مصر.. بين الخطاب الرسمى والواقع!! (2 - 2)

على السلمى

على السلمى

كاتب صحفي

تحدثنا فى المقال السابق عن بداية التحول فى الخطاب الرسمى ناحية تحميل الشعب مسئوليات وتبعات القرارات الاقتصادية الأخيرة وتأكيد المسئولين أن الضغوط الشعبية والزيادات السكانية المتوالية والمستمرة كانت هى السبب الرئيسى فى تأجيل اتخاذ القرارات اللازمة لتحقيق الإصلاح الاقتصادى، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية، ومن ثم الاجتماعية بالتالى، وجعل الحكومة الحالية مضطرة إلى تحرير سعر الصرف وما نتج عنه من تخفيض قيمة الجنيه المصرى بالنسبة للدولار وغيره من العملات الحرة، وما نشأ عن ذلك من العصف بدخول المصريين ومدخراتهم بواقع النصف تقريباً، وكان رفع أسعار الوقود فى نفس ليلة تحرير سعر الصرف وما نشأ عن ذلك من ارتفاع أسعار خدمات النقل إيذاناً بحرية رفع الأسعار لكل مقدمى الخدمات والسلع، ناهيك عن أزمات الدواء واختفاء كثير من الأدوية المستوردة بل والمصنعة محلياً نتيجة ارتفاع سعر الدولار!!

ومع وضوح المستفيد الأساسى من قرارات تحرير سعر الصرف، وهو البنوك التى انحصرت فيها عمليات استبدال الدولارات التى كانت بحوزة المواطنين، الذين صدقوا أن سعر الدولار سينهار بعد قرار تعويم العملة المصرية، وحسب تصريحات مصادر مصرفية أن البنوك تجمع لديها فى الأسبوع الأول من تحرير سعر الصرف ما يقرب من ثلاثة مليارات من الدولارات، إلا أن البنوك ظلت تشترى الدولار بأسعار مرتفعة وتبيعه بأسعار أعلى حتى وصل سعر البيع فى نهاية عمليات الخميس 15 ديسمبر إلى ما يقرب من تسعة عشر جنيهاً، وهو رقم لم يصل إليه فى أشد فترة أزمة الدولار قبل الثالث من نوفمبر 2016 يوم تحرير سعر الصرف!!

ومع ذلك كان الخطاب الرسمى متجاهلاً أن وعود تحسن الحالة بعد تخفيض الجنيه لم تتحقق، وأن الأداء الحكومى فى ترشيد الاستيراد وتنمية الصادرات وتخفيض الإنفاق الحكومى لم يخرج عن نطاق التصريحات والأقوال المرسلة! وعلى العكس، أصبح المواطنون، المتضررون من انخفاض دخولهم ومدخراتهم، هم الملومين نتيجة الزيادة السكانية والإقبال على الاستهلاك، رغم أن ما يقرب من نصف عددهم يقعون فى دائرة الفقر والفقر المدقع ولا يملكون سوى الفتات الذى لا يكاد يسد الرمق وحاجاتهم إلى الغذاء والمسكن والدواء، ناهيك عن الملبس والانتقال وغيرهما من الاحتياجات الإنسانية فى حدها الأدنى! وتعالوا نقرأ ما تحدث به رئيس الجمهورية فى ختام مؤتمر الشباب الشهرى فى شهر ديسمبر الحالى، إذ قال:

«ونواجه أيضاً تحديات اقتصادية ضخمة نتجت عن مسببات عديـدة تراكمت على مدى عقود وأدت إلى ارتفاع حجم الديـن العام وازدياد مطرد فى عجز الموازنة وانخفاض الناتج القومى وتراجع حجم الصادرات إلى الخارج وانكماش قاعدة الإنتاج الصناعى والزراعى وتراجع فى القطاع السياحى، ولذلك كانت المواجهة حتمية تفرضها علينا المسئولية السياسية والضمير الوطنى والتجرد مــن أية اعتبارات إلا اعتبارات الصالح العام ومستقبل أبناء الوطن». ويلاحظ أن الرئيس لم يحدد أسباب تلك التحديات الاقتصادية ولا المتسبب فيها، وإنما أشار فقط إلى أنها نتجت عن مسببات عديدة!!

وعاد الرئيس إلى حديثه إلى الشباب موضحاً أنه:

«وبناء على ما سبق فقد اتخذنا حزمة مـــن الإجراءات الإصلاحية فـى مجال الاقتصـاد تسعى إلى تحسين المؤشرات الاقتصادية وتحفيز مناخ الاستثمار وتهيئة البنية التحتية للدولة كى تكون مركـزاً اقتصادياً إقليمياً وبما تنعكس آثاره إيجابياً على مستوى معيشة المواطن وعلى جودة الخدمات المقدمة إليه». وأيضاً لم يتحدث الرئيس عن التداعيات والآثار السلبية التى تصيب المواطنين جراء تلك الحزمة من الإجراءات الإصلاحية، ولم يعلن صراحة عن قدر المعاناة والمشقة التى ستنتج عنها ولا أن السواد الأعظم من المصريين الفقراء ومحدودى الدخل هم الذين سيتحملون القدر الأكبر منها لفترة لا يعلم مداها إلا الله!!

وأكمل الرئيس خطابه قائلاً:

«ولأن العهد معكم كان الصدق والشفافية فإننى أقول لكم بكل صدق إن إجراءات الإصلاح الاقتصادى الأخيرة كانت تستلزم من القائمين على أمر هذا الوطن قدراً من الشجاعة لاتخاذها، خاصة فـى ظل وجـود بعض الآثار السلبية على المواطن». وكان الأمل أن يعطى الرئيس الأولوية لشجاعة المصريين وليس شجاعة «القائمين على أمر الوطن» وليس فقط ذكر «أن معاناة المصريين أمر لا يمكن تجاهله أو إغفاله»! وأضاف الرئيس قائلاً:

«ولذا فقد كانت توجيهاتى للحكومة بضرورة اتخاذ مجموعة من إجراءات الحماية الاجتماعية بالتوازى مع إجراءات الإصلاح الاقتصادى، بحيث تضمن تخفيف حجم الآثار المجتمعية السلبية التى قد تعانى منها الطبقات الاجتماعية الأكثر تعرضاً لمخاطر الإصلاح من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، وأظنكم -وظنى بكم يقين- بأنكم ستكونون على قدر المسئولية مثلما كنتم دائماً واعين بما يحيق بالوطن من مخاطر وما يواجه من مشكلات».

مرة أخرى، لا تفاصيل مقنعة لإجراءات الحماية الاجتماعية التى وجه الرئيس الحكومة باتخاذها بالتوازى مع إجراءات الإصلاح الاقتصادى، ومرة أخرى، يحمل الرئيس المواطنين المسئولية فى تحمل التبعات والآثار السلبية لتلك القرارات.

لقد كان المصريون يتطلعون إلى قرارات حاسمة للحد من الإنفاق والبذخ الحكومى والإسراف فى استخدام موارد الموازنة العامة للدولة، بما يكافئ التضحيات التى فرضت عليهم، وكان المصريون يأملون فى أن تحذو الحكومة المصرية «المدينة وذات العجز غير المسبوق فى الموازنة العامة» حذو الحكومة السعودية التى تعانى من أزمة اقتصادية بخفض رواتب الوزراء ومكافآت أعضاء مجلس الشورى وتعديل وإلغاء وإيقاف بعض العلاوات والبدلات والمكافآت والمزايا المالية، حيث تقرر تخفيض راتب الوزير ومن فى مرتبته بنسبة 20%، وتخفيض مكافأة عضو مجلس الشورى بنسبة 15%، كما تخفض الإعانة السنوية التى تصرف لكل عضو من أعضاء مجلس الشورى لأغراض السكن والتأثيث بنسبة 15%، ويخفض المبلغ المقطوع الذى يصرف لعضو مجلس الشورى بنسبة 15%، الذى يشمل قيمة السيارة التى تؤمن للعضو وما تتطلبه من قيادة وصيانة ومحروقات خلال فترة العضوية المحددة بأربع سنوات، وتقرر إيقاف تأمين السيارات لكبار مسئولى الدولة إلى نهاية السنة المالية الحالية، وأن يتحمل الوزير ومن فى مرتبته -أو ما يعادلها- المستحقات المترتبة على تأمين الهواتف الثابتة والمتنقلة المخصصة له من الدولة، وذلك اعتباراً من تاريخ 1 / 1 / 1438 هـ.

من ناحية أخرى قرر مجلس الوزراء فى المملكة عدم منح العلاوة السنوية فى العام الهجرى (1438هـ)، وأى زيادة مالية عند تجديد العقود أو تمديدها أو استمرارها أو عند إعادة التعاقد، وأن تلغى بعض البدلات والمكافآت والمزايا وأن تعدل بعض البدلات والمكافآت والمزايا المالية، وإيقاف العمل بالبدلات والمكافآت والمزايا المالية، كل ذلك بحسب نصوص القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء.

كما قرر مجلس الوزراء السعودى أن يكون الحد الأعلى للمكافأة التى تصرف للموظف مقابل ساعات العمل الإضافى (أعمال خارج وقت الدوام الرسمى) 25% من الراتب الأساسى لأيام التكليف و50% فى العطل الرسمية أو الأعياد، وألا يجوز أن يزيد مجموع فترات الانتداب للموظفين على (30 يوماً) فى السنة المالية الواحدة، كما يوقف صرف بدل الانتقال الشهرى للموظف خلال مدة الإجازة.

إن المصريين يريدون أعمالاً لها نتائج وليس مجرد أقوال.