«الهضيبى».. وسقوط بغداد
- أبوبكر البغدادى
- أهل السنة
- استطلاع رأي
- الإدارة الأمريكية
- الجندى الأمريكى
- الدكتور محمد عمارة
- الدولة العراقية
- الشخصيات العامة
- الشعوب العربية
- آلام
- أبوبكر البغدادى
- أهل السنة
- استطلاع رأي
- الإدارة الأمريكية
- الجندى الأمريكى
- الدكتور محمد عمارة
- الدولة العراقية
- الشخصيات العامة
- الشعوب العربية
- آلام
هذا هو المقال رقم (١٠) من سلسلة مقالات «الإخوان والحق المر»، ولعلى أذكر القارئ الكريم أن المستشار المأمون الهضيبى بعد توليه منصب المرشد العام بشهر تقريباً، بدأ التفكير فى تعيين نائب له، واتخذ فعلاً بعض الخطوات فى هذا الصدد، لكنها لم تحقق له ما كان يتغياه.. بعد ذلك بفترة، ربما شهر أو أكثر، كنت جالساً معه بمفردنا.. قلت له: أستاذ مأمون.. يبدو أننا أخطأنا الطريق بشأن اختيار النائب.. قال: كيف؟ قلت: هناك ثلاث نقاط يجب أن تؤخذ فى الاعتبار؛ النقطة الأولى هى أنك نظرت إلى توزع الأصوات كدليل على عدم صلاحية أى أخ لتولى المنصب.. لماذا لا تنظر إلى النصف الممتلئ من الكوب، بمعنى أن كل أعضاء المكتب يصلحون؟ النقطة الثانية هى أننا لم نحدد معايير يتم على أساسها اختيار النائب، حتى لا يكون الاختيار انطباعياً أو انتقائياً لصفة أو لموقف معين.. والمقصود بالمعايير: المهام والوظائف التى يضطلع بها النائب، ثم المواصفات الواجب توافرها فى الشخص للقيام بهذه المهام.. النقطة الثالثة هى أنك فى المحاولة الأولى ألقيت على كاهلك بالمسئولية فى الاختيار، وفى الثانية ألقيت بها على أعضاء المكتب.. وأنا أرى أن تكون هناك مشاركة فى المسئولية بين الطرفين، وما أقصده هو إما أن يختار أعضاء المكتب ثلاثة من بينهم ثم تختار أنت واحداً من هؤلاء الثلاثة، وإما أن تختار أنت ثلاثة من أعضاء المكتب ثم يختاروا هم واحداً من بين الثلاثة.. أعجبت الفكرة الأستاذ الهضيبى، فقال: هل تستطيع أن تحدد معايير الاختيار؟ قلت: نعم.. قال: إذن، اكتبها وآتنى بها، فلربما أضيف إليها أو أحذف منها شيئاً، ثم نعرض الفكرة برمتها على المكتب لمناقشتها والموافقة عليها.
(٢) وقد أوجزت مهام نائب المرشد فيما يلى: ا) أن يقوم مقام المرشد حال غيابه، سواء فى سفر (داخل البلاد أو خارجها)، أو فى مرض، أو لأى سبب اضطرارى، ب) أن يكون قريباً من المرشد فى لقاءاته الخاصة قبل العامة، بحيث يكون مطلعاً على كل ما يجرى داخل الجماعة، ولا تحجب عنه أية معلومة، كبيرة أم صغيرة، ج) أن تسند إليه بين كل فترة وأخرى رئاسة جلسات مكتب الإرشاد وهيئة المكتب، وإدارة حوار حى معهم، ومناقشة ومتابعة كل عضو فيهم فيما يتولاه من مسئوليات، ود) عقد جلسات مع مجلس الشورى العام للجماعة، على فترات، لاستطلاع رأيه فى كل ما يعن للجماعة من أمور.. أما ما يتعلق بالخصائص المطلوب توافرها فيمن يختار نائباً، فهى كالتالى: ا) أن يكون ذا رؤية، واسع الأفق، على علم وخبرة بالتخطيط والإدارة ودقة المتابعة، حليماً، رحيماً، سمحاً، واسع الصدر، رفيقاً بإخوانه حريصاً على الوئام بينهم وحسن التواصل معهم، فضلاً عن قدرته وكفاءته فى حل أية مشكلات تنشأ بينهم، ب) أن تكون الشورى هى منهجه الدائم فى التعامل مع إخوانه ومع أفراد الجماعة بشكل عام، وج) أن يكون منفتحاً على الأحزاب والقوى السياسية والشخصيات العامة والرموز الوطنية، وألا يدخر أى وسع فى سبيل التواصل الدائم والمستمر معها لتبادل وجهات النظر فيما يتعلق بقضايا الوطن.. بعد ذلك بأيام، تسلم الأستاذ الهضيبى منى ورقة بتفاصيل الفكرة لدراستها، لكن قدر الله تعالى وافاه بعد قليل، فقد توفى رحمه الله قبل أن تخرج الفكرة إلى النور، وسبحان من له الدوام، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
(٣) لم أر الأستاذ «الهضيبى» حزيناً ومهموماً وموجوعاً مثل ما رأيته يوم سقوط بغداد فى ٩ أبريل عام ٢٠٠٣، على يد القوات الأمريكية.. كاد يهوى على الأرض حين رأى صورة الجندى العراقى بملابسه الممزقة وقد جثا على ركبتيه وانحنى يقبل حذاء الجندى الأمريكى المحتل!! كان إبراز هذه الصورة بالذات فى الصحف العالمية وعلى شاشات الفضائيات على هذا النحو المزرى والمجرم مقصوداً به تصدير الإذلال والمهانة لكل الشعوب العربية والإسلامية.. لقد كان سقوط بغداد وما تبعها من تفكيك لمؤسسات الدولة العراقية ونهب لخيراتها وثرواتها، فضلاً عن تخريب تراثها وثقافتها ومتاحفها بما يعد كارثة كبرى فى حياة العالم العربى والإسلامى، وبشكل أعاد إلينا ما فعله هولاكو بها عام ١٢٥٨.. وما قامت به الإدارة الأمريكية بعد ذلك من تمهيد وتعبيد الطريق أمام الشيعة لكى تتم السيطرة لهم على كل شئون البلاد، علاوة على شراسة وعنف التعامل مع أهل السنة (من قتل وتصفية وتعذيب)، كل ذلك كان سبباً فى ظهور «أبومصعب الزرقاوى»، ثم «أبوبكر البغدادى» أمير الدواعش من بعد.. وسوف يذكر التاريخ قصة سقوط بغداد على أنها قصة مأساة وطن، واستبداد حاكم، وشعب مقهور.
(٤) قبل وفاة الأستاذ «الهضيبى» بحوالى شهر تقريباً، فوجئت به بعد أن أذن أحد الإخوان لإقامة صلاة الظهر، أن نادى علىَّ قائلاً: د. حبيب.. هل أنت مقيم؟ قلت: نعم.. قال: تقدم إذن للصلاة بنا.. والسبب فى ذلك كان راجعاً إلى أن الرجل كان يصلى فى تلك الأيام جالساً نظراً لآلام شديدة فى ركبتيه.. لكن، لماذا اختارنى بالذات لموقع الإمامة وهناك آخرون من أعضاء مكتب الإرشاد؟ لقد فسر البعض ذلك بأن الأستاذ «الهضيبى» ينتوى اختيارى لموقع النائب.. لكنى فى الحقيقة لم أعر الأمر التفاتاً واعتبرته جاء عفوياً.. وفى آخر رمضان شهده «الهضيبى»، حيث اعتدنا إقامة إفطار فى أحد أيامه كل عام، ندعو فيه الإخوان من المحافظات المختلفة ورموزاً من القوى السياسية والحزبية وشخصيات عامة من المفكرين والكتاب والأدباء للتحاور حول الأوضاع العامة (داخلياً وخارجياً) إذا بـ«الهضيبى» يكلف الأخ الذى يقدم السادة الضيوف لإلقاء كلماتهم، بدعوتى إلى الصعود إلى المنصة والاستعداد لإلقاء كلمة الختام.. وقد كان.. وفى هذه المرة اعتبر الإخوان ذلك تأكيداً ودليلاً على توجه الأستاذ «الهضيبى» لاختيار كاتب هذه السطور نائباً.. وفى ظنى أن الرجل لم يكن يفكر فى ذلك، صحيح أنه كان مشغولاً بمسألة تعيين نائب منذ الشهر الأول لتوليه منصب المرشد -كما سبق أن ذكرنا- لكن ذهنه كان منصرفاً لشخصيات أخرى كالدكتور القرضاوى والدكتور محمد عمارة.. والحقيقة أنه لم يكن لدىَّ أى علم بذلك، لكنى فوجئت بعبدالمنعم أبوالفتوح يسر إلىَّ بهذه المعلومة قبل وفاة «الهضيبى» بأيام! (وللحديث بقية إن شاء الله).