ترشيد استيراد السلع وتنشيط السياحة الحل العاجل لأزمة سعر الدولار

كتب: إسماعيل حماد

ترشيد استيراد السلع وتنشيط السياحة الحل العاجل لأزمة سعر الدولار

ترشيد استيراد السلع وتنشيط السياحة الحل العاجل لأزمة سعر الدولار

شهدت سوق صرف العملات الأجنبية خلال الأيام الماضية، وخاصة الدولار، صعوداً أمام الجنيه فى السوق السوداء، ليصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، مسجلاً ما يتجاوز مستوى 15 جنيهاً، بارتفاع يتجاوز مستوى الـ85% منذ بداية العام الجارى فى سياق عمليات مضاربة، واكتناز للعملة الصعبة.

وأكد خبراء ومصرفيون أن سعر الدولار فى السوق السوداء لا يعبر عن قيمته الحقيقية، وإنما هى أرقام خلقتها المضاربات لتحقيق مكاسب لتجار العملة على حساب مصلحة الاقتصاد والوطن ككل، ويدفع ثمنها فى النهاية المواطن البسيط.

{long_qoute_1}

وقال مصدر مصرفى إن ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة واستمرار منظومة الدعم على شكلها الحالى وتوحش الاستيراد واستمرار تراجع تحويلات المصريين فى الخارج والقطاع السياحى، ترفع من حدة أزمة الدولار، واقترح المصدر، الذى طلب عدم نشر اسمه، روشتة متكاملة لحل أزمة الدولار، تبدأ بمحاولات السيطرة على عجز الموازنة العامة للدولة الذى سجل 319 مليار جنيه خلال العام الجارى، والعمل على تخفيض فجوة ميزان المدفوعات الحقيقية التى تفوق 24 مليار دولار فى العام، بعد أن وصلت فاتورة الاستيراد لتتجاوز مستوى الـ80 مليار دولار سنوياً، بالإضافة إلى الحد من الارتفاع الذى شهده الإنفاق المحلى بدون إنتاج محلى، ما يؤدى إلى زيادة الواردات من السلع «أى ضبط ميزان المدفوعات بترشيد استخدامات العملة الصعبة وتحفيز مواردها».

وأضاف المصدر: «الخلل فى سعر صرف الجنيه عرض وليس مرضاً، وعلاجه يتطلب حزمة من الإجراءات الإصلاحية، مثل تنشيط الصادرات، والسياحة التى تأثرت بشدة نتيجة الأحداث الأمنية الأخيرة، والعمل على فرض السيطرة بشكل أكبر على المنافذ الجمركية لمكافحة عمليات تهريب العملة إلى الخارج والبضائع أيضا، والعمل على مكافحة الممارسات غير الشرعية لشراء تحويلات المصريين فى الخارج بأسعار مرتفعة تتجاوز السوق الموازية، وسرعة العمل على تهيئة المناخ للاستثمار الأجنبى بإجراء الإصلاحات والتعديلات التشريعية اللازمة».

وأكد أن البنك المركزى يعمل فى الوقت الحالى على تنفيذ خطة متكاملة للخروج من أزمة الدولار والقضاء على السوق السوداء، مستخدماً ما لديه من أدوات وآليات لدفع السوق نحو الاستقرار، لافتاً إلى أنه يستهدف فى الوقت الحالى العمل على رفع الاحتياطى النقدى لديه إلى مستويات تتراوح بين 25 و30 مليار دولار، بالإضافة للتنسيق مع الحكومة، وتحديداً المجموعة الوزارية الاقتصادية لترشيد الاستيراد كنوع من أدوات تخفيف الضغط على العملة الصعبة من ناحية، والعمل على زيادة مواردها من السياحة والاستثمار الأجنبى والصادرات وتحويلات المصريين فى الخارج.

وقال المصدر إن المتلاعبين فى السوق السوداء يؤثرون بشكل كبير على مستوى أسعار السلع فى الأسواق، وهو ما لا يمكن السكوت عنه، لافتة إلى أن البنك المركزى ينتظر الوقت المناسب للتدخل وتوجيه ضربات قاسية للمضاربين، لكن يجب أن تساعده الجهات الحكومية الأخرى بتعزيز موارد النقد الأجنبى حتى يتمكن «المركزى» من فرض سيطرته على سوق الصرف بشكل أكبر، وأكد أن «المركزى» مهمته إدارة ما يدخل للدولة من النقد الأجنبى، وليس جذبها من الخارج.

ويقول الخبير الاقتصادى أحمد الضبع، إن أزمة الدولار نتيجة لمشكلاتنا الاقتصادية الداخلية وتأثيرها على معاملاتنا الخارجية مع العالم، حيث نستورد سلعاً وخدمات بقيمة تزيد على صادراتنا للعالم بفارق يزداد اتساعه منذ يناير 2011، ومنذ ذلك التاريخ فقدنا أكثر من 22 مليار دولار من مواردنا من العملة الأجنبية، 6 مليارات فى السياحة، ونحو 4 مليارات فى الاستثمار الأجنبى، ونحو 12 ملياراً فى التجارة، نتيجة زيادة الواردات وتراجع الصادرات.

وقد تم استغلال نقص الدولار، بحسب «الضبع»، ووجود فارق بين السعرَين الرسمى والموازى من قِبل المضاربين فى السوق المحلية ومتعاونين معهم فى الخارج، وخاصة فى دول الخليج، لتزداد الأزمة تفاقماً ويتسع الفارق بين السعرين ليصل إلى نحو 60% حالياً.

وأكد أن هناك حلولاً قصيرة المدى أهمها تحفيز التحويلات الرسمية من المغتربين عبر تبنى حملة لإقناعهم بالتحويل بالدولار إلى مصر مع ضمان تسلمه من البنوك وحرية التصرف به لما لذلك من فائدة مادية أفضل للمحول، وكذلك لمصر من الطرق غير الرسمية الحالية، فضلاً عن طرح المزيد من الأراضى والعقارات الحكومية المقومة بالدولار للمغتربين والأجانب، وكذلك طرح أسهم فى شركات حكومية أو جديدة للاكتتاب العام بالدولار للمغتربين والأجانب، وإقرار خصومات لتسديد جمارك السيارات بالعملة الأجنبية.

أما الحلول الجذرية فيجب أن تتركز على استعادة مواردنا المفقودة من العملة الأجنبية عبر خطة قومية لتسويق مصر، لاستعادة التصدير السلعى والخدمى بعد تشغيل المنشآت المعطلة والمتوقفة أو التى تعمل فى غالبيتها بأقل من ثلث طاقتها القصوى حالياً، ولا سيما المصانع والفنادق والمنشآت السياحية، مع أهمية تشكيل مجلس أعلى لهذا الغرض، برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى، على أن يضم جميع الجهات المعنية، ويقوم بالتسويق المتكامل والشامل للدولة فى الخارج كوجهة جاذبة للسياحة والاستثمار والتجارة والأعمال بشكل عام، مع تنشيط دور البعثات الدبلوماسية اقتصادياً وترشيد إنفاقها ووضع أهداف كمية اقتصادية لها وليس إغلاقها كما يروج له الآن.

زيادة الاستثمارات الأجنبية

مصر ونتيجة ما مرت به من أحداث وأزمة الدولار وعقبات تشريعية وإجرائية وترهل جهازها الإدارى لم تستفِد من مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى حتى الآن، ولم تحول العقود ومذكرات التفاهم إلى استثمارات على الأرض، ورغم ارتفاع الاستثمارات الأجنبية إلى نحو 7 مليارات دولار خلال عام 2015 فإن ذلك لا يتناسب مع ما جرى الاتفاق عليه، وكذلك لا يلبى احتياجاتنا، وعلى المجلس الأعلى للاستثمار سرعة التحرك بالتشاور المباشر مع المستثمرين وإزالة العقبات التى ما زالت تحول دون دخولهم، خصوصاً أن غالبيتها تتركز فى توفير الأراضى المرفقة وتعديل قانون الاستثمار وتسهيل الإجراءات، هذا إلى جانب التحرك الجاد على بقية عناصر جذب المستثمرين، ولا سيما الشركات متعددة الجنسية.

وفى هذا الإطار كشف مؤشر جاذبية الدول للاستثمار الصادر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات عن أن أداء مصر جاء أقل من المتوسط العربى والعالمى فى مؤشرات البيئة المؤسسية وبيئة أداء الأعمال والاستقرار الاقتصادى وعناصر التكلفة والموارد البشرية والطبيعية والتقدم التكنولوجى وتكنولوجيا المعلومات.

من جهته، قال أحمد الشاذلى، الباحث الاقتصادى، إنه لا يمكن ترك سوق صرف النقد الأجنبى لتلاعبات المضاربين، وإن حركة سعر صرف الدولار أمام الجنيه منذ أن تم تحريره فى 2003، تشير إلى أنه يلى كل ارتفاع هبوط سريع، وغالباً ما يكون بشكل مفاجئ، متوقعاً عودة الاستقرار إلى سوق صرف الدولار وانتعاش الجنيه إذا توافرت عدة عوامل، من بينها الحصول على قرض صندوق النقد الدولى والاستقرار السياسى والأمنى للبلاد، بما يدعم ثقة المستثمرين الأجانب والمحليين تجاه السوق المحلية.

وأكد «الشاذلى» أن أهم ما يجب إنجازه فى الوقت الحالى هو تخفيض العجز فى الميزان التجارى على وجه السرعة، وذلك من خلال العمل على محورين أساسيين هما زيادة الصادرات، وهو ما نلحظ فيه مجهوداً جيداً خلال الآونة الأخيرة، إضافة إلى ترشيد الاستيراد، لافتاً إلى أنه على الرغم من المجهود المبذول لكبح جماح التوسع فى الاستيراد، فإنه لا تزال هناك جهود أكبر يمكن العمل عليها خلال المرحلة الحالية لتخفيض فاتورة الاستيراد، خاصة أنها تمثل عبئاً حقيقياً على موارد العملة الصعبة للبلاد.

وأشار إلى أن ما يجب الانتباه إليه هنا هو المنافذ الجمركية، موضحاً أن عمليات التهريب تضر بالاقتصاد المصرى على أكثر من مستوى، وهى استنزاف موارد العملة الصعبة من ناحية والإضرار بقدرة المنتج المحلى على المنافسة حتى داخل السوق المحلية، وهو ما يهدد عملية الإنتاج بشكل عام، قائلاً: «يجب العمل على ضبط المنافذ الجمركية بشكل أكبر لتضييق الخناق على المهربين وتقليل الطلب على العملة الصعبة».

وقال محمد صلاح، مصرفى بأحد البنوك العاملة فى السوق المحلية، إن البنك المركزى يعمل منفرداً وهو ما أدى إلى ارتفاع سعر الصرف فى السوق السوداء، لأنه يجب على الحكومة أن تسانده بالعمل على تعزيز موارد النقد الأجنبى، مؤكداً أنه لن يتمكن «المركزى» من حل الأزمة منفرداً، محذراً من استمرار نقص موارد العملة الأجنبية بعد انهيار السياحة وتراجع الاستثمار الأجنبى وتحويلات المصريين فى الخارج وعدم قدرة الحكومة على طرح برامج استثمارية لجذب مشروعات تدر مزيداً من العملة الأجنبية مرة أخرى، حتى يتسنى لـ«المركزى» زيادة الاحتياطى الأجنبى، ومواجهة الطلب على العملة الصعبة، خاصة أن مصر دولة مستهلكة أكثر من وجود صناعات تغنى عن الاستيراد.

وشدد «صلاح» على أهمية قيام البنوك العاملة فى السوق المحلية بتفعيل دور فروعها المنتشرة فى جميع دول العالم، وخاصة فى منطقة الخليج لجذب وتجميع وشراء مدخرات وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، حتى لا يتم تداولها فى القنوات غير الشرعية والمضاربة عليها فى السوق السوداء خارج وداخل مصر، خاصة أن تلك الممارسات أضرت كثيراً بالاقتصاد الوطنى، مقترحاً تخفيض أو إلغاء رسوم تحويلات المصريين فى الخارج، وطرح محفزات لجذب تلك التحويلات.


مواضيع متعلقة