خبير إدارة الأصول: علينا تطبيق «الخدمة المدنية».. والأيادى المرتعشة لا تحقق تنمية

كتب: نادية الدكرورى

خبير إدارة الأصول: علينا تطبيق «الخدمة المدنية».. والأيادى المرتعشة لا تحقق تنمية

خبير إدارة الأصول: علينا تطبيق «الخدمة المدنية».. والأيادى المرتعشة لا تحقق تنمية

يقترح الدكتور أسامة مصيلحى، أستاذ الهندسة البيئية والمدنية فى جامعة كونكورديا الكندية، خبير إدارة الأصول وتطوير البنية التحتية، طرقاً تكنولوجية متقدمة لمتابعة المشروعات القومية عن بعد، لضمان تنفيذ المستهدف بالجداول الزمنية دون الخروج عن ميزانيات المشروعات الكبرى. وطالب «مصيلحى» فى حوار، لـ«الوطن»، بضرورة تطوير تعليم الهندسة فى مصر، خاصة أن الشباب المصرى الذى يأتى لاستكمال الدراسات العليا فى كندا يجد أنه لم يتعلم شيئاً فى جامعته يفيده فى دراساته الجامعية بالخارج، وإليكم الحوار:

■ من واقع خبرتكم فى تطوير البنية التحتية.. كيف يمكن تحسين البنية التحتية فى مصر؟

- الدول المتقدمة بدأت تعمل دائماً على تحسين عوائد المشروعات من خلال تعظيم قيمة البنية التحتية، والحفاظ عليها بشكل مستدام، فهناك نظم لتقييم الكبارى دون الحاجة للتكسير، من خلال تقنيات متعددة، منها التصوير الديجيتال، واستخدام «الانفرا ريد»، وغيرهما من التكنولوجيات التى تساعد على تشخيص الكبارى دون إنفاق أموال إضافية، وتحديد الأماكن التى تحتاج لصيانة، وهو جزء من ثقافة منتشرة حول العالم ويجب أن تكون منتشرة فى مصر للحفاظ على السلامة والأمن العام للمواطنين مستخدمى البنية الأساسية دون إنفاق أموال مع تعظيم عوائد الاستثمار. ومصر تمتلك كوادر، وعلينا الاهتمام بالاستمرارية، والمتابعة ونقل التكنولوجيا لجيل الشباب، وأخذ الأمور بجدية، مع ضرورة المصارحة والمكاشفة التى نلمسها حالياً فى القيادة المصرية، بخلاف فترة السبعينات، فأنا من جيل الشباب الذى عاصر نكسة سبعة وستين كنت حينها طالباً بكلية الهندسة جامعة القاهرة، وشعرنا بالمهانة والحزن الكبير بعد أن اكتشفنا أن هناك غسيل مخ وترويجاً لحقائق غير صحيحة جعلت أديبنا توفيق الحكيم يعلنها قائلاً: «خُدعنا»، وذلك لغياب المصارحة والمكاشفة حينها، ولا أحد يزايد على وطنية الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، إلا أن البعض كان يرى أنه من غير الضرورى خوض حروب مثل حرب اليمن التى استنفدت موارد مصر حينها، وعلى أية حال أصبح العالم الآن قرية صغيرة والجميع يعلم ما سيحدث غداً فى دول تبتعد عنه كثيراً. وفى رأيى لن تحدث نهضة إلا من خلال الاهتمام بالصحة والتعليم وتوفير مناخ للحريات لتحقيق الإبداع، فالإنسان ولد حراً ليعيش حراً، وبدون الحرية يصبح إنساناً منقوصاً.

{long_qoute_1}

■ وما الجديد فى تحسين البنية التحتية عالمياً؟

- هناك براءات اختراع شاركت فيها خلال الفترة الأخيرة فى إطار صيانة البنية التحتية، فمثلاً شبكات الصرف الصحى التى تقع فى مصر تحت الأرض، للأسف تعد شبكات متهالكة فى حال وقوع مشكلة بها تؤدى لتصدع الأراضى المجاورة لها، وبالتعاون مع عالم مصرى آخر استطعنا تمرير كاميرات داخل شبكات الصرف الصحى فى كندا لالتقاط صور للأنابيب للتعرف على التصدعات، وتحديد المشكلات بالشبكة، ومن المهم جداً تحديد مكان شبكات الصرف الصحى، وأعتقد أن مصر لديها تقنية «جى أى إس» لتحديد هذه الشبكات فى بعض المناطق، وهناك تكنولوجيا سريعة وغير مكلفة لتطوير وتحسين البنية التحتية التى تنفق البلدان عليها مليارات الدولارات بخاصة شبكات المياه، ومنذ أيام قرأت خبراً يتعلق بتحذيرات من منظمة الصحة العالمية لوجود تلوث فى شبكات المياه فى مصر باختلاط مياه الشرب بالصرف الصحى، يتسبب فى نسبة ثمانين بالمائة من الأمراض فى مصر، وهى مشكلة تؤكد تهالك هذه الشبكة.

■ ماذا عن الآلية التى تقترحها لمتابعة المشروعات؟

- المتابعة الدورية للمشروعات القومية والعملاقة من الأمور المهمة لضمان العمل وفقاً للجدول الزمنى دون الخروج عن الميزانيات المحددة، وبالتعاون مع فريق من علماء مصريين استطعنا التوصل لتكنولوجيا حديثة يمكن من خلالها المتابعة فى الوقت الفعلى للمشروعات عن بعد أثناء جلوس المسئولين فى مكاتبهم، من خلال استخدام المستشعرات، والتواصل اللاسلكى، ويمكن تطبيق هذه التقنيات فى متابعة مشروعات قومية مثل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، فالتكنولوجيا الذكية توفر الوقت، وتعطى إنذارات مبكرة لمنفذى المشروعات من وجود خروج عن الجداول الزمنية أو غيرها من الأمور التى تحتاج للتدخل الفورى أثناء تنفيذ المشروعات، فمثلاً باستخدام التقنية ثلاثية الأبعاد يمكننا تقنين حجم الحفر اليومى بموقع المشروع، ومطابقته بالجدول الزمنى للتنفيذ يعطى لنا بعداً رابعاً، واستطاع أحد الباحثين المصريين ابتكار جهاز فى حجم «كف اليد» يخزن كميات كبيرة من البيانات التى نستقبلها من مواقع العمل بالمشروعات العملاقة، ويعالجها من خلال برامج حاسوبية فائقة، واختبرنا هذه النظم من خلال متابعة سير العمل بموقع المشروع أثناء وجودنا بالمعامل، فى الوقت الفعلى للتنفيذ، وتنفيذ هذه التقنيات لا يحتاج لأمور معقدة، يكفى تدريب العاملين عليه، والدورات التدريبية لن تستغرق وقتاً طويلاً. وعندما يعلم المستثمر فى المشروعات الكبيرة، التى عادة لا يفضّل المخاطرة بها بخاصة فى مجال الإنشاءات، أن هذه التقنيات تعظم الموارد المادية لمشروعاته لا يتردد فى تنفيذها، وقطاع التشييد والبناء عندما يتعافى فى أى بلد، يتعافى معه الاقتصاد القومى.

{long_qoute_2}

■ بالنظر لمشروع قومى مثل العاصمة الإدارية الجديدة.. كيف ترى خطط إدارة هذا المشروع؟

- فى رأيى مشروع العاصمة الإدارية الجديدة به تخطيط جبار ويحتاج لاختيار الطرق المثلى لتنفيذ المشروعات، والاختيار من بين عشرات الممولين، والالتزام بالفترة الزمنية لإنجاز المشروع، مع خلق فرص حقيقية لتشغيل العمالة، وتباين الآراء حول مشروع العاصمة ليس فى جدوى المشروع بل فى توقيت طرحه، الذى قد يفسر على أنه إثبات على أن مصر تستطيع، ودائماً الحاجة أم الاختراع، وطالما لدينا خطة مستقبلية لمديونيات عشر سنوات مثلاً، ستؤتى ثمارها إذا كانت تسير فى الطريق السليم بعد عامين، ومساهمة الشعب المصرى فى توفير تمويل قناة السويس يضرب مثالاً جباراً بتجميع خمسة وستين مليار جنيه خلال فترة وجيزة، ومثل هذه المشروعات القومية تجعلنا ننسى «خيبة العصور الظلامية» التى عاشتها مصر، ونجحنا فى تخطى أزمة الكهرباء، وكان تحدياً كبيراً للبلاد، فى ظل الاعتماد على استيراد البترول إلا أن هناك بوادر جيدة من نصيب مصر فى حقل الغاز المكتشف حديثاً، ولاستكمال هذه المسيرة علينا الاستمرار فى نهج المصارحة والمكاشفة للأوضاع الحالية لدعم المشروعات العملاقة، ومصر ستنهض بلا شك.

■ شاركت فى إنشاء محطات نووية يابانية.. ما تقييمك للمشروع النووى بالضبعة؟

- شاركت فى إنشاء محطات نووية فى اليابان ورومانيا، ومنذ خمس سنوات وفى عمل صيانة لأحد المفاعلات فى كندا، ومن واقع خبرتى يجب أن تنفذ العديد من المهام بمشروع المحطة النووية بالضبعة منفصلة لتعظيم الاستفادة وتوفير فرص عمل بالمشروع، والأخذ فى الحسبان معايير الأمان، والتخلص الآمن من المخلفات، مع الاهتمام بالتعليم، بخاصة التعليم بكليات الهندسة، وأنا خريج كلية الهندسة جامعة القاهرة فى السبعينات، وللأسف يأتى لى طالب مصرى يقول لى إنه لم يدرس هذه الأشياء بالكلية، ما يؤكد أن التعليم الجامعى فى تخصص الهندسة أصبح متدهوراً، لغياب المتابعة والمسئولية، ما أدى للانحطاط فى مستوى التعليم، ويردد البعض أنه إذا كان مستوى التعليم الجامعى فى مصر سيئاً لماذا يتفوق طلابنا بالخارج، الرد بأنه رغم أن مستوى التعليم الجامعى المصرى سيئ فالطالب المصرى الذى منحه الله الذكاء والإبداع يتخطى هذه التحديات ويصبح مبتكراً ومبدعاً فى ظل توافر البيئة المناسبة لذلك بالخارج.

■ فى رأيك كيف نتخطى حاجز البيروقراطية المعوق الرئيسى فى تنفيذ المشروعات؟

- تعد البيروقراطية آفة كبيرة تعطل أعمال الآخرين، وأتذكر فى نهاية عصر الرئيس الراحل السادات جاء خبراء أجانب لدراسة الأحوال المصرية وأوصوا بأن يسرح نصف الموظفين فى الجهاز الحكومى وبأن يعطى لهم نصف رواتبهم لتخفيف الضغط على وسائل النقل، وتسريع وتيرة العمل بالورقة التى يوقعها عشرة موظفين، الأفضل أن يوقعها خمسة، وحتى هذا الرقم الأخير كبير، وأعتبر قانون الخدمة المدنية خطوة جيدة لتقييم حقيقى لأداء العاملين بالجهاز الحكومى، فليس من المعقول الاستمرار فى الحفاظ على موظف لا يعمل دون التخلص منه، أو حتى السماح بترقية الموظفين الأكفاء بغض النظر عن الترتيب الوظيفى، فالكفاءة يجب أن تكون المعيار الرئيسى للتقييم والترقية، لذا يجب أن يطبق قانون الخدمة المدنية بجدية وإنسانية، الأيادى المرتعشة لم تحقق يوماً التنمية، مع الاستمرار فى كتابة التقارير الدورية التى تتعلق بتقييم أداء العاملين بالجهاز الحكومى.


مواضيع متعلقة