هانى شنودة وسمير الإسكندرانى
وقف الفنانُ الجميل «هانى شنودة» فوق خشبة المسرح، واختطف الميكروفون من صديقه الفنان، ثم قال: «الحمدُ لله ربِّ العالمين، الرحمَن الرحيم، مالكِ يوم الدين، إياكَ نعبدُ وإياك نستعين، اهدِنا الصراطَ المستقيم، صراطَ الذين أنعمتَ عليهم، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين. آمين». فاختطفَ منه الميكروفونَ الفنان الجميل «سمير الإسكندارنى» ليقول بصوته الساحر: «أبانا الذى فى السماوات، ليتقدسِ اسمُك، ليأتِ ملكوتُك، لتكنْ مشيئتُك كما فى السماء كذلك على الأرض. خبزَنا كفافَنا أعطِنا اليوم. واغفرْ لنا ذنوبَنا، كما نغفرُ نحن أيضاً للمذنبين إلينا. ولا تُدخلنا فى تجربة، لكن نجِّنا من الشرير. لأن لك الملكَ والقوة والمجدَ إلى الأبد. آمين». عند هذا ينتهى المقال، بانتهاء هذا المشهد الفريد، الذى قرأ فيه الفنان المسيحى فاتحةَ القرآن الكريم وأمَّ الكتاب، ورد عليه الفنانُ المسلم بـالصلاة الربّانية، التى قرأها السيد المسيح فوق الجبل.
بقية المقال حاشيةٌ غير ضرورية تُكمل سياق هذا الـ Master Scene الفاتن، الذى أجّج مشاعر خمسمائة مصرى ومصرية من صفوة المجتمع المثقف من حضور هذا الحفل، الذى أقيم على شرف إطلاق مجلة وليدة تهتم بقضايا المرأة المصرية والعربية، اسمها «لؤلؤة».
خيوطٌ عديدة تجمع بين هذين الفنانين المثقفين. ليس أول تلك الخيوط كونهما زميلى مهنة ورفيقى مشوار جمع بينهما هو النغمُ العذب والموسيقى الراقية. بل أوّلُ تلك الخيوط وأهمُّها، أنهما مصريان. ولدا، كلاهما، فوق هذه الأرض المباركة، وكبرا، كلاهما، فى حضنها الواسع. هى الأمُّ الطيبة، التى لم تفرّق يوماً بين أبنائها، ونحن، بغبائنا، الذين نُفرّق! ارتويا، كلاهما، من نيلها الخالد، العظيم «حابى». وأكلا، معاً، من ثمرها الحلو، الذى أطعمَ من قبلهما الأنبياءَ والرسل. وآوتهما، كليهما، غصونُ أشجار حنون، آوت من قبلهما أجملَ وأطهرَ نساء الأرض، العذراءَ البتول مريم، وطفلَها، رسولَ السلام، من غلاظة هيرودس وبطشه.
أما أقوى تلك الخيوط الوثقَى، التى تجمع بينهما، وأشدها متانةً، فهو كونهما «إنسان». يالهول الكلمة، ويالضعفها فى آنٍ! قيمةٌ عليا أن تكون «إنساناً»! فقط حين تدرك مدى ضعفها، تعلو. وإن تماديتَ فى الغلواء وتعاليتَ، ضعفتَ وتضاءلتَ وأغضبتَ السماء.
الإنسانيةُ هى «العقيدةُ» الأشملُ التى تجمعنا جميعاً، نحن البشر تحت مِظلّتها. لماذا أسميها عقيدة؟ لأنها تضعنا جميعاً فى الخانة الوحيدة التى تليق بنا، ويجب أن نقف داخلها: جميعنا عبادٌ فقراءُ إلى الله. هذه المِظلة (الإنسانية)، هى التى تُنبئنا، نحن البشر، وتُنبِّهنا ألا نسىء الأدبَ ونتجرأ، بمجرد النظر، إلى الخانة العليا التى لا يقف فيها إلا «الله»، وحدَه جلّ شأنُه وعلا وتعالى.
حين ندرك أننا: «إنسان»، لن نُدينَ كيلا نُدانَ. لن يتجاوزَ أحدُنا حدودَ الأدب، فيقول المرءُ لأخيه: أنت كافرٌ! لأن كلَّ مَن تراه كافراً، يراكَ كافراً بالتبعية. فينتهى بنا الحالُ إلى بحار الدم.
المطلق الوحيد فى الكون هو: (الله)، الذى سيفصل بين عباده. لهذا، دعونا نلتقِ حول حبّ هذا «المطلق» الوحيد ونسكب أمامه قلوبنا، ونُرجئ «النسبىَّ»، حتى يفصل فيه الله «المطلق»، يومَ القيامة.