورد أيضاً القيادى وليام مكرم عبيد، قائلاً: «خذوا منا المناصب واتركوا لنا مصر».

ويضيف «مؤنس»: «بعد نضال طويل من أجل الحرية، جاء تصريح 28 فبراير 1922، الذى يعلن لمصر استقلالها، وإنهاء الحماية البريطانية على مصر، مع 4 تحفظات منها مبرر للتدخل فى الشأن المصرى من أجل حماية الأقليات فى مصر، وعندما أثبتت تلك الحجة فشلها، كانت محاولتهم الجديدة، وهى تحديد نسبة فى المجالس النيابية للمسيحيين، المصريون رفضوا مسلمين ومسيحيين، وجود جماعات إسلامية ومسيحية فى المجالس النيابية».

ويواصل «مؤنس»: «أما عن نفى سعد زغلول ورفاقه لجزيرة سيشل، فإن رفاقه كانوا 6، منهم 4 مسيحيين، أى أن الابتلاء كان واحداً ومواجهة الاحتلال واحدة، حتى إن اللورد كرومر، ذكر بنفسه فى كتابه مصر الحديثة: ليس هناك فرق بين المسلم والمسيحى فى مصر سوى فى مكان الصلاة، هذا يصلى فى الجامع، وهذا يصلى فى الكنيسة».

ويضيف «مؤنس»: «كل الحروب التى شهدتها مصر، الجنود كانوا يقفون بجوار بعضهم البعض على الجبهة، مسلمين ومسيحيين، الموت لا يفرق بينهما، لحظات الانتصار والهزيمة واحدة، خاصة دور مسيحيى مصر فى حرب 1973 لا يمكن تجاهله، وما يغيب عن كثير من الناس، أن فكرة خراطيم المياه، فى تحطيم خط بارليف، ترجع للضابط المصرى المسيحى باقى يوسف زكى». ويتابع «مؤنس»: «لا يزال أبناء مصر المسيحيون لهم العديد من الأدوار التاريخية، ومنهم أستاذنا الكبير، الدكتور يونان لبيب رزق، أستاذ تاريخ مصر الحديث، الذى كان ضمن لجنة تحكيم طابا». ويختم «مؤنس» حديثه بقوله: «التاريخ فيه العبرة والعظة، وعلى مر التاريخ الاحتلال يوقع بين أبناء الوطن الواحد، مستغلاً الجهل والفقر، وتأجج العنصرية، وما شهدته البلاد فى المنطقة العربية، كان للإيقاع بين الطوائف والعقائد المختلفة، واستغلال ذلك لتدمير المنطقة، ولذلك يجب على الجميع أن يعوا هذا الدرس جيداً».


مواضيع متعلقة