أيهما يقود الآخر.. الحدث أم صانع القرار؟

ياسر مشالى

ياسر مشالى

كاتب صحفي

أعادت تداعيات الحادث الإرهابى الذى أسفر عن اغتيال سفير روسيا فى تركيا «أندريه كارلوف» فى العاصمة التركية أنقرة، طرح السؤال القديم والدائم: أيهما يقود الآخر.. الحدث أم صانع القرار؟ وصانع القرار هنا هو الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، باعتبار أن الجريمة أودت بحياة سفيره داخل الأراضى التركية فى وقت متزامن مع حدوث طفرة واضحة فى العلاقات الروسية التركية.

تفاصيل وملابسات حادث اغتيال السفير الروسى فرضت ضغطاً إضافياً على الرئيس «بوتين»، فالجريمة لم يرتكبها شخص متطرف «عادى» ينتمى لجماعة أو منظمة إرهابية، بل ثبت أن الجانى رجل شرطة ينتمى لجهاز الشرطة التركية، وزاد الطين بلة أنه دخل إلى قاعة المعرض الفنى، حيث يتجول السفير، دون أن يخضع لتفتيش أو توقيف أفراد الأمن الأتراك، وهو ما يرمى بكامل الكرة فى ملعب السلطات التركية التى بدا للعالم كله أنها تتجه لتحالف استراتيجى مع موسكو، على عكس كل المؤشرات ورغم التباينات الواضحة بين موسكو وأنقرة فى عدة أمور جوهرية، ليس أقلها الموقف من حكم الرئيس السورى بشار الأسد، والعلاقة مع إيران، ودول الخليج العربى والولايات المتحدة الأمريكية.

كل هذه الظروف والملابسات مثّلت ضغطاً إضافياً على «بوتين» ليتخذ قراراً يهاجم فيه أو ينتقد أو حتى يلوم السلطات التركية والرئيس رجب طيب أردوغان بعد اغتيال السفير، ولكنه لم يفعل!

تفسيرى لموقف «بوتين»، الذى أثبتت عدة مواقف أنه «سياسى» بالدرجة الأولى وليس فقط رجل مخابرات سابق، أن الرجل يمتلك من القدرة والرؤية ما يجعله مؤهلاً ليقود أى حدث مهما كان حجمه، ومهما بلغت خطورته وتأثيره، وليس العكس.

«بوتين»، كما أعلن، اعتبر أن الحادث موجه لضرب العلاقة بين موسكو وأنقرة، وتعامل معه على هذه الأساس، وهذا لم يتم بالطبع إلا بعد الجلوس مع كبار مساعديه السياسيين والعسكريين والأمنيين وإجراء «تقدير موقف»، واستعراض خسائر ومكاسب وجهة النظر التى أعلنها بالفعل، مقابل خسائر ومكاسب وجهة النظر الأخرى التى كانت تقضى بالتصعيد ضد نظام أردوغان وتحميله مباشرة مسئولية مقتل السفير الروسى، وبالتالى اتخاذ قرارات تصعيدية أخرى تترتب بالضرورة على إعلان تحميل تركيا المسئولية عن حادث الاغتيال.

هذا ما فعله الرئيس الروسى، اختار أن يقود الحدث لا أن يقوده الحدث، وهذه قمة السياسة، أما فى مصر وبعض بلدان منطقتنا العربية، فالأمر فى كثير من الأحيان ليس كذلك، لأن الأحداث غالباً ما تقود صُنّاع القرار إلى «غياهب المجهول»، وهذا فرق جوهرى بيننا وبينهم.