كسر حلقة الصراع بين إيران ودول الخليج

تحتاج السياسة الخليجية إلى فك الارتباط بينها وبين السياسة الأمريكية، إذ إن مصالح الطرفين تتباين لدرجة التصادم؛ فتسليم الأمريكيين العراق لإيران لم يكن نتيجة حسابات خاطئة بعد أن كلفهم إسقاط نظام صدام وتوابعه تريليونى دولار، ولكنهم يدركون أو على الأقل يتوقعون بدرجة احتمالية عالية أن الأزمات التى سيخلقها هذا الوضع الجديد فى المنطقة ستجلب لهم أكثر مما دفعوا. يسعى الغرب باستمرار لضرب الأطراف أو القوى الإقليمية بعضها ببعض، وقد شجع صدام حسين على دخول الحرب ضد إيران، وأمده بالسلاح، ليستنزف البلدين معاً، ودعمت دول الخليج صدام، وبعضها كان يدعم الطرفين معاً اتقاء شرهما! وأحيانا كان الجانب الرسمى يدعم صدام بينما جزء من الشعب وهم الشيعة يدعمون إيران مما أحدث شروخاً كبيرة داخل تلك المجتمعات. ولم تتورع واشنطن عن بيع السلاح لإيران (فضيحة إيران كونترا) فى الوقت الذى كانت تمد فيه العراق بالسلاح. بعد سنوات مريرة، وخسائر جسيمة، «تجرع الخمينى السم»، وقَبِل وقف إطلاق النار بعد أن أدرك أن إيران والعراق تحولتا إلى «ثورين فى ساقية» يجلبان الماء للغرب، والشقاء لشعبيهما. لكن صدام أصر على مواصلة رحلة الشقاء فغزا الكويت متسبباً فى مواجهة جديدة مع دول الخليج مباشرة، وعادت الساقية تعمل لتصب الكثير من الماء لصالح الغرب، والكثير من الاستنزاف لثروات دول الخليج. اليوم تعاود إيران استعراض القوة.. برامج تسلح متعددة، ومشروع نووى، وتدخل فى سوريا ولبنان، ومحاولات تمدد فى كل مكان، وهى أمور تثير الريبة والقلق فى الخليج، والغرب سعيد بذلك حتى يكون هناك مبرر لخوف الخليج أو لضرب إيران، ولو تعرضت إيران للضرب فسترد فى أكثر من اتجاه، وأهم هذه الاتجاهات بالطبع دول الخليج، ويكفى أن يسقط صاروخ إيرانى واحد فى منطقة غير مأهولة حتى تبادر واشنطن بإرسال قواتها وحتى قبل استئذان أصحاب الأرض، وستضطر دول الخليج لقبول «العرض» الأمريكى بتولى الدفاع عنها -كما حدث بعد غزو صدام للكويت- مقابل دفع فاتورة الحرب، وبالطبع دفع فاتورة الإعمار نتيجة الخراب الناجم عن الحرب فى أكثر من بلد. هل يمكن لدول الخليج التخلص من الارتباط بالقرار الغربى واتخاذ قرارات مستقلة تعبر عن المصلحة الوطنية؟ كيف يمكن إغراء إيران لإعلان تخليها عن النظام السورى دون أن تبدو كما لو خسرت معركة؟ كيف يمكن مساعدة الطرفين الخليجى والإيرانى على كسر حلقة الصراع التى يدوران فيها منذ ثلاثة عقود على الأقل؟ وما هى الأطراف العربية والإسلامية التى يمكنها المساعدة فى ذلك؟ لماذا يسعى البعض إلى تأجيج حدة الخلاف المذهبى؟ ألا يمكن التعايش فى أمان رغم هذه الخلافات؟ ولماذا لا تقدم كل الأطراف أشكال الطمأنة المطلوبة؟ كيف يمكن تعويض مصالح الدول الأخرى التى ستتضرر من سقوط النظام السورى، كروسيا والصين؟.. أسئلة رغم صعوبتها وتعقدها فإن حلها أقل كلفة من كلفة الصراع القائم وما يحمله فى المستقبل القريب من مخاطر.