التحرش في السعودية.. من "أبناء العائلة" إلى "مواقع التواصل الاجتماعي"

التحرش في السعودية.. من "أبناء العائلة" إلى "مواقع التواصل الاجتماعي"
"التحرش الجنسي"، لم يعدّ مقتصرًا على كونه مصطلحًا غريبًا، بعد أن انتشرت تلك الظاهرة بشكل مروع في جميع أنحاء لعالم، فلم يسلم منها المجتمع السعودي، الذي يعتبر أحد أكثر المجتمعات التزامًا بالقيم الدينية ومحافظة على الأخلاق المتوارثة، والتزام المرأة فيه بالحجاب وارتداء العباءة واللباس الساتر، سواء كان تحرشًا لفظيًا أو جسديًا أو إلكترونيًا.
لذلك، حاولت صحيفة "عكاظ" السعودية طرح العديد من الأسئلة حول تلك الظاهرة، من بينهم "هل المرأة هي السبب في التحرش بها كما يحاول أن يرسخه بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي؟، أم أن ذلك عائد إلى تزايد معدلات البطالة، ما أدى إلى تأخر سن الزواج الأمر، الذي يدفع الشباب إلى هذه الممارسات التي يفرغ بها كبته؟، أم ساهمت في ذلك كثرة خلو الرجل مع المرأة أثناء تنقلها سواء مع سائقها أو مع ما يسمى النقل الذكي في ظل عدم منحها فرصة القيادة؟".
وقالت الصحيفة في تقريرها، اليوم، إنه في ظل وجود رجال يتعاملون مع المرأة على أنها شيء مخلوق لأجلهم، ومحاولة بعضهم منع المرأة من العمل في الأماكن العامة، حتى وصل الأمر بأحد الدعاة في مايو 2013 إلى إطلاق هاشتاج بعنوان "#تحرشوا_بالكاشيرات"، تظل المطالبة بإيجاد قانون خاص بمكافحة التحرش حقًا مشروعًا للمرأة، ولكل من يحرص على حمايتها من الذئاب البشرية.
ورصدت الصحيفة، معاناة الفتيات الجامعيات من التحرش، فقالت الطالبة سمر أمين: "تعرضت لمحاولة تحرش من قبل السائق الذي يوصلني إلى جامعتي، ففي يوم ما لاحظت أن السائق يحاول التحدث معي دون رسمية، كما أنه بدأ الانحراف بالسيارة عن الطريق المعتاد للجامعة فهددته بأنني سألقي بنفسي من السيارة، ما دفعه للخوف والرجوع للطريق، وفي ذلك اليوم طلبت من والدي القدوم لأخذي من الجامعة، وبينت له عدم رغبتي بالركوب مع سائق مرة أخرى، دون إخباره بتفاصيل الموقف، الذي يمكن أن يتسبب بمشكلات كبيرة".
أما الطالبة لبنى عمر، التي تأتي يوميًا من مكة إلى جدة، فأشارت إلى أنها تعرضت إلى "تحرش لفظي" من قبل سائقها الخاص أثناء ذهابها إلى الجامعة، وعندما أخبرت والدتها وأهلها قاموا بطرده.
وقالت مستطردة: "دائمًا ما يحصل معي ومع زميلاتي تحرش بالألفاظ، ويحاول السائق النظر إلينا عن طريق مرآة السيارة، والتحدث معنا في أمور ليس له شأن فيها، ما يدفعنا لنهره، وتهديده بإبلاغ الشرطة عنه".
وحول الرأي القانوني في هذه القضية أشارت المحامية بيان زهران إلى ازدياد نسبة التحرش قائلة: "كثيرًا ما نتلقى طلبات استشارة في قضايا التحرش، وتعد آلية التبلغ عملية سهلة، إذ يجب الإبلاغ عن حالة التحرش في مركز شرطة التابع لنفس المنطقة، التي تمت فيها الواقعة، كما يجب أن تملك معلومات كافية لإثبات هوية المتحرش مثل اسمه أو رقم سيارته أو غيرها".
وأضافت زهران: "بعد تقديم البلاغ سوف يتم استدعاؤه وإحالته لهيئة التحقيق والإدعاء العام والتحقيق معه لإثبات واقعة التحرش، ليتم إحالته إلى القضاء لإصدار حكم قضائي، يتضمن العقوبة التعزيرية حسب نوع التحرش".
ومع زيادة عدد النساء العاملات في الأسواق يومًا بعد يوم، الأمر الذي يجعل من الضروري تهيئة بيئة العمل لحماية المرأة العاملة من المضايقات، وقالت "ريوف" التي تعمل "كاشيرة": "وجدت أن الناس لم تكن تتقبل أن امرأة تعمل في كشك، لذلك كنت أجد مضايقات من الشباب في بداية عملي، فكان الشاب يدعو شابًا آخر ويبدآن بلفت نظر الناس إلى بسبب التصرفات والإشارات الصادرة منهما، فكنت في هذه الحالة أدعو حارس الأمن ليقف بالقرب من الكشك، إضافة إلى التواصل مع الإدارة التي تجعلهما يكتبان تعهدًا بعدم التعرض لي مرة أخرى".
وذكرت "صالحة" في حديثها، أن بعض الشباب في رمضان كان يدعي الشراء، وبالفعل يدفعون الثمن ليعودوا مرة أخرى، وفي خضم ذلك تكون هناك نظرات وألفاظ منهم غير لائقة، وتضيف: "عندما نخبر المشرف كان يتجاهل الأمر باعتبار أنه زبون ويمكن الاستفادة منه، وفي حال اتصلنا على حراس الأمن فسيحتاجون وقتًا طويلًا حتى يصلوا، إضافة إلى المضايقات الحاصلة من حارس الأمن نفسه، فقد أخذ حارس أمن رقم أختي من امرأة تعمل في الحراسة، واكتفى مسؤول الأمن في المجمع بإعطائه إنذارًا حتى لا يقطع رزقه".
يمثل التحرش الجنسي همًا اجتماعيًا، يسعى أفراد المجتمع للتخلص منه، إذ كشفت إحصاءات حديثة عن تزايد حالات التحرش في مناطق المملكة كافة خلال الفترة الماضية، الأمر الذي دعا إلى قيام الجهات المختصة بدراسة نظام للتحرش.
وأوضح المستشار القانوني طلال بن عبدالله الهندي، أن لجنة الشؤون الاجتماعية بمجلس الشورى، أعدت تصورًا مبدئيًا لمشروع نظام مكافحة التحرش المقترح، الذي يعاقب المتحرش بما لا يزيد على خمس سنوات سجنًا والغرامة بمبلغ 500 ألف ريال، أو بإحدى العقوبتين، مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد مقررة شرعًا أو نظامًا، مبرزًا أن النظام المقترح والمتوقع أن يعرض على "الشورى" للتصويت على مدى ملاءمته للدراسة من عدمها، لا يعفي المتحرش من المسؤولية حتى وإن قابله تنازل أو موافقة لاحقة من المتحرش به.
كما يطالب النظام كل من أطلع على واقعة تحرش بالإبلاغ عنها فورًا، مع ضمان عدم الإفصاح عن هويته إلا بموافقته، أو في حال تطلب الأمر التحقيق في الواقعة قضائيًا.
وكشف الهندي، أن المطالبات والدعوات تتزايد لإصدار قانون جديد لمكافحة التحرش في ظل تكرار عمليات المضايقة، كما تخلص الكثير من الدراسات إلى أن النساء في السعودية يلجأن إلى الصمت ولا يتجرأن على الإفصاح عن تعرضهن للتحرش، بسبب خوفهن من الفضيحة، ومن سياط المجتمع المحافظ والمتشدد.
وأكد عضو مجلس الشورى الدكتور علي الغامدي، أن نظام الحماية "متعطل"، وأن هناك محاولات استعدادًا لإخراجه إلى النور، راجيًا أن يتم البت فيه بأسرع وقت ممكن وخلال الأشهر القادمة.
وقال الغامدي لـ"عكاظ": "إن لدى معظم الدول أنظمة وقوانين جزائية وعقابية، ونحن في المملكة العربية السعودية في مرحلة ينبغي علينا أن نعترف بالمشكلة أولًا، ثم نطور القوانين والأنظمة، التي تحمي المجتمع وتحمي الأفراد، وخصوصًا الأفراد الأضعف في المجتمع تحديدًا في هذا المجال".
وأضاف أن موضوع التحرش متعدد الجوانب، ومن المشكلات الموجودة في كل المجتمعات وفي كل الدول، وهناك تحرش متعلق بالأطفال والقاصرين، وفي أماكن العمل وفي الأسواق، ومختلف أماكن التفاعل الاجتماعي.
ويري المستشار القانوني والمحامي الدكتور عمر عبدالله الجهني، أن التحرش بالنساء ينقسم إلى ثلاثة أقسام: "التحرش بالنساء من خارج العائلة، وهو التعرض للمرأة في الأماكن العامة والتجمعات السكنية وأماكن الاختلاط أو العمل التي تجمع الجنسين، والتحرش بالنساء من داخل العائلة، وهذا عادة عليه تكتم وسرية خشية من الفضيحة أو تشويه سمعة العائلة".
أما القسم الثالث، فهو التحرش الذي قد تجاهله الكثيرون، وهو التحرش الذي يدخل ضمن الجرائم المعلوماتية والشبكة العنكبوتية، إذ إنه تحول إلى وباء وتعددت أشكاله التي تنتهي باكتمال جريمة التحرش والإيقاع بالفريسة، سواء من النساء أو من المراهقين.
ورغم أن 30% يتجاهلون التحرش عن طريق شبكة الإنترنت، إلا أن هناك 20% يتوجهون إلى الشرطة لتقديم دعوات تحرش إلكتروني، سواء بالألفاظ المسيئة أو بإرسال مواد مخلة بالآداب العامة أو صور فاضحة، مع ملاحظة أن 70% من المتحرش بهن من النساء اللاتي ينتهي بهن الوضع إلى الوقوع في شرك التهديد، ويصبحن فريسة للابتزاز.