إيش حال غلبانكم؟ قالوا غنينا بيصرخ!

أول رد فعل احتجاجى على ارتفاع الأسعار، عقب قرار تعويم الجنيه ورفع أسعار الوقود كان مسرحه الجامعة الأمريكية بالقاهرة. أمر لافت لكنه مبرر، هو أمر لافت فى ظل الدعوات المجهولة التى يتبناها البعض ويدعو من خلالها الغلابة للاحتجاج، فإذا بأول فعل احتجاجى يأتى من أبناء الشريحة العليا فى الطبقة الوسطى وطبقة الأغنياء، وهو أمر مبرر فى ظل حالة الغلاء التى ضربت المجتمع المصرى بكل أطيافه، فأصابت الجميع بالوجع، دون تفرقة بين غنى وفقير. رفع الطلاب خلال المظاهرات التى شاركوا فيها بالمئات لافتات منددة بزيادة المصروفات والأوضاع الاقتصادية فى مصر، مؤكدين أن القرار الأخير بخفض قيمة الجنيه ورفع الدولار تسبب فى ارتفاع المصروفات عليهم، إلى جانب غلاء المعيشة، الأغنياء يتوجعون فكيف حال «الغلابة»؟.

لا يزال الغلابة يحسبون ويكتشفون لحظة بعد أخرى حجم التأثيرات المترتبة على الإجراءات الاقتصادية العنيفة التى اتخذتها الحكومة، ومع كل اكتشاف جديد تضاف لبنة جديدة إلى حائط الغضب. الغلابة أيضاً يراقبون الإجراءات الحمائية التى سوف تتخذها الحكومة لتخفيف وقع الصدمة المدوية للغلاء عليهم. وما بين الاكتشاف والمراقبة سوف يتحدد حجم ارتفاع حائط الغضب، ووصوله إلى مرحلة الانفجار. المشكلة أن الاكتشافات تتوالى، فمع كل عملية شراء اكتشاف، يدرك المواطن من خلالها ارتفاعاً جديداً فى ثمن سلعة أو خدمة ليس بمقدوره الاستغناء عنها، دون استثناء ولا تفرقة بين غذاء وكساء، ودواء وتعليم، ونقل واتصالات، وغاز وكهرباء وماء، الاكتشافات تتوالى، والأجواء تنذر بالمزيد. فى المقابل تبدو الحكومة عاجزة كل العجز عن ضبط الأسواق وتلجيم الأسعار، ورافضة كل الرفض زيادة المرتبات، أو تحسين الدخول، بصورة تتناسب مع التضخمات الفلكية فى الأسعار. والأخطر من ذلك الإحساس الذى بدأ يتسرب إلى الناس بأن الأسواق تشح شيئاً فشيئاً من بعض السلع المعيشية الأساسية!.

كيف حال الغلابة فى مصر؟.. قالوا غنينا بيصرخ!. حائط غضب الغلابة يرتفع، وبغض النظر عن المجاهيل الذين يدعون هذا القطاع من المصريين إلى النزول، إلا أن على الحكومة أن تعترف أن «الغلابة» فى مصر يصارعون بأعلى درجات اليأس والضعف أمواج الغلاء العاتية، وأن وصول الوجع إلى الأغنياء يحمل مؤشراً شديد الخطورة على ما وصلت إليه الأوضاع. والمتابع لردود فعل السلطة على الدعوات المجهولة لنزول الغلابة يلاحظ أنها تعتمد بالأساس على المواجهة الأمنية. والمتجول فى شوارع القاهرة بإمكانه أن يلاحظ الانتشار الأمنى المكثف تحسباً ليوم الجمعة المقبل، وقد صدرت العديد من البيانات الرسمية التى تؤكد الاستعدادات الأمنية المكثفة لمواجهة أى مظاهرات. وحقيقة الأمر فإن هذا النمط من الأداء لا يتمتع بالدرجة المطلوبة من الوجاهة، لأن جهود الأمن فى هذه اللحظة يجب أن تنصرف إلى محاولة ضبط الأسواق، واجتماعات المسئولين -بكل مستوياتهم- هذه الأيام لا بد أن تدور حول كيفية اتخاذ القرارات الكفيلة بالتخفيف عن الناس، وليس محاصرتهم ورفع عصا التأديب فى وجوههم حال الصراخ بالوجع. من يتجول فى شوارع مصر هذه الأيام سيلاحظ الاستعدادات الأمنية لمواجهة أى طارئ أو مستجد، لكن بمقدوره أيضاً أن يلمس أحاسيس الحزن والغضب التى ترسم خرائط وجوه المصريين!.