عبدالحليم قنديل: أخشى أن تتحول قضية تجديد الخطاب الديني إلى تجارة بكل معنى الكلمة

كتب: محمد متولي

عبدالحليم قنديل: أخشى أن تتحول قضية تجديد الخطاب الديني إلى تجارة بكل معنى الكلمة

عبدالحليم قنديل: أخشى أن تتحول قضية تجديد الخطاب الديني إلى تجارة بكل معنى الكلمة

قال الكاتب الصحفي عبدالحليم قنديل، في مقالة له نشرتها جريدة "الأخبار"، تحت عنوان "التجديد والتبديد"، إن "أخشى أن تتحول قضية تجديد الخطاب الديني إلي تجارة بكل معني الكلمة، وعلى طريقة ندوات ومؤتمرات تدعو لها وزارة الأوقاف، أو تبادر إليها مشيخة الأزهر، يشارك فيها المشايخ المحظوظون، وتحجز لها الفنادق والقاعات الفاخرة، وتفتح لها الخزائن، وتمد موائد الطعام والشراب، وتقدم فيها أوراق الاجترار (لزوم الصنعة)‬، تظهر بعدها في كتب مطبوعة لاتجد من يشتريها، ثم ينتهي كل شئ إلى لا شئ، تمامًا كما مؤتمرات (‬التنمية البشرية) و(الإصلاح الإداري) إن كنتم تذكرونها، ودورات تأهيل الموظفين والمعلمين، والتي أنفقت عليها المليارات من منح أجنبية غالبًا، وبدت كأنها (‬قصعة الفتة)، تكالب عليها المحترفون في نهم وتلذذ، ثم ضاع الأثر في الحوافز والبدلات والبطون، ولم يجر إصلاح ولا تأهيل ولا يحزنون، وظل الفساد والخراب يحكم ويعظ".

وأضاف قنديل، أنه لا قيمة لمناقشات تدور في فراغ اجتماعي، أو دون احتياج وأولويات تفرض نفسها، ولا فرق هنا بين مناقشات إدارية واقتصادية ومناقشات دينية، فليس المطلوب خلق أجواء من الضجيج الفارغ، أو الإيحاء بأداء واجبات وهمية، وفي مصر الرسمية الآن، ثمة إلحاح من الرئيس شخصيًا على تجديد الخطاب الديني، ثم دورات لوم من الرئيس للمشايخ، واستجابات لا تتعدى المزيد من الإنفاق السفهي والكلام الميت، والسباق اللاهث بين الأوقاف والأزهر على كعكة نيل الرضا، وهذه طريقة لن تنتهي إلى شئ يذكر، بل إلى تبديد لا تجديد، لا يتعظ بدروس ما جرى عبر 40 سنة مضت من الانحطاط التاريخي، فكما جرى النكوص عن النهوض والتصنيع واقتصاد الإنتاج، وتجريف نظام العدالة الاجتماعية، وفتح الأبواب للنهب والتهليب وشفط الثروة العامة، وتحصين الفساد وتدهور القيم، فقد جري مثله بالضبط في ساحة الخطاب الديني، وليس المقصود ـ بالطبع ـ الدين في ذاته، فهو محفوظ بعناية الله، لكن المقصود هو الفقه والتفسيرات الدينية الرائجة، وقد ساد الانحطاط فيها، كما الانحطاط في السياسة والاقتصاد والثقافة، وبدت التفسيرات مظهرية قشرية تجارية، تنزع عن الدين جوهر العدالة فيه، وتتواطأ مع الفساد المسيطر، وعلي طريقة فتوى جواز (‬الإكرامية)، التي صدرت عن مفتي سابق، أو فتوى جواز طرد الفلاحين المستأجرين التي صدرت عن شيخ الأزهر نفسه، وفتاوي الجلباب واللحى والنقاب وكراهة الأقباط وتكفير الشيعة، والتي جعلها السلفيون معيارًا للتدين الحق، مع ترك السياسة بمظالمها، تفقر أغلب الناس، وتشل مقدرتهم المتداعية علي مواصلة بطولة البقاء علي قيد الحياة، وترك فرص الحياة الرغدة للظالمين والنهابين، والاكتفاء بأحاديث عذاب القبر، وآخرة (‬الحور العين)".

واختتم مقالته قائلًا: "نعم، لا فرصة لتجديد مؤثر في خطاب الدين بدون تجديد مواز في الدنيا، ولا ثورة في فقه الدين منفصلة عن الثورة في الدنيا، فالعقيدة والعبادات والشريعة أوامر إلهية، وليست موضعًا لنقاش ولا لجدال، لكن الفقه والتفسيرات أمور دنيوية، تختلف بتنوع الامكنة والأزمنة والظروف، ولا نهوض ولا تجديد جامع فيها خارج دورات نهوض الأمم، ففي مصر، وبالطبع، ثمة عقول قادرة علي التجديد الآن، لكن المشكلة تظل في السياق الذي تجري فيه محاولات التجديد، وهو سياق ملغوم وغاية في الاضطراب، يكاد لا يعرف هدفًا للتجديد الذي يدعو إليه، فلسنا بصدد ثورة اجتماعية، وحتي نطلب تجديدا دينيا يواكبها، وينشر قيمها الجديدة بين الناس، بل ثمة ركود وقمع وتواطؤ ضد ثورة الناس، وعودة إلى اختيارات الهوان في السياسة والاقتصاد، وتكريس الظلم الاجتماعي، ونشر البؤس والبطالة والإفقار، وجعل الدنيا حكرًا للنهابين وحدهم، وهو ما يجعل خطاب التجديد الديني يتوه، ويلقي مصير الأذان في مالطا".


مواضيع متعلقة