ترامب فى البيت الأبيض (٥)

عماد جاد

عماد جاد

كاتب صحفي

أنهى أوباما ولايته الثانية والعلاقات مع روسيا الاتحادية متدهورة للغاية، حشد الاتحاد الأوروبى لفرض عقوبات على روسيا بسبب تدخلها فى أوكرانيا، توترت العلاقات بشدة بين موسكو وحلف شمالى الأطلنطى بسبب اندفاع الأخير لحصار روسيا عبر التطلع إلى ضم أوكرانيا لعضويته، وقد اعتبرت روسيا ذلك خطاً أحمر، تجاوزه يعيد إحياء الحرب الباردة. تولى أوباما رعاية تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام (داعش) ودفع السعودية وقطر لتمويل التنظيم وتغذيته بهدف تمزيق الدول العربية الرئيسية، وتحديداً تلك التى استعصت على التطويع، وكانت سوريا الهدف الذى التقت حوله إدارة أوباما والسعودية وقطر، فإدارة أوباما ترى سوريا آخر معاقل الروس فى المنطقة، والسعودية تتوافر لديها الرغبة فى الانتقام من الرئيس السورى بشار الأسد، فضلاً عن البعد الطائفى الكامن فى السياسات السعودية، أما قطر فهى مخلب القط الأمريكى التى تتلقى الضوء جيداً وتعرف لونه وتتحرك وفق الرغبة والإرادة الأمريكية. نسقت واشنطن مع جماعات الإسلام السياسى لتحقيق رؤيتها الرامية إلى تمزيق وتفتيت الكيانات الكبيرة فى المنطقة، ساعدت جماعة الإخوان المسلمين على القفز على السلطة فى مصر، وتصورت أنه بذلك تم وضع أساس تفتيت الكيانات الكبيرة، وعلى رأسها سوريا، ليبيا وصولاً إلى الجائزة الكبرى مصر، ومن بعدها سيأتى الدور على السعودية.

من جانبها، أدركت روسيا الاتحادية أن سقوط نظام بشار الأسد فى سوريا سيعنى فقدان الوجود فى المنطقة نهائياً، وخضوعها بالكامل تحت السيطرة الأمريكية، وسوريا دولة حليفة ولروسيا قاعدة بحرية فى ميناء طرطوس. بدا واضحاً أن المخطط الأمريكى يسير باتجاه التحقق الكامل، فمصر وقعت فى براثن جماعة الإخوان، والأخيرة مستعدة للتنسيق والتعاون مع واشنطن لتبادل المنافع، واشنطن تساعد الجماعة فى السيطرة على الحكم فى دول المنطقة، والجماعة تنفذ لواشنطن ما تريد من سياسات، لا سيما تمزيق الكيانات الكبيرة وتفتيتها وهو أمر لا يتصادم وعقيدة الجماعة التى ترى فى الأوطان «حفنة من التراب العفن»، فالأساس لديهم الرابطة -الطائفية- الإخوانية لا الوطنية. ومن ثم حشدت الجماعة أنصارها فى استاد القاهرة، ومنه خرجت الدعوات لقتال الشيعة، وإسقاط نظام بشار الأسد فى خطوة غريبة على مصر والمصريين.

فجأة حدث زلزال أطاح بالمخطط الأمريكى بالكامل، ثورة الثلاثين من يونيو فى مصر، تلك الثورة التى أطاحت بحكم المرشد والجماعة وبدأت لاحقاً فى العمل على إسقاط المخطط الأمريكى تجاه المنطقة بالكامل عبر دعم ومساندة وحدة الأراضى السورية والعراقية وأيضاً الليبية، هنا حدث الالتقاء الاستراتيجى الروسى، فقد عملت القاهرة وموسكو على القضاء على بقايا المخطط الأمريكى تجاه المنطقة.

بدا واضحاً فى أتون المواجهة أن المعركة سوف تحسم بنتائج الانتخابات الأمريكية، ففوز المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون سيعنى إعادة إحياء المخطط واشتداد المواجهة، وهو ما كانت تراهن عليه جماعة الإخوان وقطر والسعودية، أما فوز المرشح الجمهورى دونالد ترامب فكان يعنى لمصر وروسيا إمكانية وقف هذا المخطط من ناحية، وإيجاد أرضية مشتركة للتلاقى من أجل التوافق على تسويات سياسية للصراعات المتفجرة فى منطقة الشرق الأوسط بعيداً عن تفتيت الكيانات الكبيرة، باختصار تطلعت القاهرة وموسكو إلى فوز المرشح الجمهورى للتوافق معه على أرضية مواجهة العنف والإرهاب والتصدى للجماعات الإرهابية وفى القلب منها جماعة الإخوان. وقد حاولت كلينتون التصدى لهذا السيناريو عبر إثارة مخاوف الشعب الأمريكى من فوز ترامب، الذى وصفته بالمرشح الروسى للانتخابات الأمريكية، وعبثاً حاولت مدعومة بالأموال القطرية والسعودية، ولكنها فشلت، وفاز ترامب وبات سيد البيت الأبيض الجديد لسنوات أربع مقبلة تمثل فرصة نموذجية لإعادة ترتيب شبكة العلاقات الدولية والإقليمية على نحو يهدئ من التوتر فى العلاقات بين موسكو وواشنطن من ناحية، ويوجد مجال جديد لتطور كبير فى العلاقات المصرية الأمريكية على أساس من المصالح المشتركة، حسب رؤية كل منهما.