عثمان محمد عثمان: أخشى تبعات عدم تنفيذ تعهداتنا للحصول على قرض «الصندوق»
الدكتور عثمان محمد عثمان، وزير التخطيط والتنمية الاقتصادية الأسبق
قال الدكتور عثمان محمد عثمان، وزير التخطيط والتنمية الاقتصادية الأسبق، إن أكثر ما يقلقه فى المشهد الاقتصادي في مصر هو الاستقطاب الشديد داخل المجتمع حول رؤية وأبعاد الأزمة على مستوى المجتمع، أى التشخيص، وبالتالى سبل الخروج منها. والجدل المحتدم حول برنامج الحكومة للإصلاح الاقتصادى.. وتحديد ما يخص ترشيد الدعم فى هذا البرنامج مثال جيد على ذلك.وأضاف لـ"الوطن": "هناك فريق وأنا منهم يرى أن استمرار الدعم المطلق والأعمى بصورته الحالية غير ممكن وغير مُجدٍ، وهناك فريق آخر يدافع عنه باستماتة ويعتقد أنه السبيل الوحيد لحماية محدودى الدخل. ورأيى منذ سنوات طويلة أن الأعلى صوتاً هم المستفيدون من استمرار الدعم وهؤلاء يعرقلون أى محاولة من جانب الحكومة منذ أكثر من 50 عاماً لترشيد الدعم. وما أخشاه أن تعجز الحكومة، تحت ضغوطهم، عن تنفيذ تعهداتها للصندوق ولنا سوابق مماثلة فى هذا الأمر كما حدث فى 1987"، لافتا إلى أنه إذا حدث ذلك سيتخذ «الصندوق» قراراً بوقف صرف باقى شرائح القرض، وحينئذ ستكون التداعيات خطيرة للغاية، وأشد خطراً من الآثار التى يزعم البعض أنها ستترتب على التوصل لاتفاق نهائى مع الصندوق، كتخفيض العملة وترشيد الوقود وغيرها من الإصلاحات الاقتصادية الأخرى.وأكد عثمان، أن المستفيدون منذلك هم فى الأساس الموردون للسلع التموينية المدعومة للدولة، هؤلاء تحولوا إلى جماعات ضغط ضد أى محاولة لإعادة النظر فى الدعم بصورته الحالية والذى أثبتت التجربة فشله واستنزافه لموارد الدولة من ناحية ولذهاب معظمه للفئات الأعلى دخلاً. وهؤلاء يشنون الآن هجوماً حاداً على برنامج الإصلاح الاقتصادى ويحذرون من خطورة الاتفاق مع صندوق النقد الدولى تحت ذريعة رفضهم للشروط والإملاءات الخارجية وإرهاب الحكومة بالتحذير من غضب رجل الشارع. مع العلم أن متطلبات الإصلاح معروفة سواء تم الاتفاق مع الصندوق أم لا، وأى اقتصادى حقيقى سيبدأ فوراً فى اتخاذ هذه الإجراءات، أمّا رد فعل رجل الشارع فقد يكون حقاً يراد به باطل، ولنا تجارب كثيرة، وفى أزمة مشابهة، جاءنا من يقول «إن الناس تعبانة، والناس عايزة كذا وكذا»، وبعد إضافة الفول والصلصة على بطاقات التموين، طلبت من مجلس الوزراء آنذاك أن يستطلع آراء المواطنين حيال المنظومة الجديدة فجاءت شكواهم من أن الفول والمكرونة وغيرهما سيئة.وأوضح أن نفوذ التجار والموردين واضح. وبصماتهم واضحة على الأزمات المتتالية مثل أزمة الأرز والسكر وغيرهما. هذه سلع أساسية، ومن المفترض من وجهة النظر الاقتصادية ألا يكون فى توافرها أى مشكلة، إلا أن المفاجأة أن هذه السلع غير متوافرة، وبالنظر إلى سلعة كالسكر، فإن إنتاجنا المحلى يمثل نحو 80% من استهلاكنا، وكذلك الأرز الذى فاض حتى أصبحت المطالب فى وقت من الأوقات هى فتح الباب لتصديره للخارج، نظراً للفائض المحقق من زراعته ووفرته بالسوق المحلية، كذلك ألبان الأطفال التى كانت متوافرة لسنوات طوال. لكن الأزمة تنشأ من وجود تجار الأزمات الذين يشبهون تجار الحروب ويعملون على استغلالها لتحقيق الأرباح، هم يستغلون أى خلل فى المنظومة الاقتصادية من أجل التربح، فيلجأون إلى تعطيش الأسواق بتخزين السلع الضرورية لدفعها للزيادة.وأشار إلى أن وسائل الإعلام بكل أنواعها تلعب دوراً محورياً فى تضخيم الأمور، وتهويل الوضع، وتصوير الحكومة فى موقف العاجز عن إيجاد حلول للمشكلات، كل ذلك يدفع المواطن الذى لا يستشعر وجود أزمة ولا يلمسها فى تعاملاته اليومية إلى التصرف كما لو كانت هناك أزمة فعلاً، فيبدأ على سبيل المثال زيادة استهلاكه من سلعة كالسكر وشراءها لمجرد تخزينها تحسباً لأى نقص محتمل، وبالتالى يتراجع المعروض من السكر، وتصبح هناك أزمة، وبالتالى يرتفع الطلب على السلعة، ما يخلق أزمة حقيقية لم تكن موجودة فى الأساس.وأكد عثمان، أن الشارع لديه القدرة على تحمل الإجراءات والقرارات الصعبة فى الوقت الحالى، إذا لم يحرضه أصحاب المصالح. وقد تحمل الشعب أوقاتاً عصيبة، أقول ذلك وعينى على تجربة التهجير بعد حرب 1967 التى تعرض لها أهلنا بمدن القناة. الشعب قادر على التحمل خصوصاً لو علم أنه لا يوجد بديل لتلك الإجراءات الصعبة فى الوقت الراهن. قائلا: "بقالنا عشرين سنة بنقول إن الدعم مبيوصلش لمستحقيه، ومنظومة الخبز الحالية غير جيدة، لأنها سمحت باستبدال فائض الخبز بسلع أخرى، ونحن كنا ننفق 30 مليار جنيه على دعم الخبز رغم أن استهلاكنا للخبز بأقل من هذا الرقم، ما يعنى أن المنظومة بحاجة إلى مراجعة شاملة مرة أخرى. فما الذى يمنع ذلك؟".وأضاف: "تقديرى أن الحكومة لم يعد لها سيطرة على مجريات الأمور. «عملت إيه فى أزمة السكر وأزمة توريد القمح وغيرهما، أقالت وزير التموين؟!»، بصفة عامة هى غير قادرة على تفعيل كثير من القوانين، خذ قانون المرور على سبيل المثال. ثم إن الإدارة الاقتصادية للدولة لا تراعى قوانين السوق، ونقص السلع يتطلب أن يكون القرار الاقتصادى متسقاً مع قوانين السوق، لدينا اليوم سعران للسلعة الواحدة، وسعران للعملة، لدينا فساد واحتكار، والحل الأمنى ليس حلاً، والأجهزة الرقابية تُحمَّل بأكثر من طاقتها لأن دورها مطلوب حينما يُفعَّل القانون الاقتصادى والإجراءات الصحيحة. لكن دائرة عملها الآن اتسعت بشكل رهيب لأن كثيراً من المخالفات ناتجة عن خلل فى القرار الاقتصادى وليس بالضرورة عن جشع كما حدث فى أزمة الدولار والسكر. ماذا يضير لو رشدت الحكومة كل أوجه الدعم، وأعطت للمستحقين بدلاً من كيلو سكر، 2 كيلو على بطاقات التموين؟!.. هل من المنطق دعم سكر الحلويات والجاتوهات لمحلات تبيع القطعة بـ6 جنيهات؟!، هذه أمور خاطئة للغاية وبحاجة إلى مراجعة فورية".وقال عثمان: «لازم يكون فيه إجراءات صعبة كتخفيض الجنيه وترشيد الدعم»، فمن غير المعقول الاستمرار فى دعم الوقود للطبقات المتوسطة والأغنياء، فى وقت أعجز فيه عن تطوير التعليم وتحسين الرعاية الصحية والبنية التحتية كما ينبغى. ورأيى، لو كانت الحكومة والبنك المركزى قد اتخذا قراراً بخفض العملة منذ شهرين أو ثلاثة أشهر، لكان الوضع أفضل الآن، إذ كان السعر العادل للدولار مقابل الجنيه نحو 11.50 إلى 12 جنيهاً، وللأسف الوضع تغير الآن، فقد تأخرنا لأن تخفيض البنك المركزى للعملة إلى هذا الرقم لن يحل المشكلة، فالسعر العادل وصل إلى 15 جنيهاً، وأرى أن تأثر الحكومة بموجات التخويف من رد فعل الشارع تؤدى إلى آثار سلبية على معيشة المواطنين. ما يقلقنى فى المشهد الراهن أن الحكومة تحاول جاهدة مواجهة المشكلات بحلول هى فى الأصل حلول منطقية، إلا أن هذا الجهد يضيع بتأخرها فى اتخاذ الإجراءات الضرورية، وهذا التأخير يتسبب للأسف فى زيادة حدة المشكلات، ويزيد من حجمها".وأضاف عثمان: "تقارير البنك الدولى تشير إلى أن الفرد الذى يقل إنفاقه عن 10 جنيهات يومياً هو شخص فقير ويستحق الدعم، هذا وفقاً لتوصيف البنك الدولى والمجتمع الدولى كله، كما أن تقديرات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء تشير إلى ذلك أيضاً، فقد عرَّف «الجهاز» الفقير العام الماضى باعتباره ذلك الشخص الذى ينفق يومياً أقل من 16 جنيهاً، وبرأيى هذا هو من يستحق الدعم وحده، وليست لى علاقة بمن يفوقه فى الإنفاق".وأكد أنه مطمئن لهذه الأرقام، فقد عملت قبل تولى منصب وزير التخطيط والتنمية الاقتصادية الأسبق فى 2002، مديراً لمعهد التخطيط القومى، وعملنا فى العام 1996 على إعداد تقرير التنمية البشرية الرابع بالتعاون مع البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وكان موضوع التقرير هو الفقر، ومن هو الفقير، وكم عدد الفقراء فى مصر؟، كنا أول من تناول هذا الأمر فى مصر، وأعتقد أننى توليت منصب وزير التخطيط بعد ذلك لهذا السبب، المهم أننا استعنا آنذاك بالبنك الدولى وخبراء دوليين فى إجراء مسح شمل 40 ألف أسرة على مستوى الجمهورية، وتوصلنا إلى بيانات دقيقة من خلال هذا المسح.