البطريرك فى مرمى المؤامرات.. «اللهم اكفنى شر أصدقائى»

كتب: مصطفى رحومة

البطريرك فى مرمى المؤامرات.. «اللهم اكفنى شر أصدقائى»

البطريرك فى مرمى المؤامرات.. «اللهم اكفنى شر أصدقائى»

«اللهم اكفنى شر أصدقائى أما أعدائى فأنا كفيل بهم»، تلك الجملة المأثورة عن نابليون بونابرت، تلخص ما تعرض له البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، خلال الأربع سنوات الماضية وهى فترة جلوسه على الكرسى البابوى، فلم تأته سهام النقد والهجوم من الأعداء الظاهرين، ولكنها جاءت من داخل البيت الكنسى ومن الأقباط، الأمر الذى دفع البابا لينفى تارة تعرضه لمؤامرة وتارة أخرى يتحدث عن شواهد على ذلك حتى جعلت أحد رجال الكنيسة المقربين منه وهو وكيل البطريركية فى الإسكندرية ليفصح فى بيان رسمى عن تلك المؤامرة. وفى لقاء أذيع مؤخراً للبابا على قناة الكنيسة الرسمية «مارمرقس»، أشار إلى أنه يشعر أحياناً بأن هناك حاجة منظمة تهاجم الكنيسة وأن هناك دلائل على ذلك، ولكنه يثق أن الله ضابط الكل.

{long_qoute_1}

جاءت أول سهام الهجوم على البابا حينما زار الفاتيكان واتفق مع البابا فرنسيس فى 2013 على السعى للاعتراف المتبادل بين الكاثوليك والأرثوذكس بالمعمودية، فخرجت صفحات على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، فضلاً عن مواقع مسيحية على شبكة الإنترنت، وحركات قبطية وهمية، تهاجم البابا وتتهمه بالتفريط فى الإيمان والسعى لكثلكة الكنيسة، حتى تحدث بعض الأقباط عن تلقى تلك الصفحات والمواقع دعماً من بعض أعضاء المجمع المقدس الكبار الذين يسمون بالحرس القديم فى الكنيسة والذين أضر بمناصبهم ومكاسبهم وصول البابا إلى الكرسى البابوى وسعيه لتطوير الكنيسة.

كما شكك هؤلاء فى إيمان البابا الأرثوذكسى، بالموافقة على الصلاة مع رئيسة الكنيسة اللوثرية فى السويد، ووصل ببعض المتربصين بالبابا أن هاجموا موقفه الوطنى بالوقوف إلى جانب كافة القوى بالمجتمع فى مشهد 3 يوليو وعزل الإخوان واتهامه بأنه عرض الكنائس والأقباط للخطر وما تعرضوا له بعد فض اعتصامى الإخوان فى رابعة والنهضة، وانتقدوا مقولته الخاصة بـ«وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن».

{long_qoute_2}

الحملة الممنهجة على البابا انتقدت سفرياته للخارج والبذخ فى استقباله وتغافله عن زيارة الأقباط فى الداخل، خاصة فى الصعيد، فضلاً عن اتهامه بالعزلة عن الأقباط داخل المقر البابوى بفضل سكرتاريته، كما انتظرت كل تصريح أو مقولة أو حركة للبابا وقلبها عليه والتصيد له وتضخيم الأمر، من أجل إفشاله فى خطته للإصلاح.

وحينما تحدث البعض عن تلك المؤامرات التى تحاك ضده، رفض البابا الحديث عنها ونفاها منعاً للتجريح فى أحد، وعدم إظهار الكنيسة بأى مظهر غير مناسب، إلا أنه فى ظل استمرار الهجوم عليه، خاصة بعد صناعة «الميرون»، وهو أحد أسرار الكنيسة السبع التى تعتمد فى المعمودية، هاجمت تلك الحركات والصفحات والمواقع البابا بضراوة ليخرج عن صمته ويهاجم منتقديه فى افتتاحية مجلة الكرازة الناطقة بلسان الكنيسة فى 2014، مشيراً إلى أن لديه غيرة كبيرة على الكنيسة ولا ينتظر أن يعلمها له آخرون مهما كانت التسميات التى يطلقونها على أنفسهم والتى توحى للعامة بأنهم فقط الذين يعرفون، ودعاهم البابا إلى الإفصاح عن أسمائهم بدلاً من النشر على النت والتستر وراء عبارات تهدم أكثر مما تبنى وتسبب بلبلة، الكنيسة فى غنى عنها.

إلا أن كلمات البابا لم توقف المتآمرين عليه، فصعّدوا ضده حينما انحاز للدولة وللوطن فى قضية دير وادى الريان غير المعترف به كنسياً وتبرأ من بعض الواقفين فى وجه الدولة والرافضين لإقامة المشروعات القومية للنهوض بالدولة، عاودوا الكرة وهاجموه واتهموه بالتفريط فى الأديرة وقارنوا بينه وبين البابا الراحل شنودة الثالث.

ووصل الأمر إلى تدشين حركة لسحب الثقة من البابا تواضروس على غرار حركة «تمرد» التى أطاحت بالرئيس الإخوانى محمد مرسى، وأعلن مؤسسها عن طبع استمارات وجمع توقيعات بالآلاف من الأقباط لهذا الأمر فى منتصف 2015، الأمر الذى دفع الأنبا رافائيل، سكرتير المجمع المقدس للكنيسة، ليؤكد أن المجمع يرفض هذه اللغة الغريبة التى تفوه بها البعض ضد البابا، داعياً الكل أن يراجعوا أنفسهم لئلا يدانوا أمام الله لأن أدبيات الكنيسة ولغتها لا يوجد بها مثل هذه المهاترات.

فى ذلك الحين أخذ الهجوم على البابا منحى آخر، حيث أخذوا يهاجمونه وينتقدونه ويستهدفونه خلال عظاته الأسبوعية أمام شاشات التليفزيون ووسائل الإعلام، فتارة وقفت سيدة تصرخ فى البابا لينفعل البابا ويأمر بطردها من الكنيسة ويمسكها عليه المتربصون، وتارة ثانية يتظاهر متضررو الأحوال الشخصية المطالبون بالطلاق والزواج الثانى خلال عظته ليلغيها ويغادر الكنيسة، الأمر الذى أنقذ البابا من هذا المخطط تجميد إلقاء عظاته الأسبوعية فى الكاتدرائية بدعوى تجديدها والتنقل بها بين الكنائس والإيبارشيات وعدم الإعلان عن مكانها إلا قبلها بقليل حتى لا يعطى للمتربصين مكاناً وزماناً محددين لاستهدافه.

وأمام هذا التآمر خرج لأول مرة مسئول كنسى ليعلن بشكل معلن عن المؤامرة ضد البابا، وهو القمص رويس مرقس، وكيل عام بطريركية الأقباط الأرثوذكس بالإسكندرية، وذلك فى بيان، أكد خلاله أن البابا يتعرض لحملة هجوم ممنهجة لإظهاره منفصلاً عن شعبه من عدة فئات، ممن يتصورون أنهم هم فقط الذين يحبون الكنيسة ويخافون عليها ويحمون تراثها أو من له مطالب يستحيل الاستجابة لها مثل موافقة الكنيسة على الزواج المدنى والطلاق لأسباب لا تقرها الكنيسة، فضلاً عن من يبحث عن شهرة أو أموال بالهجوم على البابا، مشيراً إلى أن البابا يرفض إلحاح أبنائه بالرد على الحرب الشيطانية الشرسة التى يتعرض لها مفضلاً الصمت.

كما أصدر التيار العلمانى القبطى، برئاسة كمال زاخر، أكثر من بيان يحذر من المؤامرة على البابا أشار خلالها إلى ما وصفه بمحاولات تجميد وإعاقة خطوات البابا تواضروس ومحاصرته، مناشداً الآباء المستنيرين بالمجمع المقدس للكنيسة، التصدى للمؤامرة التى يقودها البعض داخل مجمعهم وتحالفاتهم خارجه، لإسقاط البابا، أو وقف مسار الإصلاح الذى انتهجه البابا منذ اليوم الأول له على الكرسى المرقسى.

وأشار التيار علانية إلى تصاعد أجنحة داخل الكنيسة تسعى إلى عزل البابا تواضروس والترويج لهذا عبر بعض الأقلام والأبواق الموالية لها فى الفضاء الإعلامى، مرجعاً ذلك للعديد من الخطوات الإصلاحية التى أخذها البابا، حيث كانت ردود الفعل حادة ومتسارعة عند من تحركت أو تقلصت أو أضيرت مصالحهم جراء منهج البابا المتسق مع طبيعة حركة التاريخ، سواء ممن استبعدوا من دائرة الضوء، أو اشتبكوا مع دوائر السياسة ورجال الأعمال، أو ممن لهم مواقف شخصية مع المستفيدين من تحرك البابا الإيجابى، أو ممن كانوا يرون أنفسهم أحق بالموقع، ويسعون لإفشال حراك التجديد والإصلاح وتشويهه.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل ظهر للعلن فى يونيو الماضى الخلاف بين البابا وبعض أعضاء المجمع المقدس، الذى أثاره الأنبا مايكل، أسقف عام فيرجينيا بالولايات المتحدة، واعتراضه هو والأنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة، على رسامة الأنبا بيتر، أسقف نورث كارولينيا.

وبعيداً عن المؤامرات، تعرض البابا لهجوم شديد من الأقباط وغيرهم على زيارته إلى القدس فى نوفمبر 2015 لحضور جنازة الأنبا أبراهام، مطران الكرسى الأورشليمى الراحل، التى تمت بتأشيرة إسرائيلية وتسببت فى توجيه اتهامات للبابا بالتطبيع مع الكيان الصهيونى، ومخالفة قرارات المجمع المقدس. وفى لقاء للبابا أذيع مؤخراً على قناة الكنيسة، أشار لاعتقاده بوقوف جهة منظمة خلف الهجوم على الكنيسة، وأن هناك دلائل على ذلك ولكنه يثق أن الله ضابط الكل.

 


مواضيع متعلقة