شروط وضعها علماء الدين لنقل وزرع الأعضاء البشرية: للضرورة القصوى.. وألا يؤدى لضرر أو اختلاط الأنساب.. والتبرع دون مقابل مادى

كتب: سعيد حجازى وعبدالوهاب عيسى

شروط وضعها علماء الدين لنقل وزرع الأعضاء البشرية: للضرورة القصوى.. وألا يؤدى لضرر أو اختلاط الأنساب.. والتبرع دون مقابل مادى

شروط وضعها علماء الدين لنقل وزرع الأعضاء البشرية: للضرورة القصوى.. وألا يؤدى لضرر أو اختلاط الأنساب.. والتبرع دون مقابل مادى

أفتت المؤسسات الدينية الرسمية بأن العلاج بنقل وزرع الأعضاء البشرية جائز شرعاً، وحرمت فى الوقت نفسه الاتجار فى الأعضاء البشرية، واضعة عدة شروط للنقل.

وأشارت إلى أن النقل من الحى إلى الحى له شروط، منها الضرورة القصوى للنقل، وألا يؤدى نقل العضو إلى ضرر محقق بالمنقول منه يضر به كلياً أو جزئياً أو يمنعه من مزاولة عمله الذى يباشره فى الحياة، مادياً ومعنوياً، أو يؤثر عليه سلبياً فى الحال أو المآل بطريق مؤكد من الناحية الطبية، فالضرر لا يُزال بالضرر، كذلك أن يكون النقل من دون أى مقابل مادى أو معنوى، وصدور إقرار كتابى من اللجنة الطبية، قبل النقل، بالعلم بهذه الضوابط وإعطاؤه لذوى الشأن من الطرفين، المنقول منه والمنقول إليه، قبل إجراء العملية الطبية، على أن تكون هذه اللجنة متخصصة، ولا تقل عن ثلاثة أطباء عدول، وليس لأحد منهم مصلحة فى عملية النقل، كذلك يشترط ألا يكون العضو المنقول مؤدياً إلى اختلاط الأنساب بأى حال من الأحوال.

{long_qoute_1}

وأشارت الفتاوى إلى أن هناك شروطاً للنقل من الميت إلى الحى، وهى أن يكون المنقول منه العضو قد تحقق موته موتاً شرعياً بالمفارقة التامة للحياة، والضرورة القصوى للنقل، وأن يكون الميت المنقول منه العضو قد أوصى بهذا النقل فى حياته وهو بكامل قواه العقلية ومن دون إكراه مادى أو معنوى وبحيث لا يؤدى النقل إلى امتهان كرامة الآدمى، كذلك ألا يكون العضو المنقول من الميت إلى الحى مؤدياً إلى اختلاط الأنساب كالأعضاء التناسلية وغيرها.

ويقول الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، فى فتوى نشرتها دار الإفتاء: «العلاج بنقل وزرع الأعضاء البشرية جائز شرعاً، إذا توافرت فيه الشروط التى تُبعد هذه العملية من نطاق التلاعب بالإنسان الذى كرَّمه الله تعالى، وتنأى به عن أن يتحول إلى قطع غيار تباع وتشترى، بل يكون هذا من باب إحياء النفس الوارد فى قوله تعالى {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً}».

مفتى الجمهورية الأسبق الدكتور نصر فريد واصل أجازه أيضاً حيث قال: «نقل الأعضاء نوع من العلاج الحديث، وهو أمر جائز بشرط عدم الضرر بالمنقول منه إذا كان حياً، وتحقق الموت من المنقول منه إذا كان ميتاً، مع عدم اعتبار الميت بجذع المخ ميتاً حقيقياً».

وأجاز الدكتور محمد سيد طنطاوى، شيخ الأزهر السابق، التبرع، قائلاً: «شريعة الإسلام اعتبرت جسد الإنسان أمانة ائتمنه الخالق عليها وأنه لا يجوز لأحد أن يتصرف فى هذا الجسد بما يسوؤه أو يهلكه إلا بالحق‏ حتى ولو كان هذا التصرف صادراً من صاحب الجسد ذاته، فقال الله {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً.‏ ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً}»، فأجمع أهل العلم على أنه لا يجوز للإنسان‏ أن يبيع عضواً من أعضائه‏، لأن أعضاء الإنسان ليست محلاً للبيع أو الشراء‏، وليست سلعة من السلع التى يصح فيها التبادل التجارى أو المالى‏، إنما جسد الإنسان بناء بناه الله وسوّاه وعدله‏، وسما به عن البيع أو الشراء أو المتاجرة وحرم هذه الأمور تحريماً قاطعاً‏، وكل ما يأتى عن هذا الطريق بالنسبة لجسد الإنسان فهو باطل‏، ويجب أن يعاقَب من يفعل ذلك بالعقوبة العادلة الرادعة‏».

{long_qoute_2}

وأضاف: «أما بالنسبة لتبرع الإنسان لغيره كأبيه أو ابنه أو أخيه أو غيرهم بعضو من أعضائه فيرى جمهور الفقهاء أن هذا التبرع جائز شرعاً‏، إذا صرح الأطباء الثقات المتخصصون بأن هذا التبرع لا يترتب عليه ضرر شديد لا فى الحال ولا فى الاستقبال بالنسبة للشخص الذى قام بهذا التبرع، وفى الوقت نفسه يترتب على هذا التبرع نفع عظيم بالنسبة للشخص الذى قدم له هذا التبرع‏، ونحن نميل إلى هذا الرأى، لأن تبرع الإنسان بشىء من أعضاء جسده لا يصدر عنه إلا فى أشد حالات الضرورة‏، وإلا لشخص عزيز لديه‏، وإلا من أجل تقديم منفعة جليلة لغيره مبتغياً بها وجه الله تعالى‏، وخدمة لإنسان له مكانة كبيرة فى قلبه، ولا شك أن هذا اللون من التبرع‏، يمثل اسمى ألوان الإيثار الذى مدح الله أصحابه، وفى جميع الأحوال يجب أن يكون الإذن بنقل عضو من أعضاء الميت إلى أحد الأحياء دون أى مقابل مادى، كما يجب أن يكون العضو المنقول لا يؤدى إلى اختلاط الأنساب أو إلى تشويه جسد الميت تشويهاً يتنافى مع الكرامة الإنسانية‏، وفوق كل ذلك يجب أن يقرر الطبيب الثقة المتخصص أن هذا النقل لعضو من أعضاء الإنسان الميت إلى الإنسان الحى، يؤدى إلى منفعة هذا الإنسان الحى منفعة ضرورية لا يوجد بديل عنها‏».

مجمع البحوث الإسلامية أيد «زراعة ونقل الأعضاء البشرية» أيضاً، وجواز ذلك من الناحية الشرعية، واشترط أن يكون التبرع دون مقابل مادى لعدم الاتجار فى الأعضاء البشرية. وقال المجمع: «جواز نقل الأعضاء من الحى إلى الحى ومن الميت إلى الحى بضوابط معينة، شرط أن هذا التبرع لا يترتب عليه ضرر بالغ بالمتبرع لا فى الحال ولا فى الاستقبال، وإنما يترتب عليه نفع عظيم بالنسبة للمتبرع له».

وقال الدكتور محمود حمدى زقزوق، وزير الأوقاف المصرى الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية: «قضية الاجتهاد فى الفقه الإسلامى دائماً ما نرجع فيها إلى الفقهاء القدامى، وهؤلاء الفقهاء لم يقولوا شيئا فى قضية نقل الأعضاء وزراعتها، وعندما تحدثوا عن تعريف الموت الطبيعى، ذكروا لنا علامات معينة، لكن لا بد أن نأخذ بما جاء به العلم الحديث حول تعريف الموت، خاصة ما يطلق عليه موت جذع المخ، وهذا أمر يحسمه لنا الأطباء، وهم أهل الذكر فى هذه المسألة».

أما جذع المخ فكان هناك جدال فيه، حيث قال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر: «ما أطلق عليه موت جذع المخ ليس موتاً حقيقياً تترتب عليه الأحكام الشرعية، وبالتالى لا يجوز نقل أعضاء من موتى جذع المخ، لأنهم لم يموتوا موتاً شرعياً». وأضاف: «لقد لوحظ على موتى جذع المخ حركات ارتدادية عندما أخذ منهم أعضاء وسمع لهم أنين، وبناء عليه كونت رأيى برفض نقل الأعضاء ممن يطلق عليهم موتى جذع المخ، خاصة أنه لا يوجد إجماع بين الأطباء على أن الإصابة بسكوت جذع المخ تعد موتاً حقيقياً».

وقال الشيخ جاد الحق على جاد الحق، شيخ الأزهر الراحل، إن فقدان الجهاز العصبى والمخ لخواصه الوظيفية لا يعنى موت الإنسان، فالموت الشرعى لا يتحقق إلا بمفارقة الروح للجسد والذى يترتب عليه توقف جميع أجهزة الجسد وانتهاء مظاهر الحياة منه، وموت الجهاز العصبى ليس وحده علامة الموت بمعنى زوال الحياة بل إن استمرار التنفس وعمل القلب والنبض يعد دليلاً على استمرار الحياة فى الجسد، وإن دلت الأجهزة الطبية على فقدان الجهاز العصبى لخواصه الوظيفية، إذ إن الإنسان لا يعتبر ميتاً بتوقف الحياة فى بعض أجزائه، بل يعتبر كذلك أى ميتاً وتترتب آثار الوفاة متى تحقق موته كلية»، كذلك أيده الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر السابق والدكتور نصر فريد واصل، مفتى مصر السابق، ومجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء.

أما الدكتور على جمعة، مفتى مصر السابق، فقال: «زرع الأعضاء مسألة جائزة صدرت فيها تفصيلات وشروط يجب أن تُراعى، خاصة القوانين، والنقل جائز من الإنسان الميت بشرط تحقق موته طبياً، والذى يعرفه معظم الأطباء بأنه موت جذع المخ، وذلك لتحقيق غاية شرعية وهى إنقاذ إنسان آخر من الموت، فنقل الأعضاء طبياً لا يكون إلا من شخص أصيب فى جذع المخ ولم يبرد جسده، فأميل إلى اعتبار موت جذع المخ موتاً حقيقياً».

قضية أخرى كانت محل خلاف، وهى فتوى جواز نقل أعضاء من المحكوم عليهم بالإعدام فى قضايا القتل العمد وهتك العرض بعد تنفيذ الحكم فيهم، من دون موافقتهم، باعتبار أن المحكوم عليه بالإعدام منتهك للحرمات، وبالتالى فإنه بعد صدور الحكم عليه أصبح مسلوب الإرادة وليس له الولاية على نفسه، وكانت هذه الفتوى للشيخ محمد سيد طنطاوى، وقد تباينت الآراء حول مشروعية النقل من دون موافقة.


مواضيع متعلقة