المشروع الإسلامى: اجتهاد المسلمين فى تطبيق الشرع على الواقع.. والإجابة عن أسئلة العصر

المشروع الإسلامى: اجتهاد المسلمين فى تطبيق الشرع على الواقع.. والإجابة عن أسئلة العصر
- إنعاش الاقتصاد
- الأزهر الشريف
- البحث العلمى
- التراث العالمى
- التمويل اللازم
- التيارات المتطرفة
- الحضارة الإسلامية
- العلوم الإنسانية
- العمل الدبلوماسى
- آداب
- إنعاش الاقتصاد
- الأزهر الشريف
- البحث العلمى
- التراث العالمى
- التمويل اللازم
- التيارات المتطرفة
- الحضارة الإسلامية
- العلوم الإنسانية
- العمل الدبلوماسى
- آداب
خصص «الأزهرى» الفصل الثامن من كتابه للحديث تحت عنوان «المشروع الإسلامى بين الحقيقة والخرافة»، وقال: كثر الكلام عن «المشروع الإسلامى»، وأثير حوله خلال الفترة الماضية جدل ولغط وصياح وتدافع، وروج له بعض الناس، ورفضه البعض، وبدأت التهم تُرمى هنا وهناك، فهذا عدو لله ورسوله لأنه معارض للمشروع الإسلامى، وذاك مناصر للمشروع، دون أن يتوقف أحد ليشرح للناس ماهية المشروع الإسلامى، ليعلموا موقعهم منه، وتساءل «الأزهرى» عن هذا المشروع ومنطلقاته؛ وأجاب أن المشروع الإسلامى هو تقديم أجوبة عينية جزئية تفصيلية محددة، على أسئلة العصر ومشكلاته، فى النواحى الدبلوماسية، والإدارية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والفلسفية، والمعرفية، وأن يكون ذلك منطلقاً من النموذج المعرفى الإسلامى، المكون من: نصوص الشرع، ومقاصده، وإجماعاته، وأحكامه، وتشريعاته، وأخلاقه، وقيمه، وقواعده الأصولية والفقهية، وسننه الإلهية، وآدابه وفنونه، وذلك عن طريق توليد العلوم والمناهج والتنظيرات، التى يمكن تحويلها إلى برامج عمل، ومناهج تطبيق، تؤول إلى مؤسسات، ونظم إدارة.
{long_qoute_1}
وغاية هذا المشروع الإسلامى، بحسب «الأزهرى»، هو إنتاج تطبيقات معرفية وخدمية صانعة للمؤسسات والحضارة، تسرى فيها روح مقاصد الشريعة، من حفظ النفس والعقل والعرض والدين والمال، ومحبة العمران والسعى فى صناعته، واحترام الإنسان، وتعظيم الأصل والأساس الأخلاقى، والانفتاح على العالم، وإفادته والاستفادة منه، وبروز قيمة الطفولة، وقيمة المرأة، وحفظ البيئة، وحقوق الأكوان (إنساناً، وحيواناً، ونباتاً، وجماداً)، وسريان معنى الربانية فى ذلك كله، بحيث يفضى بالإنسان إلى ربه سبحانه، وهو نمط من الحضارة وتطبيقاتها، تتسع للمسلم والمسيحى واليهودى، والبوذى، والاشتراكى، والعلمانى، والليبرالى، واليسارى، والملحد، وسائر الملل والنحل، لا يشعر فيه أحد فى شئون المعاملة أنه مكره ولا مكروه ولا مضطهد، لأن هذا المشروع منتج للقيم، وناقل لها، وهو يصدرها إلى الجميع.
ويرى «الأزهرى» أن أساس هذا المشروع الإسلامى وأصله ومحوره وجوهره ومقصده، هو منظومة الأخلاق، والمكارم الإنسانية، والقيم الرفيعة، واحترام الإنسانية، والسعى فى إسعاد الإنسان فى الدنيا والآخرة، وشعاره (إنما بعثت متمماً لمكارم الأخلاق)، فكل تطبيق أو منتج يشوش على هذا المقصد، أو يفسده، أو ينحرف عنه، أو يفارقه فهو باطل، وهذا كله من قبيل تخريج الفروع على الأصول، وهذه وظيفة المجتهد أو المجامع الفقهية.
ويحتاج تطبيق ذلك إلى مراكز أبحاث، وحلقات نقاش، وورش عمل، تضم الفقهاء المحققين فى الفقه والأصول ومقاصد الشريعة وواقع العصر، مع جهابذة العمل الدبلوماسى وخبرائه مثلاً، بحيث تفضى تلك الإجراءات إلى رؤية، وخطة، ومعايير للتقييم، يتم بها استخراج كافة الإشكاليات والتصرفات والتطبيقات والأسئلة الجزئية التى تعترض الدبلوماسيين فى عملهم، مع فهم آفاقها ومشكلاتها ومآلاتها، وأثرها على علاقة الوطن بالقوى الدولية والأعراف الدبلوماسية المحيطة بنا فى العالم من حولنا، ثم يتم التداول فى كل ذلك، وتخريجه على أصول أهل الإسلام، بحيث يتم إيجاد رؤية وتحليل ومقترحات تسرى من خلالها مقاصد الدين وقيمه إلى هذا المجال، عن وعى واستنباط واستخراج دقيق لما يقدمه الشرع الشريف من أجوبة.
وأوضح «الأزهرى» أن المشروع الإسلامى هو اجتهاد المسلمين فى تنزيل الشرع الشريف على واقع زماننا، ويقوم المسلمون فيه بواجب زمانهم؛ فإن من وظيفة الشرع الشريف أن يقدم الحلول للحوادث الممكنة شرعاً، مع محاولة إيجاد البديل لما لا يمكن شرعاً، أو مع تقويم الجهة التى انحرفت فى الواقع عن الشرع الشريف، ولا بد فى ذلك كله من الرصد والتتبع والملاحقة لما يطرأ من تطور وتغير فى المفاهيم والفلسفات، حتى لا يتجمد المشروع عند جزئية بعينها. وتابع «الأزهرى»: لا يمكن صناعة ذلك كله إلا على أرضية بحثية ومعرفية دقيقة من العلوم الإنسانية، حتى تنهض تلك الأطروحات على أساس منير ومستبصر بالخصائص النفسية والتفاعلات الاجتماعية للإنسان المصرى والعربى وغيره، وهذه الأرضية المعرفية لم نقم بصناعتها إلى الآن.
{long_qoute_2}
ويؤكد «الأزهرى»: «لا يمكن أن نصع أى شىء من ذلك إلا بتنشيط البحث العلمى، وتشغيل الطاقات العلمية والبحثية الهائلة المبعثرة، والعقول العبقرية الخاملة، التى أصابها اليأس والإحباط والاختناق، من طول الإهمال، وشدة الفقر والتعقيد فى الوسط العلمى، ما آل إلى وجود جو خانق للإبداع والأمل، طارد للخبرات العلمية وإنعاش الاقتصاد، وتنشيط الوقفيات العلمية للإنفاق على البحث العلمى، ومن هنا يبرز دور مؤسسات المجتمع المدنى فى هذا الحراك الحضارى، والدعوة والإعلان والترويج لما يسمى بالمشروع الإسلامى قبل تصنيعه واستنباطه من ينابيعه أمر فى غاية الخطورة، لأنه يدعو الناس إلى شىء، ثم عند إقبالهم وقبولهم يفاجأون بأنه لا إجابة لمشكلات عصرهم، أو بإجابات مرتجلة هزيلة، أو بجهل مطبق بالواقع، ما يفضى بالناس إلى التكذيب والتشكك فى وجود أى طرح إسلامى صالح لتسيير حركة المجتمع، وحياة البشر، ويجعل الناس غير قابلين لتصديق أى طرح إسلامى آخر بعد ذلك».
ويستطرد «الأزهرى»: «كل هذا فى ظل وجود تجارب فى أفغانستان والصومال والسودان وإيران وغيرها، آلت فى معظمها إلى الخراب والدمار والتفكك والتراجع لدولها ومجتمعاتها وأوطانها، وجعلت كثيراً من المفكرين والباحثين ينفرون من أى أطروحة تتكلم عن مشرع إسلامى، ويتابع: هذا الشرع الشريف يشبه منجماً حافلاً بالمعادن النفيسة، والجواهر النادرة، لكن سريان هذه الجواهر إلى واقع الناس يحتاج إلى صناعة ثقيلة، وإلى علوم ومهارات متعددة، ومشكلتنا هى أن التروس والآلات التى تصنع المنتج قد امتلأت بالصدأ ولم تعمل منذ زمن.
والمؤسسات العلمية الأكاديمية الكبرى كالأزهر الشريف من حيث هو علوم ومناهج وتاريخ وتجربة علمية عريقة هى القادرة على القيام بصناعة هذا المشروع الإسلامى، شريطة توفير التمويل اللازم، والجو العلمى، وتفرغ القدرات العلمية الفذة.
فهذا العمل الضخم المترامى الأطراف يشبه مراحل الصعود فى تاريخ الأمم كلها، حيث تكون فترة طويلة ممتدة، ومرهقة وشاقة، تعكف فيها كل أمة أو دولة أو حضارة على استرجاع هويتها وأصولها، وتعكف على الاختيار والانتقاء مما هو محيط بنا من التراث العالمى، وذلك من خلال عيونها المتمثلة فى الخبراء والعلماء والكفاءات الكبيرة النادرة، فى كافة المعارف والعلوم، مع براعة فى تركيب نتاجهم، بحيث يتأيد بعضه ببعض، ويفضى إلى صناعة رؤية واختيار لهذه الأمة، صالح للتفاعل مع نظم العالم من حولنا.
ثم انتقل «الأزهرى» للحديث عن «القواعد التى غابت عن عقلية التيارات المتطرفة فوقعت فى كل تلك الأخطاء التاريخية» سبقها بقواعد التعامل مع الوحيين الشريفين، فعند دراسة قضية من القضايا، والانطلاق إلى الوحيين الشريفين لاستجلاء الهدى منهما، فلا بد من جمع كل الآيات والأحاديث المتعلقة بالقضية، حتى يتاح لنا النظر فى القضية بصورتها الكلية الكاملة، كما لا بد من حسن تركيب النصوص، وضم بعضها إلى بعض، وحسن النظر فى جهات الدلالة، ومعرفة مدلولات الألفاظ، ولا بد حينئذ من بصر بلسان العرب، وعلوم العربية.
وينصح «الأزهرى» قائلاً: إياك عند النظر والاستنباط أن تدخل إلى القرآن بتصورات مسبقة، تملأ ذهنك، أو نظريات خاصة بك. ويحذر من أن نستنبط من القرآن معنى بعيداً عن مقاصده وعموم مراداته، وطالب باحترام تراث المسلمين، والانطلاق منه، والإضافة إليه، والانتفاع بما فيه من مناهج.
ويشدد «الأزهرى» على ضرورة العلم بمناهج الاستنباط، والبعد عن الفقه والفكر والأطروحات والاستنباطات التى صنعت وأنتجت وتبلورت تحت ضغط نفسى، أو بين جدران السجون، أو بدافع الحماسة، وطالب بضرورة الإحاطة بباب المصالح والمفاسد ومقاصد الشريعة.