خالد الصاوى يخرج من صمته: أرفض عودة «الجيش»

خالد الصاوى يخرج من صمته: أرفض عودة «الجيش»
يشكل خالد الصاوى حالة خاصة بما يحمله من آراء سياسية وإنسانية واختيارات فنية وقضايا ومبادئ وطنية.. وبعد صمت طويل يتحدث الصاوى لـ«الوطن» عن الفن، وفيلميه الجديدين «الحرامى والعبيط» و«الفيل الأزرق» ومسلسله «على كف عفريت»، كما يتحدث أيضاً عن السياسة ومصير ثورة يناير الذى كان أحد وجوهها البارزة، ورأيه فى مطالبة البعض بعودة الجيش للحياة السياسية، وأحوال مصر فى عهد «الإخوان».
* لماذا تعرض مسلسلك «على كف عفريت» للكثير من العراقيل التى أخرته وأطاحت به من العرض الرمضانى؟
- لى مبدأ خاص أسير عليه منذ بدايتى، وهو ألا أتدخل فى عمل غيرى، ما دام هناك مخرج ومنتج ومؤلف وغيرهم، فلكل مسئوليته التى لا يجب أن أتدخل فيها، وما حدث فى هذا المسلسل أننا كنا نصور فى ظروف صعبة مع اضطرابات تسببت فى هذه العرقلة التى لا يجب أن تتحملها شركة الإنتاج وحدها بل هى ظروف ناتجة عن «درْبكة عامة».
* ولماذا تم عرض المسلسل حصرياً على قناة «أو إس إن» ولم يشعر به الناس؟
- بعد أن فاتنا الموسم الرمضانى الماضى حاولت والمنتجة دينا كريم والمخرج كمال منصور أن نقوم بتجربة جديدة فى العرض ونفتح سوقاً مختلفة، لهذا وافقنا على عرضه فى هذه القناة، وأعترف أنها كانت مغامرة تحتمل النجاح أو الفشل، وربما لم نوفق بشكل كبير فى هذه المحاولة، وهذا وارد أيضاً، ولهذا نعيد حساباتنا ونرى كيف يمكن تعديل التجربة للأفضل، وكممثل يهمنى الجمهور فى المقام الأول وليس البيع أو الفلوس، لأنى أمثل ليرى الجمهور مجهودى، ولا يغنينى المال عن المشاهدة الجماهيرية، وعموماً أثق فى المنتجة وفى قدرتها على إيجاد فرصة عرض جيدة للمسلسل فى الفترة المقبلة.
* المسلسل يحكى عن معاناة الطبقة الثرية بعد ثورة يناير، وهذا اختيار غريب عليك لأنك معروف بكونك ثورياً حتى النخاع.[FirstQuote]
- ليس معنى أنى رجل اشتراكى ثورى أن أتجنب فكرة مميزة حتى لو تناولت طبقة الأثرياء التى تضررت من الثورة، بالعكس فالفكرة مميزة ولم يتوقع أحد أن أنظر لزاوية بعيدة عن الشكل التقليدى لتناول الثورة، والمؤلف يحيى فكرى زميل لى فى التيار الاشتراكى الثورى، ورأينا فى موضوع المسلسل تناولاً حقيقياً للثورة دون «بروباجندا» فجة، والمسلسل مؤيد للثورة ويرصد أحداثها من زاوية طبقة الأثرياء.
* ولماذا لم تنجح الأعمال التى تناولت ثورة يناير؟
- لأن معظمها جاء متشابهاً وتناول الثورة من وجهة نظر واحدة، فجاءت وكأنها تشبه نشيداً مدرسياً موحداً، ولهذا كان هدفنا فى مسلسل «على كف عفريت» أن نقدم بدقة وعمق شريحة من الناس من خلال حدوتة لها أبعاد نفسية واجتماعية، وبهذا نتجاوز الحدث بالدراما ويكون الموضوع هو المجتمع وليس الثورة. وباختصار: فشلت الأعمال التى تتناول الثورة لأننا فى مرحلة لا يمكن فيها حصر الأحداث بشفافية وموضوعية، لذلك فكل الأعمال التى تسرعت وتناولت ثورة يناير جاءت شديدة السطحية.
* هل هذا الرأى يشمل مسلسلك «خاتم سليمان» الذى تناول فى حلقته الأخيرة الثورة بشكل أقرب إلى الإقحام؟
- أعترف أن الحلقة الأخيرة من المسلسل لم تكن على المستوى المطلوب، ولم أكن أحب أن أقحم الثورة فى المسلسل إطلاقا، لكنى أيضاً تفاعلت معها رغماً عنى، وحاولت أن أكمل المسلسل فى سياقه وأقترب على استحياء من الثورة، وبصراحة أنا رجل أحب المغامرة والتجربة العملية، لذلك لا أتردد فى خوض أى مغامرة ولا أحب العمل إلا مع المغامرين.
* فيلم «الحرامى والعبيط» يتحدث عن البلطجة والواقع الحالى، فهل تم التخطيط للفيلم لمواكبة الأحداث؟
- لا أريد أن يدخل الناس الفيلم ولديهم انطباع أنه يعالج مشكلة البلطجة، رغم أنى أحب أن تكون أعمالى بها حالة «تماس» مع الواقعين الاجتماعى والسياسى، لكن الأهم بالنسبة لى هو وجود «تماس» مع الشخصية الإنسانية.. وبالنسبة لهذا الفيلم كان فكرة تجمعنى بأصدقاء العمر والدراسة أحمد عبدالله وخالد صالح، وفى البداية جلسنا لنفكر فى عمل يجمعنا مع مخرج نرتاح له ومعه، وبدأنا التفكير فى عمل سيجمع الخالدين الصاوى وصالح بشرط أن يكون عملاً مهماً، وكانت الفكرة الرئيسية هى العلاقة بين السيد والعبد بشكل عام، ولم نقصد أحداثاً سياسية حالية لأننا لا نفضل الطرح من خلال الزاوية الخبرية، والأفضل هو تناول الموضوع بزاوية فنية درامية حتى يعيش الفيلم مع الناس ولا يكون مجرد طرح لظاهرة حاليّة.
* حدثنا عن فيلمك الجديد «الفيل الأزرق» مع كريم عبدالعزيز والمخرج مروان حامد؟
- سعيد بتجربتى مع كريم ومروان، وأجسد شخصية الدكتور شريف صديق كريم عبدالعزيز، وأعتقد أن الفيلم من نوعية السهل الممتنع، وسيكون نقلة كبيرة فى مشوار كل العاملين فيه.
* كنت من أول المتحمسين والمشاركين فى ثورة يناير، فما رأيك فى مسارها الذى اتخذته بعد ذلك؟
- موقفى قبل الثورة وبعدها واضح وواحد، حيث حاولت نشر أفكار الثورة عبر المدونات والوسائط الإلكترونية كثيراً، وكنت فعلاً من المتحمسين لوجود ثورة جذرية هدفها العدالة الاجتماعية والقوانين الجديدة الحاسمة، لكن ما حدث أن الثورة لم يكن لها ظهير يحميها، وكم طالبت بتكوين لجان لحماية الثورة! وكنت ضد ترك ميدان التحرير بعد تنحى مبارك، وكل ما نحن فيه سببه أن الطبقة المتوسطة فقط هى التى حملت لواء الثورة، بينما الطبقة العاملة بكل طوائفها والأقاليم والفلاحين بشتى انتماءاتهم هم رمانة الميزان والسند الحقيقى الذى كان سيحمى الثورة، وعندما كانت تحدث مظاهرات عمالية ويقولون إنها مطالب فئوية، كنت ضد هذا، لأن العمال لو كانوا انضموا للثورة والفلاحين أيضاً كان من الصعب تغيير مسارها، وكانت ستصبح ثورة جذرية تحقق أهدافها الحقيقية، لكن للأسف ما حدث هو تعديلات سطحية فقط.[SecondQuote]
* وكيف تمت سرقة الثورة بهذا الشكل المفزع؟
- الموضوع ببساطة أن الساحة السياسية كانت خالية واحتلها التياران الأكثر تنظيماً، وهما النظام السابق والتيار الإسلامى، ولهذا صعدوا إلى الحكم، وهذا جزء من الثمن الذى ندفعه لأننا لم نكن جاهزين للسياسة مثلهم.
* لكن هناك قوى ثورية وجبهة إنقاذ، فلماذا أخفقا؟
- تراكمت الأخطاء بسبب عدم قدرة القوى الثورية على التوحد، ولا بد من أن تفشل هذه القوى وستفشل ما دامت القوى الأخرى المنظمة تستطيع أن تجرها إلى اللعب على أرضها، فأى انتخابات ستدخلها القوى الثورية ستفشل فيها، وأى شىء منظم لن تفلح فيه القوى الثورية لأنها أصلاً غير منظمة، ولا أمل أبداً لهذه الثورة أو هذه القوى فى أن تنجح إلا إذا فتحت الباب كاملاً بين القطاعات الثورية والطبقات العاملة والفلاحين وصغار الموظفين والمهنيين والأقاليم، لأنهم الكتلة الكبيرة والمؤثرة التى معها ستنجح الثورة ويتم حمايتها وتحقيق مطالبها، ولكن مع اعترافى بأخطاء القوى الثورية إلا أنى معها وأساندها رغم كل شىء.
* موقفك من «الإخوان» لم يكن واضحاً فى البداية عقب الانتخابات تحديداً، لكنك الآن تنتقدهم بضراوة فلماذا؟
- كان علىّ أن أحترم الإرادة الشعبية التى اختارت محمد مرسى رئيساً، صحيح أننى قاطعت الانتخابات ولم يكن من الممكن أن أمنح صوتى لشفيق أو مرسى، لكنى قررت احترام نتيجة الديمقراطية، رغم أنى كتبت أن هذا ليس الخط الثورى بل خطاً انتهازياً، ولكن تحولت الأمور كثيراً واهتزت صورة «الإخوان» ومرسى منذ الإعلان الدستورى، وكنا يومها فى موقع تصوير «الحرامى والعبيط» وأثار الإعلان استياءً لا مثيل له، حيث شعرنا بـ«أننا خدنا على قفانا».
* كل ما تقوله يعنى أن أهم ثورة فى تاريخ مصر المعاصر فشلت وعادت بمصر إلى الوراء؟
- أريد أن يتحلى الناس بالصبر أكثر من ذلك، لأن ثورة يناير حلقة من مسلسل ثورات وانتفاضات مستمر منذ 200 سنة، منذ أيام الحملة الفرنسية والأتراك والإنجليز، والثورة ليست شيئاً سهلاً، ومن السذاجة أن نتوقع أن الموضوع سيحسم فى مصر بهذه السهولة.. وسأكرر وأقول إن الصبر والمحاولات هما الطريق الوحيد للثورة الجذرية والكاملة، ويكفى أن الناس عرفت طريق التغيير وفهمت قوتهم الحقيقية وقدرتهم على الوقوف فى وجه الظلم.
* ثورة يوليو 52 نجحت فيما فشلت فيه ثورة يناير فلماذا؟
- من سخرية القدر أن تأتى ثورة شعبية كبرى مثل ثورة يناير بنتائج عكسية، بينما ومع احترامى لثورة يوليو 52 فأنا لا أعتبرها ثورة بل هى حركة ضباط أحرار، لكنها نجحت عندما وصلت إلى السلطة فى أن تقدم إصلاحات كبيرة خاصة للطبقات الكادحة، بينما الإخوان لم يقدموا أى حلول بل لجأوا لأقصى درجات العنف والمناورات، وعليهم أن يعلموا أنهم إن لم يكونوا قادرين على إعادة توزيع السلطة والثروة فإنهم سينتهون كتيار بشكل أسرع مما يتخيلون.
* فى ظل الأحوال المضطربة التى نعيشها فى عصر الإخوان هناك آراء تنادى بعودة الجيش لحكم مصر، فما رأيك؟[ThirdQuote]
- مع احترامى لجيش مصر العظيم وللقطاع العسكرى إلا أنى من أشد المعارضين للحكم العسكرى بقدر معارضتى للحكم الدينى، وليس معنى معارضتى لحكم العسكر أنى غير وطنى أو معارضتى للحكم الدينى تعنى أنى كافر، وأطالب بالحكم المدنى، ورغم أنه غير جاهز الآن فإنه يمكن أن يشكل ببساطة عن طريق توحد القطاعات الثورية والطبقة الوسطى مع المهنيين والعمال والطلاب والفلاحين والأقاليم بشكل كامل، وكل هذه القوى تشكل كتلة قادرة على تحقيق المطالب الجذرية وفتح آفاق وطنية كبيرة أكثر تنظيماً وسلمية وإيجابية.
* أخيراً.. ما رأيك فى الحكم بالبراءة على مبارك وعدد كبير من رموز النظام السابق؟
- لم أفاجأ لأنه ببساطة عندما تقوم الشعوب بثورات جذرية حقيقية لا بد أن توضع قوانين جديدة وطرق مختلفة للمحاكمات، وهذا ما حدث مع الثورات الكبرى مثل الثورة الفرنسية والأمريكية والروسية، لكننا فى ثورة يناير لم نفعل ذلك ولم نأخذ المنحنى الجذرى بل سلمنا الثورة لأعمدة نظام مبارك وقواعد النظام القضائى القديم، ولهذا لا يجب أن نلوم إلا أنفسنا.