مستثمر مصرى فرنسى: الصورة الذهنية عن الاستثمار فى مصر سيئة جداً فى الخارج.. و«المستثمر» لا يحتاج إلى «كلام إنشائى»

كتب: سيد جبيل

مستثمر مصرى فرنسى: الصورة الذهنية عن الاستثمار فى مصر سيئة جداً فى الخارج.. و«المستثمر» لا يحتاج إلى «كلام إنشائى»

مستثمر مصرى فرنسى: الصورة الذهنية عن الاستثمار فى مصر سيئة جداً فى الخارج.. و«المستثمر» لا يحتاج إلى «كلام إنشائى»

شأنه شأن مئات من العقول والكوادر المصرية الناجحة فى الخارج، أراد المستثمر الفرنسى الجنسية، مصرى الأصل، عبدالعظيم ليلة أن يعطى بلده الذى غادره منذ نحو 35 عاماً، نصيباً من مشروعاته، لكنه فوجئ، على مدار أكثر من عشر سنوات حاول خلالها النفاذ للسوق المصرية، بتلال من الصعاب والمشكلات التى لم يألفها فى أى بلد آخر.. تشريعات وقوانين معقدة، وتضارب اختصاصات وزارات وهيئات، ومتاهات وثغرات فى إجراءات التقاضى، وتواضع قدرات الأيدى العاملة، وصعوبة فى الحصول على الأراضى، مع «هوّس» فى الاستثمار فى الأراضى الفضاء والعقارات.

{long_qoute_1}

الرجل، الذى يدير شركة استشارات فى الاستثمار الصناعى فى باريس، جمع كل هذه المشكلات والملاحظات والمشاهدات، مشفوعة بمقترحات وحاول طرحها على كل مسئول مصرى يزور فرنسا منذ حكومة الدكتور عاطف عبيد لكن دون جدوى تذكر.

مع «ليلة» جلست «الوطن» تستمع لمشكلات الاستثمار فى «بلاد العجائب» مصر مقارنة بما يحدث فى أوروبا، مجمل آرائه، اتفقت أو اختلفت معها، تكشف بوضوح سبب العجز فى جذب المستثمرين من الخارج أو الداخل، وتجيب عن تلك الألغاز: لماذا فشلنا فى الاستفادة من أبنائنا فى الخارج؟ ولماذا نعانى من أزمة دولار؟ ولماذا تذهب جهود الحكومة أدراج الرياح منذ الانفتاح الاقتصادى فى السبعينات وإلى الآن فى إحداث طفرة فى معدلات الاستثمار التى تتراوح منذ سنوات طويلة بين 6 و7 مليارات دولار سنوياً فقط لا غير؟ وإلى نص الحوار.

 

■ بداية ما الصورة الذهنية عن مصر لدى المستثمرين فى الخارج؟

- للأسف سيئة جداً، المسئولون فى مصر يعتقدون أن بإمكانهم إقناع المستثمر الأجنبى بكلام إنشائى، ولا يعلمون أن السفارات الأجنبية والغرف التجارية ومجالس الأعمال تعد تقارير دقيقة لمستثمريها، وهذه التقارير هى التى يبنى عليها المستثمر قراره، وليس الكلام المعسول الذى يسمعه من المسئولين فى مصر.

{long_qoute_2}

■ ما أكثر ما يزعج المستثمر الأجنبى عند التعامل مع السوق المصرية؟

- مصادر الإزعاج والدهشة كثيرة، تسجيل الأراضى فى مصر على سبيل المثال مصيبة، لأنه لا توجد هيئة واحدة تضمن أحقيتك فى الأراضى التى تشتريها بعيداً عن مشاكل الوراثة وإعلان الوفاة وغيرها من المتاهات القانونية التى يجد المستثمر نفسه فيها، الوضع فى فرنسا بسيط جداً، لأن هناك هيئة تقوم بكل هذه الإجراءات، وتمنحك صكاً يحميك من المنازعات على الأرض، ثم إن زيارة واحدة لمصلحة الشهر العقارى كفيلة بأن يتخذ أى مستثمر قراراً بالخروج من مصر، فما الذى يمنع الدولة من بناء مبنى حديث؟ ثم إن التعامل مع موظف الشهر العقارى فى منتهى الصعوبة، وللإنصاف هيئة الاستثمار مثال رائع فى التعامل مع المستثمرين وفى منتهى الجمال، وهى مثل أوروبا وأفضل، وبالمناسبة هناك اهتمام كبير فى وسائل الإعلام المصرية بمسألة الشباك الواحد، وأنا أؤكد لك أن المستثمر لا يزعجه أن يتعامل مع 100 شباك بشرط أن ينجز مصالحه، ويبدأ العمل بعد ذلك وهو ما لا يحدث فى مصر، وهناك مشكلة فى قانون العمل لأنه غير واضح، والقضاء التجارى مشكلة أكبر وكل مبدأ قانونى له 20 «تخريجة» قانونية لعدم التنفيذ، وتزداد المشكلة عند التعامل مع أصحاب الذمم «الخربة» فى السوق وأعدادهم كبيرة. {left_qoute_1}

■ وهل كل رجال الأعمال والمسئولين فى أوروبا من الأتقياء؟

- فى أوروبا ليس مهماً أن يكون من تتعامل معه تقياً أو شقياً، لأن هناك قانوناً واضحاً وعادلاً وشفافاً يطبق على الجميع، أما فى مصر فالقانون كله ثغرات ومتاهات لا نهاية لها.

■ وهل هناك عوائق أخرى أمام تدفق الاستثمار الأجنبى؟

- (ضاحكاً) ألم يكف كل ما قلته؟ ومع ذلك أزيدك من الشعر أبياتاً، هناك أكثر من عائق خطير، منها عدم توافر عمالة مؤهلة، وفى نفس الوقت هذه العمالة غير المؤهلة مكلفة على عكس الاعتقاد السائد بأنها رخيصة، وعلى سبيل المثال يستطيع عامل واحد فى مصنع بلاستيك فى أوروبا تشغيل 10 «ماكينات حقن» فى مقابل 30 إلى 40 عاملاً يقومون بنفس المهمة فى مصر، هذا يعنى أن عاملاً واحداً فى أوروبا يعادل «عنبر» من العمالة المصرية، والعدد الكبير يترتب عليه تبعات ومشاكل تستهلك الوقت والمجهود، ويترتب عليها صعوبة الإدارة، وتؤثر سلباً على الإنتاج، وبالتالى إنتاجية العامل فى فرنسا أو ألمانيا أرخص من العامل المصرى مع فرق الجودة، وأقترح أن تقوم الدولة بإقامة مراكز حقيقية للتدريب والتأهيل الصناعى، النقل أيضاً مشكلة، وتكلفته قريبة من أوروبا وأحياناً أعلى، فمثلاً نقل ماكينة برياً من مارسيليا لباريس يتكلف حوالى 200 يورو، ونقل حاوية من برج العرب للقاهرة يتجاوز 2000 جنيه، والسبب فى ذلك أن هناك منظومة نقل تعتمد على أن تقوم الشركات ببساطة بنقل أكثر من طلبية فى نفس الاتجاه ما يخفض التكاليف. وهناك مشكلة أخرى كبيرة هى عدم وجود كوادر تفهم الصناعة والميكنة فى إدارات ائتمان البنوك، فكثير من موظفى البنوك غير مؤهلين لفهم المشروعات الصناعية، وهو ما يدفع لإقراض المشروعات القائمة وليس الجديدة، بغض النظر عن دراسة الجدوى، إيثاراً للسلامة وتجنباً للمسئولية، وينطبق ذلك على المشروعات الأخرى، وهناك شبه استحالة حصول المشروعات الجديدة على قروض، وهذا إهدار لفرص الاستثمار الحقيقى، وحتى القوانين التى صدرت مؤخراً لتشجيع تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، يتم الالتفاف عليها ولا تحصل على تمويل بسبب عجز المصرفيين عن تقييم دراسات الجدوى، وربما يكون مناسباً أن نؤسس بنكاً متخصصاً لإقراض المشروعات الصغيرة الموظفة لأقل من 10 عمال، وإذا حدث ذلك فسوف تحدث طفرة كبيرة فى الاقتصاد المصرى، لأن الشركات الصغيرة لها مزايا كثيرة، فهى تمثل العمود الفقرى للاقتصاديات المتقدمة، وهى سر حيوية الاقتصاد الألمانى، لأنها تخلق التنوع فى الإنتاج والأفكار، كما أنها أقل قدرة على التهرب من الضرائب وأكثر توظيفاً للعمالة، فهذه الشركات مضافاً إليها الشركات المتوسطة تضم حوالى 60% من إجمالى العمالة فى الدول الغربية.

■ معنى كلامك أن مشاكل الصناعة تتمثل فى البنية التحتية والأيدى العاملة والتشريعات، لكن ماذا عن توجه الدولة وخططها؟

- هذه مشكلة أخرى وخطيرة، لأن الدولة لا تملك استراتيجية صناعية متكاملة، وأى تطور يتم بجهود فردية، وأسأل أى مسئول ما هو النشاط الصناعى المميز فى مصر، أقصد تخصص فيه مزايا نسبية مثل الإلكترونيات فى الهند والصناعات الثقيلة فى ألمانيا؟ لا يوجد، سألت مرة أحد المسئولين ما المانع من تطوير نشاط الخراطة؟ فمصر طول عمرها متميزة فى الخراطة، لكن لم تتم أبداً الاستفادة من هذه المهارة، بحيث تتحول من ورش صغيرة لمصانع كبيرة مغذية لعدد من الصناعات الكبيرة مثل السيارات. وما الذى يمنع مصر من التركيز على صناعة الإلكترونيات على سبيل المثال؟ ما المانع أن نستعين بـ5 خبراء هنود أو كوريين لتوطين هذه الصناعة المهمة فى مصر؟ المعرفة غير معقدة والتكاليف غير عالية، وطبعاً كثيراً ما تسمع «المسألة مش بالسهولة دى»، لا الحقيقة أن المسألة بالسهولة دى»، لاحظ أن مكاتب التمثيل التجارية لا تخدم نهائياً الصناعة المصرية، والمفروض أن إحدى مهام هذه المكاتب المنتشرة فى كل دول العالم أن تتواصل مع الدولة الموجودة فيها وتقدم أفكاراً وخبرات لصناع القرار فى الداخل وهذا ما لا يحدث، سوف أعطيك مثالاً بسيطاً، هناك مئات الفنانين الصغار الذين يرسمون لوحات جيدة، ما المانع لو تم تسويق هذه اللوحات فى أوروبا؟ هذه لوحات لها سوق كبيرة ومربحة وكل ما فى الأمر أن تتواصل هذه المكاتب أو شركات خاصة مع العاملين فى هذه السوق التى ينشط فيه الإيرانيون بشكل خاص فى الغرب. {left_qoute_2}

■ كثير من المستثمرين يشكون من عدم توافر الأراضى الصناعية هل تتفق معهم؟

- طبعاً اتفق معهم، لأن الطريقة التى يحصل بها المستثمرون على الأراضى الصناعية عقيمة، وهذه الأراضى يتم توزيعها بنظام القرعة غير العادل، الذى ينشط فيه سماسرة قادرون على جمع أكبر قدر من أصحاب البطاقات الشخصية، وهدفهم الرئيسى الحصول على الأراضى بغرض التسقيع وليس الاستثمار، ما المانع ألا يتم التداول عليها ولا يتم نقل ملكيتها، مع تحديد فترة زمنية لبدء النشاط الحقيقى للقضاء على ظاهرة المصانع الوهمية، نظام القرعة يعنى إما أن الدولة بكل أجهزتها عاجزة عن تقييم دراسات الجدوى أو أن لديها أراضى لا تحتاجها وتقدمها لمن يصيبه الدور من المتقدمين بغض النظر عن جديته.

■ وما المصانع الوهمية التى تشير إليها؟

- أنت تسمع كثيراً عن وجود مصانع متوقفة فى كثير من المدن الصناعية مثل برج العرب، لكنها فى حقيقة الأمر ليست إلا مصانع هيكلية وأحياناً لم تمارس أى نشاط، ويتم نقل ملكيتها للغير، وهكذا كل طرف يستفيد فقط من فارق السعر من ارتفاع الأراضى، ما يعنى أن هذه المصانع الوهمية ليست إلا غطاء لتسقيع الأراضى، وهناك مصانع فارغة يتم توريثها منذ عشرات السنوات أملاً فى تحقيق مكسب من ارتفاع سعر الأرض، وهناك حوالى 40% من مصانع منطقة برج العرب، على سبيل المثال، وهمية، وهذا واضح من البيانات المالية أن هذه المصانع لا تمارس أى نشاط.

■ وهل هذا غير مألوف فى أوروبا؟

- لا طبعاً، لأن هناك ضوابط تحول دون ذلك، فضلاً عن وجود ضريبة عقارية تسدد على الأماكن الفارغة، وبالتالى لا توجد جدوى من الاحتفاظ بأراضى صناعة دون ممارسة النشاط المرخص به عليها، لكن فى مصر المسألة مختلفة تماماً، إذ إن التجارة فى الأراضى هى النشاط الاستثمارى الأبرز، والمصدر الأهم فى صناعة ثروات رجال الأعمال المصريين.

■ وكيف ترى الحل؟

- تحديد فترة زمنية ملزمة لبدء النشاط وفرض ضريبة عقارية على المصانع الفارغة، لكن يجب أن يصاحب ذلك إعادة نظر فى أثمان الأراضى الصناعية المطروحة، لأنها فاحشة الغلاء، هل تعلم أن أسعار الأراضى الصناعية خارج المنطقة الباريسية فى فرنسا (حوالى 50 - 70 كيلومتراً من العاصمة) أرخص من الأراضى الصناعية فى مصر، مع وجود فارق كبير لصالح الأراضى الفرنسية فى مستوى البنية التحتية وتوفر الكهرباء والمواصلات، تخيل سعر متر الأراضى فى برج العرب حوالى 600 جنيه وإذا أضفت إليه سعر الكهرباء والمياه ستجده أعلى مرتين من الأراضى على بعد 70 كيلومتراً من وسط باريس.

{long_qoute_3}

■ وماذا عن نظام حق الانتفاع؟

- هذه بدعة مصرية لم أسمع عنها فى أوروبا، والأهم أن هذا النظام لا يمنح المستثمر مزايا، فأسعاره قريبة من أسعار نظام التمليك ويحرمك من حق نقل الملكية بعد انتهاء المدة، ثم ما المشكلة أن يتملك أى مستثمر الأراضى؟ هذا المستثمر «لن يحمل الأراضى ويخرج بها بره البلد»، والحقيقة أن جزءاً من مشكلة الاقتصاد المصرى الأفكار المحلية التى يخرج بها المسئول المصرى كحلول لمشكلات العالم المتقدم سبقنا إليها بحلول مُجربة وفاعلة، ولذلك أرى أن الرئيس السيسى يحتاج مترجمين وليس مستشارين، وتجارب من سبقونا معروفة فى أى مشكلة، وليس علينا سوى نقل هذه الحلول وتطبيقها كما هى أو حتى بعد تطويعها لظروفنا.

■ إذا كانت الحلول سهلة ومعروفة، فلماذا يعزف عنها المسئولون فى تقديرك؟

- أرى أن كثيراً من المسئولين فى مصر لا يعزفون عن الحلول ولكنهم لا يعرفونها أصلاً، ويدورون فى دوائر ضيقة من خبراتهم المحلية الضيقة، أو من خلفياتهم الأكاديمية التى لا تؤهلهم بالضرورة لإدارة الوزارات والهيئات بشكل كفؤ، خصوصاً مع انخفاض مستوى التعليم وتواضع مخرجاته، التعليم فى مصر مأساة ولا ينتج عقولاً متفتحة قادرة على مواجهة الواقع وسوق العمل، ومن المؤسف أن أوروبا ترحب بخريجى كلية الهندسة مثلاً فى تونس لكنها لا تثق فى خريجى الكليات المصرية، وأقصى ما يمكن أن يحصلوا عليه هو العمل كفنيين وليس كمهندسين.

■ واضح جداً أن هناك «هوّس» فى مصر بتملك الأراضى، لماذا لا يوجد مثل هذا الهوّس فى أوروبا رغم أهمية الأراضى أيضاً كعنصر حاكم فى عملية الاستثمار؟

- هذا الهوّس غير موجود فى أوروبا أو غيرها من البلدان المتقدمة اقتصادياً، لأن العناصر الأساسية التى تشغل المستثمر فى هذه الأسواق هى المنافسة والميكنة، أما الأراضى فهى متوافرة سواء بالإيجار أو تمليك، أما هوّس تملك الأراضى فى مصر فناتج عن عدم وجود وعى استثمارى حقيقى ولا أوعية استثمارية متنوعة، فبات النشاط الاستثمارى الرئيسى هو التجارة فى أراضى الدولة، وهناك عدد من رجال الأعمال المصريين الكبار رأسمالهم الأساسى هو الأراضى، وحتى المصريين المهاجرين يركزون استثماراتهم فى شراء الأراضى والعقارات وليس المشروعات الإنتاجية، لاحظ أن الزيادة فى تحويلات المصريين بعد الثورة زادت لأسباب بعضها غير صحى، منها إقبال المصريين فى الخارج على شراء الأراضى والعقارات فقط باعتبارها مخزناً للقيمة، وبالمناسبة بعض مصانع رجال الأعمال ليس لها جدوى اقتصادية، ولكنهم يحتفظون بها فقط كغطاء للحصول على مزيد من الأراضى، أى إن رأسمالهم الحقيقى هو الأراضى، ولا يوجد استثمار حقيقى، والمصرى فى الخارج لا يفكر فى تأسيس مشروعات إنتاجية، ومن هامش ربحها يشترى بيتاً أو شقة ولكنه كما قلت يفضل استثمار أمواله فى أراض أو عقارات.

■ وكيف يمكن أن نغير هذا النمط السائد فى التفكير؟

- مصر ليس لها أمل فى التقدم إلا إذا كانت تمتلك استراتيجية صناعية تتضمن تقنين أسعار الأراضى الصناعية بما يتناسب مع الأسعار العالمية، وإلغاء نظام القرعة فى المناطق الصناعية، لأنه نظام غير جاذب للمستثمر الأجنبى الجاد، وهناك تفاصيل أخرى مهمة جداً تغفلها الحكومة رغم أهميتها القصوى للمستثمر الأجنبى، منها الاهتمام بالنظافة والأمن، الاستثمار ليس مجرد عمليات حسابية بل أسلوب حياة، كيف يمكن أن تتوقع أن يأتيك مستثمر أجنبى وكل تفاصيل الحياة اليومية عندك مخيفة ومجهدة، طرق خطرة مرورياً مقارنة طبعاً بأوروبا، والمدن الصناعية مخيفة ليلاً لأن ورديات الأمن محدودة، وتتكدس فيها أكوام القمامة رغم رسوم النظافة والبيئة المفروضة على المصانع، ولا توجد مواصلات داخلية إلا التوك توك، هل هذا معقول؟ ثم إن أسعار الحياة اليومية مرتفعة، فأسعار الأكل والشرب وغيرهما فى المحال الجيدة تقترب من أسعار المدن الأوروبية وهذا شىء غريب، ويفقد البلد إحدى مزاياها كوجهة استثمارية.

■ وما المخرج فى تقديرك؟

- أمل مصر الوحيد الآن هو فى الاستعانة بأبنائها فى الخارج، فهم يملكون المال والمعرفة والعواطف التى تجعلهم مستعدين للعمل فى ظروف البلد الصعبة، أما المستثمرون الآخرون فلن يأتوا إليك ما دامت الأوضاع على هذا النحو إلا طمعاً فى بعض المزايا والحوافز التى تقدمها الدولة من وقت لآخر، لكن للأسف تجارب كثير من هؤلاء صعبة، ولذلك حين تتحدث عن التجارب الناجحة التى حضرت إلى مصر أو حاولت نقل تجاربها يقتصر الحديث على الراحل الدكتور أحمد زويل والدكتور مجدى يعقوب والمهندس هانى عازر، مع أن هناك مئات الآلاف من المصريين القادرين والراغبين فى الحضور لمصر لكن يحول دون ذلك عدم جدية الدولة فى الاستعانة بهم، لاحظ أن هناك ملايين من المصريين فى الخارج لكن من تحتاج مصر إليهم لا يأتون بسبب كل المعوقات التى أشرت إليها.

■ وهل الصورة كلها سوداء؟

- لا أبداً، نستطيع أن نحقق تقدماً كبيراً لو احتكمنا للعلم فعلاً واحترمنا قيمة التعليم كأساس لأى تقدم، وأدركنا حقيقة أنه لكى تغير وضعك «لازم تغير دماغك»، اقتصاد مصر رغم ضعفه متنوع، ولديك قوة ناعمة هائلة خصوصاً فى أفريقيا، التى ما زالت مصر تعنى لها الأزهر الشريف وجامعة القاهرة وجمال عبدالناصر، وكثير من كبار السن هناك يعتبرون القاهرة كاليفورينا أفريقيا، وبالمناسبة هذه الصورة أحد أسباب عداء تركيا لمصر، فهى تدرك أن صحوة مصر تمثل تهديداً حقيقياً لطموحها فى التمدد بهذه الدول.

ومشاكل مصر يجب أن تُحل فى إطار نظرة شاملة، مثلاً يصعب جداً أن يتحقق نظام ضريبى عادل وشفاف طالما أن معظم المعاملات المالية تتم نقداً وليس إلكترونياً لأن المعاملات النقدية يصعب تتبعها وإثبات الدخل والربح ويسهل التهرب وتفقد الخزانة العامة أهم مصادر تمويلها وتختل العدالة لأن هناك من يدفع وهناك من لا يدفع. ولا يمكن أن ينتظم سير العمل فى أى دولة تعانى من فوضى مرورية. فى فرنسا إذا تأخر عامل بدون عذر مرتين يفصل عن العمل لأن صاحب العمل يرسل له أول مرة إنذاراً فى خطاب مسجل والمرة الثانية يقوم بفصله. والسبب فى ذلك أنه لا يوجد سبب خلاف المرض وحدث اجتماعى كبير ولا يوجد مجال للتحجج بالمرور لأن المواصلات العامة مثل المترو والقطار منتظمة مثل الساعة، وإذا تأخر قطار أو أوتوبيس عن موعده فإن شركة أو هيئة النقل تعطى العامل ما يفيد بأنها السبب؟


مواضيع متعلقة