عمال السكة الحديد فى مساكن ورش أبوزعبل: «عشنا فيها وقت ما كان المكان صحرا.. ومش هنخرج منها إلا جثث»

كتب: أحمد عصر

عمال السكة الحديد فى مساكن ورش أبوزعبل: «عشنا فيها وقت ما كان المكان صحرا.. ومش هنخرج منها إلا جثث»

عمال السكة الحديد فى مساكن ورش أبوزعبل: «عشنا فيها وقت ما كان المكان صحرا.. ومش هنخرج منها إلا جثث»

يعيش قاطنو «السكن المصلحى» التابع لورش أبوزعبل بالقليوبية، حالة من القلق، لا تختلف كثيراً عن تلك التى يعيشها غيرهم من عمال الشركات الأخرى المقيمين فى مثل هذه المساكن، فبعد أعوام طويلة قضاها عمال السكة الحديد داخل جدران هذه الورش ومساكنها، ليخرجوا بعدها على المعاش، فيبقى منهم من يبقى ويموت منهم من يموت، تاركاً خلفه أرملة وأبناء وربما أحفاداً، يتردد على أسماعهم من حين إلى آخر إنذارات بالطرد تنزل عليهم كالصاعقة، «على جميع الجهات التابعة للوزارة اتباع الإجراءات الآتية بالنسبة للسكن المصلحى أو الإدارى: ضرورة إخلاء السكن عند انتهاء الخدمة لأى سبب من الأسباب..»، هى آخر جمل الإنذار بالطرد التى ترددت على آذان قاطنى مساكن ورش أبوزعبل ضمن المنشور رقم (4) لسنة 2016 الصادر عن مكتب وزير النقل، ليخرج على أثره قاطنو المساكن من الأرامل وأصحاب المعاشات، ثائرين محتجين على القرار، ضاربين اعتصاماً أمام بوابات الورش، ليأتى رد الفعل سريعاً بإيقاف قرار الإخلاء على أن يبقى الوضع كما هو عليه مرة أخرى.

{long_qoute_1}

«المساكن دى أول ما اتعملت ماكنتش تشوف على مد بصرك حواليها غير صحراء صفراء، وكانوا الأول بيجيبونا بالعافية، لدرجة إنهم كانوا بيصرفوا لنا بدل نقل العفش عشان نرضى نيجى نعيش هنا»، كلمات يقولها «شوقى أبوالسعود» صاحب الستين عاماً، وأحد الخارجين على المعاش من قاطنى مساكن ورش أبوزعبل، ليؤكد أنه ترك شقته فى ستينات القرن الماضى بمنطقة شبرا الخيمة، وإيجارها الذى لم يكن يتخطى بضعة جنيهات، وجاء إلى مساكن ورش أبوزعبل من أجل العمل، رغم أنها لم تكن تصلح للعيش وقتها.

يضيف «شوقى» بنبرات صوته الأجش، وقد بدت على ملامحه السمراء آيات الغضب: «كل فترة نلاقى قرار مفاجئ يطلع بإخلاء الوحدات السكنية اللى أصحابها طلعوا على المعاش أو ماتوا، آخر قرار منهم كان من 15 يوم تقريباً، فى الوقت اللى فيه ناس قاعدة هنا بقالها أكتر من 70 سنة، وأنا عن نفسى بقالى 50 سنة هنا ويعتبر كده أنا الجيل التانى فى المكان، يعنى خلاص مابقيناش عارفين فى حياتنا حاجة غير هنا»، ويحتمى «شوقى» فى حديثه بنصوص الدستور قائلاً: «مقومات الأمان فى الدستور المصرى هى العمل والسكن اللى لازم الدولة توفرهم للمواطن، تخيل بقى إحنا قاعدين فى بيوتنا حاطين إيدينا على قلبنا، وكل ما ييجى وزير نقل جديد يطلع بقرار شكل، ومخلينا عايشين تحت رحمتهم».

وفى أحد شوارع المساكن، وقف «عاشور مصطفى» صاحب السبعين عاماً، متجولاً بعينيه الذابلتين بين الوحدات السكنية من حوله، قائلاً: «أنا اتولدت فى المكان ده وكان أبويا شغال فى ورش هيئة السكة الحديد اللى هنا فى أبوزعبل وقتها، وبعد كده أنا كمان اشتغلت فيها، وبعد ما طلعت على المعاش واديت عمرى كله للشركة وبقى عندى 70 سنة عايزين يرمونى فى الشارع»، متابعاً: «المكان هنا كان خرابة وإحنا اللى عملنا منه مدينة بمجهوداتنا الذاتية، ولو المجارى اتسدت إحنا اللى بنصلحها على حسابنا، ولو مواسير المية حصل لها حاجة إحنا برضه اللى بنغيرها، والهيئة مابتعملناش أى حاجة، ورغم كده إحنا ملتزمين بدفع الإيجار للهيئة كل شهر».

{long_qoute_2}

لا يتبقى فى عمر «عاشور» الكثير، حسب قوله، فهو يرى أنه قد بلغ عتبات الدار الآخرة، وكان ذلك هو أحد أهم الأسباب التى جعلته يتمسك بوحدته التى ولد وتربى وقضى عمره بين جدرانها، متمنياً أن يتم تمليك هذه الوحدات للقائمين فيها من باب الشكر لهم لما أفنوه من سنين عمل طويلة فى الشركة، خاصة بعد تمليك مساكن الشركة للعاملين بها فى منطقة التبين بحلوان، وكذلك مساكن منطقة كوم أبوراضى فى بنى سويف، وهو الأمر الذى جاء ضمن قرار تم اتخاذه من قبل مجلس مديرى هيئة السكة الحديد عام 2004، ليقول «عاشور»: «إحنا مش أقل من الناس دى، ومستعدين لأى إجراءات يقولوا عليها بخصوص التمليك، سواء بقى يحيلونا على البنك العقارى مثلاً ونقسط فيه تمن الشقة، أو أى طريقة تانية هما عايزينها غير إننا نترمى فى الشارع»، متابعاً: «ولو مصرين يخرجونا من المكان هنا يجيبوا قنبلة ذرية يضربونا بيها بقى عشان نموت ونرتاح ونريحهم».

وفى جانب آخر، وقفت «منى عبدالنبى»، فى العقد الرابع من عمرها، وهى ابنة لأرملة فقدت زوجها الذى كان عاملاً فى ورش أبوزعبل، ليتركها وابنتها فى شقة صغيرة مهددتين أن يخرجا منها فى أى وقت: «أنا ووالدتى مالناش مكان تانى ولا لينا حد غير ربنا بعد ما والدى مات، ولو طردونا من الشقة هنبقى فى الشارع، وده مش وضعى أنا بس، ده وضع كتير جداً من المطلقات والأرامل اللى عايشين هنا».

لم تكن شقة أبيها وحدها التى تربطها بالمكان، وإنما جسد أبيها الذى لم يبعد كثيراً عنهم: «أنا والدى مدفون هنا وده كان بناء على وصيته، وهيبقى صعب علينا جداً إننا نسيب المكان اللى أبونا مدفون فيه ونروح ندور على مكان تانى»، متابعة: «هما دلوقتى مش راضيين يملكونا الوحدات بتاعتنا بحجة إن الأرض ملك للمحافظة والوحدات ملك لهيئة السكة الحديد، ولو الوضع معقد أوى كده فاحنا بنطالب رئيس الجمهورية بإنه يطلع قرار استثنائى ويملكنا الوحدات دى لأننا مالناش مكان تانى غيرها».

ولم يختلف «سعيد عباس» الرجل السبعينى عن غيره من قاطنى مساكن الورش الخارجين على المعاش، فما أخذه من مكافأة نهاية الخدمة جدد به شقته، لا سيما بعد أن توقف الدعم الذى كانت تقدمه الهيئة للسكان فى هذا الشأن منذ أكثر من 20 عاماً، إلا أنه لم يعترض على إخلاء وحدته ولكن بشروط، يقول: «لو عايزين يخرجونا من الشقق دى لازم يوفروا لنا بديل ليها بنفس المواصفات وبنفس الإمكانيات وفى مكان مناسب، ودى الحالة الوحيدة اللى ممكن نرضى فيها إننا نسيب شققنا ونمشى، غير كده أنا فى الشقة بتاعتى يا قاتل يا مقتول ومش هخرج منها إلا على جثتى، لأنى لا معايا فلوس أجيب شقة غيرها، ولا حتى معاشى هيكفى إيجار شقة اليومين دول».

ويضيف «سعيد»: «من كام سنة مدير هيئة السكة الحديد أفاد فى بيان ليه إن المدينة السكنية دى مكلفة على الهيئة وإنه يرى بيعها للعمال، وفعلاً توصلنا مع الهيئة إن إحنا خلاص هنتملك الوحدات، وفى لجان اتشكلت وحطوا آليات تمليك الوحدات، لكن ماتفهمش بقى إيه اللى حصل، وكل شوية يطلع قرار جديد بالطرد نطلع نعتصم يقوموا موقفين القرار، وأنا مش عارف بعد العمر ده كله هروح فين».

{long_qoute_3}

ومن جانبه قال عبدالفتاح فكرى، رئيس نقابة العاملين بالهيئة القومية لسكك حديد مصر، إن إخلاء أى سكن مصلحى له شروطه، ومنها أن يكون إنذار الإخلاء قبل عملية الإخلاء بـ6 أشهر على الأقل، فضلاً عن توفير سكن آخر بديل للعامل الذى يخلى وحدته، «العامل اللى أفنى عمره فى الهيئة ماينفعش فى الآخر يترمى فى الشارع، وإحنا اتفاجئنا بقرار الإخلاء من أسابيع بدون توفير أى بديل، وده طبعاً قانوناً ماينفعش»، مشيراً إلى أن قاطنى هذه المساكن إما رجال كبار فى السن ومعهم أسرهم، وإما أرامل فقدن أزواجهن ولا يملكن ما يوفر البديل فى حالة الطرد.

وأوضح «عبدالفتاح» أن السكن المصلحى أنواع، منها ما يمكن أن يتم تمليكه للعمال، ومنها ما لا يمكن تمليكه نظراً لأنها مساكن فى محل العمل يسكن فيها العامل فقط، مضيفاً: «الهيئة بتحاول توصل لحل يرضى جميع الأطراف وفى نفس الوقت يحافظ على ممتلكات هيئة السكة الحديد، خاصة أن الأرض المقام عليها المبانى لا يجوز تمليكها، وهيكون تمليكها عن طريق حق الانتفاع هو الأقرب للتطبيق».

وفى بيان صدر مؤخراً، عن اللواء مدحت شوشة، رئيس الهيئة القومية لسكك حديد مصر، عقب اللقاء الذى جمع بينه وبين سكان المدينة السكنية بورش أبوزعبل، أكد أنه سيتم تشكيل مجلس أمناء يعمل على إنهاء الأزمة وتحديد الإجراءات التى ستتخذها الهيئة لتمليك المساكن للعاملين القاطنين بها.


مواضيع متعلقة