وزيرة التعاون الدولي تكتب: فلنتعلم من «ناجية»

كتب: د. سحر نصر

وزيرة التعاون الدولي تكتب: فلنتعلم من  «ناجية»

وزيرة التعاون الدولي تكتب: فلنتعلم من «ناجية»

ناجية... صاحبة الـ٥٥ عاماً، وجه مصرى تعلوه ابتسامة صافية تخرج من القلب، تعطيك شعوراً بالتفاؤل وتحمل أملاً فى المستقبل تنقله لمن حولها، قابلتها فى العلمين خلال زيارة قمت بها قبل عدة أسابيع لمتابعة المشروع الذى تنفذه قواتنا المسلحة، رمز التضحية والفداء، لإزالة الألغام من منطقة العلمين، التى زرعتها قوات التحالف قبل ٧٥ عاماً خلال الحرب العالمية الثانية، فعطلت التنمية، وأصابت وقتلت الكثير من أبنائنا، فتعمل وزارة التعاون الدولى حالياً من خلال شركاء التنمية على توفير التمويل الذى يسهم فى إزالة الألغام ويتعدى هذا المفهوم لتهيئة هذه المساحات الشاسعة من الأراضى لإقامة مشروعات البنية الأساسية والمرافق والإسكان لتحقيق تنمية شاملة مستدامة فى كافة المجالات توفر فرص عمل وتعود بالنفع على المواطنين.

ناجية... نجت من الإصابة بالألغام، ولكن زوجها كان حظه عاثراً أصابه لغم، أفقده البصر، وأصاب قدميه بالشلل، فتحملت ناجية مشقة علاج ورعاية زوجها، وتربية ٩ من الأبناء، ولدين وسبع بنات... ربما مهمتها ستكون أيسر لو كان عدد أسرتها أقل، ومضت بها الأقدار لتشق طريقاً من الصعاب بدأته عاملة نظافة تحاول أن تكسب جنيهات قليلة تسد حاجة زوجها وأولادها. طموحها لم يتوقف عند هذا، فكانت حريصة أن تحسن دخل أسرتها الكبيرة، فكرت أن تقيم مشروعاً خاصاً بها، فحصلت على تمويل قيمته ٣٠٠٠ جنيه لتجارة البطاطين، وأقامت بعد ذلك مشروعاً آخر «كشك» لبيع المنتجات الغذائية من منحة وفرتها لها وزارة التعاون الدولى، ومن خلاله أنفقت على ولديها حتى صارا رجلين، وبناتها السبع حتى تزوجن جميعاً.

ولداها قررا أن يتخذا من إصابة والدهما حافزاً لعلاج مشكلة الألغام وتحويل المِحنة إلى منحة، ولد يمنع الكارثة والآخر يعالج آثارها، التحق الابن الأكبر بالجيش مع القوات التى تعمل على إزالة الألغام من العلمين، أما الابن الآخر فعمل بالتمريض فى تركيب الأطراف الصناعية لأبناء بلده المصابين من الألغام فى المركز الذى تم إنشاؤه مؤخراً.. نموذج يستحق الإشادة والفخر.. شباب حوّل ما به من طاقة إلى العمل والجد بدلاً من النقمة على الظروف.

لم أتردد لحظة واحدة عندما دعتنى ناجية لزيارة منزلها البسيط الذى يملأ أركانه معنى السعادة والطموح لحياة أفضل، فالسعادة لا تتحقق بالأموال الوفيرة، ولو كانت كذلك لكان أسعد الناس هم الأغنياء ولكن عند ناجية وأسرتها تجد الرضا بما قسمه الله والعمل والطموح لتحقيق أمانيهم. طلبت منى مساعدتها فى نقل «الكشك» لمكان آخر، زبائنه أكثر وتستطيع من خلاله تحقيق دخل أفضل، لتساعد ابنها فى الحصول على بيت وبناء أسرة صغيرة.. ها هى تقدم نموذجاً لفكر المستثمر، ونموذجاً آخر لريادة الأعمال، ووعدتها بمساعدتها فى هذا الطلب وتحقيق حلمها، رسالتها لم تتوقف عند تربية الأبناء، بل وتطمح فى مساعدتهم للحصول على منزل آخر، تستحق بجدارة أن تكون الجنة تحت قدميها، كما بشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قصة ناجية وغيرها من القصص تؤكد أن التمويلات التى تتيحها الدولة من أجل التنمية يكون لها مردود مباشر على حياة المواطنين البسطاء. فالتمويلات التى تم توفيرها من شركاء التنمية فى الخارج لدعم المشروعات التنموية تحولت من مجرد أرقام إلى واقع ساهم فى تحسين الأحوال المعيشية للمواطنين، مما يحفزنا على مزيد من الجهد لدعم هذه المشروعات فى كافة ربوع الجمهورية، حتى يستفيد كافة أبناء مصر ويتحقق مفهوم التنمية الشاملة العادلة التى تنعكس على حياة الجميع.

وتشير الأرقام إلى أننا وفرنا خلال الفترة الماضية ٢٫٦ مليار دولار إجمالى التمويل الموجه للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، كما أولينا اهتماماً خاصاً بالشباب والمرأة والفئات الأكثر احتياجاً فتم توفير ١٫٤ مليار دولار للشباب ودعم منظومة التعليم، ووفرنا ٢٠ مليون دولار منحاً لدعم مجهودات تطهير بعض المناطق من الألغام وتحقيق التنمية بها، كلها أرقام سعينا، ونسعى، لأن تتحول لمشروعات تدر عائداً وتوفر فرصاً للعمل للمواطنين.

انتهت زيارتى للعلمين، ولكن فى المسافة من العلمين وحتى القاهرة لم تفارق ناجية وحديثها وكفاحها مخيلتى، وجدت نموذجاً لمرأة مصرية جمعت بين الكفاح والإصرار والمثابرة حتى حققت أحلامها.

ناجية رمز للمثابرة والعمل الدؤوب ومثال لمواطنة صالحة، وفرت لها الدولة مقومات أن تعيش حياة كريمة وساعدتها، وقدمت هى من جانبها نموذجاً للعمل وعدم إضاعة الفرصة، بأموال بسيطة ربت وقدمت شباباً صالحاً، عاد بالنفع على أسرته ومجتمعه.

«ملحمة ناجية» تستحق أن نتعلم منها العديد من الدروس، تفاءلوا، وإن الرضا له مفهوم آخر بخلاف المال الوفير، فهى قوية ومثابرة تقاوم أى تحديات فى الحياة ولديها تفانى فى العمل والتزام.. نموذج ناجية نموذج يصلح للاقتداء به... ينفع ولا يضر.. يسعى فى مناكب الأرض وقلبه مملوء بالثقة فى دعم الله لخطاه.

 

 

 


مواضيع متعلقة