مفتى الجمهورية: دعوات تحريم الاحتفال بـ«المولد» لا أساس لها فى الشرع

كتب: سعيد حجازى وعبدالوهاب عيسى

مفتى الجمهورية: دعوات تحريم الاحتفال بـ«المولد» لا أساس لها فى الشرع

مفتى الجمهورية: دعوات تحريم الاحتفال بـ«المولد» لا أساس لها فى الشرع

قال الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، إن حب الرسول أصل من أصول الإيمان، والاحتفال به ليس محرماً، فالسلف احتفلوا بالمولد بشتى أنواع القربات، فدعوات التحريم لا أساس لها فى الشرع، ويجب ألا يلتفت البعض للفتاوى الشاذة والأفكار المتطرفة، وأنه على المصريين أن يدخلوا السرور على أهل بيتهم، ولا يجب الإسراف فى تناولها مراعاة للظروف الاقتصادية التى يمر بها البلد.

وأوضح مفتى الجمهورية، فى حواره مع «الوطن»، أن مصر انطلقت نحو التقدم والرقى، وأن الجيش المصرى جبل راسخ فى نفوس المصريين والعرب، وأكبر من أن تناله ترهات الإعلام والدعوات الهدامة، وأن الجماعات المتطرفة تعتبر الجيش المصرى عقبة كبرى أمام طموحاتها فى العودة إلى الحكم والسيطرة على البلاد.. وإلى نص الحوار:

{long_qoute_1}

■ هل هناك اختلاف حول مشروعية الاحتفال بالمولد النبوى الشريف؟

- وهل هناك يوم أحق بالاحتفال فيه من يوم ولد فيه سيد البشرية محمد، فهو نور أرسله الله ليضىء للأمة طريقها إلى الجنة، لذا فالاحتفال بمولده، صلى الله عليه وسلم، مباح شرعاً ويُعد أفضل الأعمال وأعظم القربات؛ لأنه تعبير عن الفرح والحب له، وهذا الحب أصل من أصول الإيمان فهو أمر مقطوع بمشروعيته؛ فقد صح عنه أنه قال: «لا يُؤمِنُ أَحَدُكم حتى أَكُونَ أَحَبَّ إليه مِن والِدِه ووَلَدِه والنَّاسِ أَجمَعِينَ» ولقد كان النبى يصوم يوم الاثنين ويقول: «ذلكَ يَومٌ وُلِدتُ فيه» شكراً لله تعالى على ميلاده الشريف.

■ هل احتفل السلف بمولد النبى الكريم؟

- لقد اعتاد سلفُنا الصالح منذ القرنين الرابع والخامس على الاحتفال بمولد الرسول بإحياء ليلة المولد بشتى أنواع القربات من إطعام الطعام، وتلاوة القرآن، والأذكار، وإنشاد الأشعار والمدائح فى رسول الله، كما نَصَّ على ذلك غيرُ واحد من المؤرخين مثل ابن الجوزى وابن كثير، والحافظ ابن حجر، والسيوطى رحمهم الله تعالى، ونَصَّ جماهير العلماء سلفاً وخلفاً على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، بل ألف فى استحباب ذلك جماعةٌ من العلماء والفقهاء، بينوا بالأدلة الصحيحة استحباب هذا العمل؛ بحيث لا يبقى لمن له عقل وفهم وفكر سليم إنكار ما سلكه سلفنا الصالح من الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف.

{left_qoute_1}

■ ماذا تقول لمن يحرمون تناول حلوى المولد فى ذكرى ميلاد النبى؟

- دعوات التحريم لا أساس لها فى الشرع، فقد دأب البعض على تحريم ما أحل الله لأجل التحريم فقط، وهذا هو نتاج العقلية التحريمية التى لا تعرف إلا فقه الحرام، هم لا يعرفون إلا التحريم، كما أن حلوى المولد تعد من العادات المصرية القديمة، وذلك وفقاً للتراث القديم للاحتفال بمولد النبى، فيجب ألا يلتفت البعض لمثل هذه الفتاوى الشاذة والأفكار المتطرفة، فأدخلوا السرور على أهل بيتكم لكن لا يجب الإسراف فى تناولها مراعاة للظروف الاقتصادية التى يمر بها البلد وللحفاظ على الحالة الصحية لكم.

■ ظهرت سلوكيات غريبة على المجتمع فى السنوات الأخيرة بعيدة عن الأخلاق الإسلامية، كيف ترى ذلك؟

- وصف الله تعالى النبى فى كتابه العزيز بقوله: «وإنك لعلى خلق عظيم»، فكان الرسول الكريم مجمع الأخلاق الحسنة ومكارم الأخلاق كلها، فقد كان أحسن الناس خلقاً، فقد كان «قرآناً يمشى على الأرض» وكان خلقه القرآن كما قالت أم المؤمنين عائشة، يرضى برضاه، ويسخط بسخطه، لذا على المسلم فى ذكرى ميلاد النبى أن يحسن علاقته مع الله ومع الناس، وذلك من خلال التأسى بالمنهج النبوى الصافى والهادى إلى الصراط المستقيم، وأن يغادر غيره من المناهج المتشددة والمتطرفة التى تؤدى إلى الخلاف والتشرذم، اللذين يغذيهما أعداء الأمة، ولتكن هذه الذكرى معيناً لهم على التوحد والتحاب والاصطفاف متحابين فى الله لتستقيم لهم أمور دنياهم وأخراهم، فنحن اليوم فى أمس الحاجة إلى هذه الدروس التى تربط المسلمين بالإسلام وتربطهم بسيرة النبى ليأخذوا منه الأسوة والقدوة.

{long_qoute_2}

■ ما أهم الصفات النبوية التى يجب التحلى بها؟

- من الصفات النبوية التى يجب أن يتأسى بها المسلم الأمانة، وهى من أهم ما اتصف بها النبى قبل البعثة وبعدها، فقد كانوا يسمونه الصادق الأمين قبل أن يبعث، ثم إنه كان أميناً على الأمة ائتمنه الله تعالى على رسالته الخاتمة فأداها على الوجه الأكمل قال تعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً»، لذا يجب على المسلم أن يكون أميناً فى الكلمة ولا ينقل الشائعات، وأن يكون أميناً فى تعاملاته، فالأمانة علامة من علامات الإيمان، ولعلنا فى هذه الأيام أحوج إلى حياء النبى، إذ الحياء من شُعب الإيمان، وهو من الصفات العظيمة التى اتصف بها النبى، فقد كان «أشد حياءً من العذراء فى خدرها» ولعل المسلمين اليوم بحاجة لامتثال هذه الصفة الكريمة فى تعاملاتهم ليسود فى المجتمع روح الحب والود والتعاون وتختفى الضغائن بين الناس، كما تأتى صفة أخرى مرتبطة بالحياء وهى التواضع، وهى صفة عظيمة حث عليها الإسلام، ولقد كان النبى أشد الناس تواضعاً، إذ يقول لأصحابه «إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد»، فالتواضع أراه من أهم الصفات التى تنشر السلام بين الأمم، كما أنه دافع لها للتقدم، إذ يخلق حالة من السلام النفسى بين الناس ويوجد لهم الأمن والأمان.

■ وُلد النبى فى فترة كانت تعج بالمعتقدات الخاطئة كيف كان ميلاده نهاية لتلك المعتقدات؟

- انتشرت فى الجزيرة العربية قبل ميلاد النبى عادات ومعتقدات خاطئة، عبادة الأوثان والأصنام التى لا تنفع ولا تضر من دون الله تعالى، وفى تلك الآونة فسدت الأخلاق بحيث قُطِّعت الأرحام وأُسىء الجوار، وأُكلت الحقوق، ووئدت البنات واستشرى فيها العقوق، وعدا القوى على الضعيف، حينها تاقت البشرية للبحث عن الأمن والرشاد وطريق الهداية، حتى أتاها الأمل من عند الله تعالى بميلاد النبى محمد ليكون الرحمة المهداة من الله تعالى والسراج المنير للبشرية، فقال تعالى: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، فأخبر النبى عن نفسه فقال: «يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة»، ورحمة النبى لم تكن محدودة، كانت شاملة تشمل تربيةَ البشر وتزكيتهم وتعليمهم وهدايتهم نحو الصراط المستقيم وتقدمهم على صعيد حياتهم المادية والمعنوية، كما أنها لم تكن مقصورة على أهل ذلك الزمان؛ بل امتدت على مدار التاريخ والأيام لتشمل العالمين قال تعالى: «وآخَرِينَ مِنهم لَمّا يَلحَقُوا بهم»، فكان ميلاده بحق إيذاناً لأفول مرحلة من الظلامية فى العبادات والأخلاق السيئة، وميلاد مرحلة نورانية تستقيم فيها الفطرة على سابق عهدها وتودع فيه مرحلة انحرفت فيها عما خلقت لأجله.

{left_qoute_2}

■ كيف ترى تحركات بعض النوافذ الإعلامية المغرضة للنيل من مكانة الجيش المصرى والوقيعة بينه وبين أبناء الشعب؟

- جيش مصر أكبر من أن تناله مثل هذه الترهات وهذه الدعوات الهدامة، فهو جبل راسخ ليس فى نفوس المصريين فحسب بل فى نفوس العالم العربى، لما له من رصيد عظيم فى نصرة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، ومثل هذه السفاهات لن تنال من شموخ الجيش ولا كبريائه، فحالهم يذكرنا بمقولة قالها الأعشى الملقب بصناجة العرب فى معلقته: «كناطح صخرةٍ يوماً ليُوهنها.. فلم يضرها وأوْهَى قرنَه الوعلُ»، فالجيش المصرى سيظل برجاله وقادته رمز العزة والكرامة وحامى الأمة العربية وملجأها فى الشدائد والملمات والمدافع عن حقوقها وسيبقى الجندى المصرى شوكة فى حلوق المتربصين من هنا وهناك، فالجيش المصرى رمانة ميزان منطقة الشرق الأوسط بما يملكه من خيرية أكد النص عليها فى صحيح الأحاديث النبوية الواردة عن سيدنا رسول الله عندما نصح أصحابه أن يتخذوا من جند مصر جنداً كثيفاً لأنهم خير أجناد الأرض، وأكد سيدنا رسول الله على خيرية الجندى المصرى بأنه فى رباط مع أهله داخل المؤسسة العسكرية وخارجها، وأن هذا الرباط ليس محدداً بوقت بل ممتد إلى قيام الساعة.

■ هناك حالة من التشويه ضد الإسلام يتبناها الإعلام الغربى.. ماذا عن دور دار الإفتاء فى تحسين صورة الإسلام فى الخارج؟

- لا شك أنه بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر تغيرت نظرة الغرب للإسلام، ومع مرور الوقت تحولت هذه النظرة من الريبة والشك إلى الهجوم والعنف حتى وصلت إلى ما يسمى بظاهرة الإسلاموفوبيا، والإعلام الغربى هو المسئول الرئيسى عن ترسيخ صورة ذهنية خطأ عن الإسلام والمسلمين تجمع بين الضعف والتخلف والإرهاب والتطرف، فى محاولة لتكريس صورة سلبية عن الإسلام والمسلمين وأنهما مصدر العنف والإرهاب فى العالم، كل هذا بجانب وجود قصور فى الخطاب الإعلامى الإسلامى الموجه للغرب، ما يتطلب ضرورة انفتاح العالم الإسلامى على العالم الغربى وعلى حقائق العصر، مع الحفاظ على ثوابت الأمة وتقاليدها، وأن يُشكل المسلمون فى الغرب قوة ضاغطة ترفع صوتها مدافعة عن دينها وصورتها وهويتها، لذا فإننا فى دار الإفتاء المصرية قد تنبهنا لهذه الأمور وبدأنا العمل انطلاقاً من دورنا فى تصحيح صورة الإسلام فى الخارج، من خلال برنامج واضح واستراتيجية مرسومة، سواء من خلال إرسال علماء الدار للخارج، أو التواصل مع المراكز الإسلامية ومتخذى القرار فى الغرب وشرح وتوضيح الصفات الحقيقية للإسلام بعيداً عن التعصب، وقدمنا مجموعة من المقترحات التى نعمل فى الوقت الراهن على تحقيقها.

{long_qoute_3}

■ ما تلك المقترحات؟

- الضرورة أصبحت ملحة لإنشاء قنوات فضائية إسلامية موجهة للغرب تخاطبهم بلغتهم وتعطى صورة شاملة عن الثقافة الإسلامية وتسهم فى تصحيح صورة الإسلام والعرب والمسلمين، ومن ثم فلا بد من إنتاج برامج تخاطب الغرب باللغات الأجنبية، بغية تصحيح صورتنا لديهم، وهذا ما تفعله دار الإفتاء على صفحاتها المترجمة باللغات الأجنبية، كما أن هذه البرامج والحملات الإعلامية تركز على تفعيل دور الإعلام الإسلامى فى تحسين صورة الإسلام والمسلمين من خلال التعرف على صورة الإسلام والمسلمين فى وسائل الإعلام الغربية والأجنبية، كما ينبغى طرح رؤية مستقبلية فى مواجهة تشويه صورة الإسلام والمسلمين، والتعرف على تأثيرات العولمة فى تشكيل الصورة الذهنية عن الأمة الإسلامية، وتفعيل دور الاتصال المباشر فى مواجهة الصورة السلبية عن الإسلام والمسلمين فى الغرب، ومن خلال كل هذه الجهود نستطيع أن نواجه حملات التشويه ضد الإسلام فى الغرب، ولا بد من إنشاء جهاز إعلامى إسلامى للبحوث، يتولى رصد وتحليل ما يقدم عن الإسلام والمسلمين فى وسائل الإعلام الغربية، وإعداد الدراسات العلمية والحقائق التى يعتمد عليها فى الرد على ما يقدم من صور مشوهة أو إساءة تتعلق بالمسلمين وثقافتهم ودينهم، وهذا ما تحقق من خلال إنشاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم التى أنشأتها دار الإفتاء المصرية فى العام الماضى لكى تضطلع بهذا الدور المهم.

■ ما الرسالة التى يود مفتى الجمهورية أن يوجهها للشعب المصرى وقيادته فى هذه المناسبة العظيمة؟

- رسالتى للمصريين جميعاً بالعمل وعدم الالتفات إلى حملات التشكيك والتزييف التى يشنها البعض من هنا أو هناك، بهدف زعزعة ثقة المصريين فى قيادتهم وجيشهم، أو النيل من الإنجازات التى تحققت على أرض الواقع، فهذه الحملات الخبيثة تخفى وراءها حقداً دفيناً لمصر والمصريين، وتنطلق من أجندات مريبة لا تريد الخير للبلاد والعباد، فمصر قد انطلقت نحو التقدم والرقى بالرغم من صعوبة المرحلة والتحديات التى تواجهها، والمصريون مصممون على استكمال ما بدأوه دون كلل أو ملل، وندائى لهم أن يلتفوا حول قائدهم، وأن يعملوا على السعى فى إصلاح هذا الوطن بمنظومة مكارم الأخلاق التى حثت عليها جميع الأديان والتى كثيراً ما يؤكد عليها سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى جميع خطاباته وكلامه الصادق مع شعبه بلا استثناء، فنهضة الأمم لا تُبنى على الإسفاف والخلاف وإنما تُبنى على مكارم الأخلاق.

{left_qoute_3}

■ هناك أحاديث نبوية كثيرة يتخذها البعض مطية لمهاجمة كتب التراث وأئمة الحديث والعلماء ومن بينها: «بُعثت بالسيف بين يدى الساعة» و«جئتكم بالذبح» فما حقيقة ذلك؟

- هذه كلها أباطيل يروجها أصحاب النفوس الضعيفة والأهواء المريضة للنيل من ثوابت الدين، فحديث الرسول: «بُعثت بالسيف بين يدى الساعة» هو حديث صحيح لكنه جاء مبيناً لوسيلة حماية الدعوة عند التعدى عليها أو التصدى للمسلمين، وليس للعدوان على الآخرين المسالمين الذين لا يتعرضون لنا بأذى، وكذلك حديث «لقد جئتكم بالذبح» ليس المراد به المعنى الحقيقى للذبح وإنما المقصود به معنى مجازى هو التهديد، ودعنى أقل إن القراءة الخاطئة لهذه الأحاديث من قبَل المتربصين للإسلام والمسلمين لا تختلف كثيراً عن تلك القراءة السيئة من قبَل جماعات العنف، التى جعلت من تلك الأحاديث -بقراءتهم القاصرة لها- مبرراً للعنف والقتل والإرهاب، فهؤلاء وإن اختلفت وسيلتهم إلا أنهم يعملون لتشويه صورة الإسلام، وإزالة أهم صفة تميزه عن الأديان الأخرى، وهى السماحة وقبول الآخر وكراهية العنف، لذا يجب ألا ينساق العامة وراء تلك التفسيرات المشوهة لأحاديث رسول الله.

■ ما قولكم فيمن يهاجمون الجيش ويطعنون فى عقيدته ويثيرون الرأى العام ضده ويحرضون الجنود للهرب منه؟

- غاية هؤلاء المتطرفين النيل من الحصن الذى يحمى المصريين، بحيث إذا ما سقط هذا الحصن أعطاهم الفرصة لكى يعبثوا بالوطن وينفذوا أغراضهم الدنيئة ضده وضد الشعب المصرى، فهذه الجماعات المتطرفة تعتبر الجيش المصرى عقبة كبرى أمام طموحاتها فى العودة إلى الحكم والسيطرة على البلاد، وهو ما يدفعها نحو الهجوم الدائم على المؤسسة العسكرية والتشكيك فى ولائها ودورها الوطنى، وإصدار الفتاوى الشاذة المتكررة والمتعددة والتى تدعو إلى الهرب من التجنيد ومقاطعة بل ومعاداة كل الأعمال والأنشطة التى يقوم بها الجيش للحفاظ على أمن الوطن وتماسكه، لكن المؤسسة العسكرية وأفرعها المختلفة تتمتع بتأييد وثقة جميع قطاعات المصريين على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم، ولا يمكن لأى فصيل يدّعى الوطنية أن يجعل من الجيش الوطنى خصماً له يستهدفه بالقول والفعل، وهو أمر يؤكد أنّ الهجوم على الجيش المصرى واتهامه بالأباطيل إنما هو لأغراض خاصة لا علاقة لها بصالح الوطن وأمنه ومستقبله.

■ كيف ترى حال الإعلام فى مصر؟

- أطالب وسائل الإعلام أن يجعلوا قول الله تعالى: «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الأَرْضِ»، فيجب عليهم أن يحرصوا على كل ما ينفع الناس وأن يبتعدوا عن التلاسن وترويج الشائعات والأخبار التى تُفهم على أكثر من وجه وليس الغرض منها إلا إثارة البلبلة والوقيعة، لذا أطالب أجهزة الإعلام بأن تضع ميثاق شرف تلتزم به، ولا تطرح من القضايا إلا ما يفيد الوطن.

■ فى ظل تعدد جهات الفتوى وما يحدث فى الفضائيات من سيل فتاوى هل اهتزت دار الإفتاء؟

- دار الإفتاء المصرية مؤسسة راسخة أنشئت عام 1895 وتولى الإفتاء فيها عبر القرون خيرة العلماء ولها طريق واضح محدد فيما يتعلق بمصادرها وطرق البحث وشروطه، كما أنها صاحبة عقلية علمية عبر هذه الفترة وما قبلها، لها جذور فى التاريخ ولها خبرة إدراك الواقع، لذا فدار الإفتاء المصرية لا يمكن أن تهتز لاتباعها منهجاً وسطياً ولأنها مؤسسة لديها قدرة على إدراك مصالح الناس فى مقاصد الشرع.

■ تجديد الخطاب الدينى أصبح مدخلاً لهدم الدين والتجنى على الإسلام.. ما هو التجديد؟

- فى البداية لا بد من بيان الفرق بين الإصلاح والتجديد فى الخطاب الدينى؛ فالإصلاح يفترض نقصاً ما فى الواقع، وقد يصل هذا النقص إلى درجة الخلل وهذا يستلزم شيئاً من الهدم وإعادة البناء، ولذلك فإن الإصلاح يقتضى أيضاً عدم التسليم بالموروث واعتبار أن خطأً ما قد وقع عند السابقين فهماً أو تطبيقاً أو هما معاً، وهذا هو المبرر والمصوغ لعملية الهدم والشروع فى بناء جديد ينهى النقص القائم، لذا فهذا الأمر بعيد عن المقصد المرجو فى الخطاب الدينى.

أما التجديد الذى نقصد فيتمثل فى عملية إضافة جديدة لا تأتى على القديم بالهدم أو البطلان بل تُضيف الجديد الذى يحتاجه العصر، وموقفها من القديم مبنى على فكرة القائم بواجب الوقت، وأن السابقين قد قاموا بواجب وقتهم بناءً على مقتضيات حياتهم وأزمانهم وأنهم حققوا نجاحات، وأن لكل عصر واجباً يختلف عن واجب العصور السابقة، ولذلك فمع احترامنا للموروث فإننا لا نقف عنده ولا نقف ضده، بل نحترمه ونضيف إليه ونعيد صياغة مناهجه بصورة تتسق مع ما أضفناه من مناهج جديدة أيضاً، وهذا مبنى على فكرة التفريق بين المسائل والفروع والمناهج.

■ هل يوجد فى الشريعة الإسلامية ما يؤكد على ضرورة التجديد؟

- نعم، فلقد جاءت الشريعة الإسلامية بمدح التجديد، وبيان أهميته، بل إن نصوص الشرع الشريف نفسها تؤكد ذلك المعنى، فتارة يحدثنا الشرع الشريف عن التجديد باعتباره أمراً واجب التنفيذ، ويحث عليه المسلمين، وذلك فى مقام الإيمان، فإن الإيمان نفسه يبلى ويخلق ويحتاج إلى أن يجدد فى قلوب الموحدين، وذلك فى قول النبى لأصحابه: «جددوا إيمانكم»، قيل يا رسول الله: وكيف نجدد إيماننا؟ قال: «أكثروا من قول لا إله إلا الله»، فالخطاب الإسلامى هو الخطاب الذى يستند إلى مرجعية إسلامية من أصول دين الإسلام: القرآن والسنة، وما يشهد له هذان الأصلان من الأدلة الشرعية بالاعتبار.

■ البعض يخشى من إطلاق مصطلح التجديد خشية الاتهام بأنه يريد تجديد الأصول المراد بها القرآن والسنة أو إساءة فهمه؟

- الأمر ليس بهذه الصورة، إننا نقصد من التجديد هو الوصول إلى خطاب إسلامى صحيح من أى شائبة، خطاب مستمَد من قيم القرآن والسنة، هذا الخطاب لا بد أن تكون له مقوماته السامية وآثاره العميقة فى النفوس ومكانته الراسخة فى القلوب ومنزلته التى تهز المشاعر وتحرك العواطف نحو الخير متى كان مستمداً من القرآن الكريم وسنة النبى، أما إذا خالط الخطاب الدينى الكذب فى ألفاظه أو فى فتاواه أو فى تفسيره للنصوص الشرعية أو غيرها كانت مصائبه كبيرة وفتنته أليمة؛ لأنه يؤدى إلى اضطراب الأمور وإلى وضعها فى غير مواضعها السليمة، وإلى تحويل الحق إلى باطل، والخير إلى شر، والعدل إلى ظلم، فالتجديد يجب أن يكون قائماً على الاعتدال والتوسط، الذى هو منهج الأزهر الشريف.

■ يتهم البعض المؤسسات الدينية بأنها غير قادرة على تجديد الخطاب الدينى فما ردكم؟

- إذا كانت المؤسسات الدينية التى تمتلك المنهج الصحيح والعلم الراسخ والعلماء الأثبات ليست قادرة على القيام بواجب تجديد الخطاب الدينى فمن إذاً تكون لديه القدرة على حمل راية التجديد، خاصة أن التجديد لا يقوم على نظرة أحادية أو فرد بعينه، هو يحتاج إلى رؤية جامعة، وهذه الرؤية تتوافر لدى المؤسسات الدينية، فالتجديد لا بد أن تضطلع به تلك المؤسسات لامتلاكها الطاقات البشرية والعلمية القادرة على هذا الأمر، بالإضافة إلى المنهج والعلم أيضاً.


مواضيع متعلقة