مريم مطلق.. تتحدى التقاليد الأردنية وتعمل بـ"السمكرة"

كتب: دينا عبدالخالق

مريم مطلق.. تتحدى التقاليد الأردنية وتعمل بـ"السمكرة"

مريم مطلق.. تتحدى التقاليد الأردنية وتعمل بـ"السمكرة"

بعد 18 شهرًا من التدريب الشاق، بين الأدوات الحادة والثقيلة، للسمكرة التي تركت من أجلها مهمة رعاية شئون المنزل فقط، تمكنت الأردنية مريم مطلق، اليوم، من الحصول على ترخيص للعمل في مجال السمكرة، وتقوم مع زميلاتها الـ29 من متوسطي العمر، باستعراض خطة العمل خلال احتفالية شهر مارس.

لم تقتصر أحلام مريم مطلق، 41 عامًا، التي يملئها التفاؤل، على التعلم فقط، وإنما تسعى لتأسيس متجرًا لأعمال السمكرة، باسم "Challenge" في قريتها الفقيرة "الزرقاء"، لبيع المواسير وقطع الغيار الأخرى، وتحجز الزيارات المنزلية، بحسب ما نشرته وكالة "أسوشيتد برس".

وتابعت الوكالة، أن ذلك الأمر كان تحديًا صعبًا داخل مجتمع عربي متحفظ للغاية لا تعمل به النساء خارج المنزل على الإطلاق، وبالفعل اعترض أبناء "مطلق" مهنة والدتهم الجدديدة، إلا أن يبدو أنه يملئها الحماس لكسر تلك القوالب، بقولها: "سوف نحطم العقبات التي تواجهنا، والتي ترى أن النساء لا يستطعن القيام بأي عمل، هناك أيضًا عقبة المخاوف، التي بداخلنا والتي لابد من التخلص منها".

ولفتت إلى أن المدينة استوعبت موجات اللاجئين على مدار عقود، حيث ضمت الفلسطينيين ثم العراقيين ثم نحو 150 ألف لاجئ سوري، وهو ما أدى إلى ارتفاع معدل البطالة، الذي يبلغ حاليًا أكثر من 24% أو ضعف المتوسط الرسمي للدولة، وأدى اليأس الذي يكتنف مدينة الزرقاء إلى أن أصبحت أرضاً خصبة لانتشار آراء المتشددين التي لا تمنح المرأة الحق في الانضمام إلى القوى العاملة.

وقال عماد موماني عمدة الزرقاء: "المجتمع متحفظ للغاية وتتزايد نسبة التحفظ جراء الوضع العام في البلاد وفي الإقليم، فإننا لا نرى المرأة في الوظائف غير التقليدية، مثل أعمال السمكرة وقيادة الشاحنات".

وشاركت مطلق عام 2014 في مشروع السمكرة الذي مولته إحدى هيئات المعونة الأميركية من أجل تحسين إمدادات المياه في الزرقاء عن طريق منع تسربها، حيث يضع المشروع في الاعتبار التوجه التقليدي، فمن الأيسر أن تقوم المرأة بالزيارات المنزلية لتنفيذ عمليات السمكرة، وبموجب القواعد المتشددة للفصل بين الجنسين، لا يتم السماح للرجال بدخول المنزل حينما تكون ربة البيت بمفردها دون وجود أحد الأقارب من الرجال.

وهو الأمر الذي دفع أبنائها الأربعة إلى الاعتراض على مهنتها، فخشي سامي، 19 عاما، ثرثرة الجيران، بينما غمر لارا، 12 عاما، الإحراج الشديد لدرجة أنها توسلت إلى أمها كي تنزع رداء السمكرة الأخضر خلال اجتماع أولياء الأمور مع المعلمين بالمدرسة، ومع ذلك، ظلت مطلق ترتديه كي توضح لابنتها أنها تشعر بالفخر.

وعلى خلافهم، شجعها زوجها سمير، العامل بمتجر ورود، على العمل بالسمكرة، حيث اعتبر الأمر يستحق التجربة والعناء، فهو  يريد أن تكون لها حياتها الخاصة خارج المنزل، وخاصة بعد أن كبر الأبناء، فضلا عن الاستفادة من الدخل الإضافي.

ومع مرور الوقت، شعرت السيدة الأربعينية، بحبها لاستخدام الأدوات وإصلاح الأشياء، فكانت تحملهم، بعد أوقات العمل، في حافظتها الرمادية خشية أن يحتاج أحد الجيران أو الأقارب أي أعمال سمكرة، وبعد بضعة أشهر، تم توظيفها لدى أحد المقاولين وبدأت في الذهاب في الزيارات المنزلية كمساعد، وعلمت أرباب المنازل كيفية إصلاح التسريب وتنظيف صهاريج المياه بصفة دورية، ورأت أنها نموذج يمكن أن تحتذي بناتها به، قائلة "أنصحهم دائما بأن المرأة لا بد أن تتحدى نفسها دون تجاوز الخطوط الحمراء للمجتمع".

اختلف شعور الأبنائ بشكل واضح، فحضروا حفل التخرج في مارس الماضي، وشعر سامي بالسعادة لأن والدته تستطيع المساهمة في الموارد المالية للأسرة، وانضمت فاطمة، 22 عاما، إلى برنامج التوعية المجتمعية لبضعة أشهر، بينما تتوق "لارا" لرؤية أمها بالمدرسة وهي ترتدي ملابس العمل وقامت باحتضانها بالردهة أثناء فترة الاستراحة، قائلة: "إنها أصبحت تحب حاليا كل ما يتعلق بعمل أمها، وخاصة الأدوات".

ورغم ذلك لازالت الانتقادات الرافضة لعملها تطاردها، فأخبرها شقيقها خلال تجمع العائلة أنه لا ينبغي أن تعمل في مجال السمكرة، فضلًا عن معارضة جيرانها أيضًا، فيما أخبرها الواعظ أكرم البوريني، أن الأدوار في الإسلام واضحة، فالرجال يعولون الأسرة والنساء تبقى بالمنزل لتربية الأطفال، قائلًا: "السمكرة ملائمة للرجال لا النساء، فإذا شغلت النساء الوظائف المخصصة للرجال، سنواجه البطالة والفساد الأخلاقي".

ومع ذلك، يقول خبراء الاقتصاد، إن النساء من أمثال مطلق قد ينقذوا الأردن، التي تعاني من تداعيات النزاعات في العراق وسوريا، إلا أن المرأة التي ترغب بالعمل في الإقليم، تواجه نقصًا في رعاية الأطفال، وانخفاض الرواتب والفجوة في الراتب بين الجنسين، والتي تبلغ 28% في مجال الرعاية الصحية، وما يقرب من 25% في مجال التعليم.

لم تسلم مطلق من الأزمات المتعددة، ففي أواخر شهر مايو، فلم تحصل على شيكات قيمة كل منها 300 دينار "425 دولارًا"، فشعرت بصدمة وحزن شديدين، قائلة: "كان حلمًا كبيرًا، ولكنه تحطم"، كما أنها تفكر في ترك مجال السمكرة وبيع حقيبة العدة، وشعر زوجها بالمرارة أيضاً.

ومع بداية شهر يوليو، حاولت السيدة الأربعيينية استعادة عزيمتها وتقدمت بطلب الحصول على منحة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وتنتظر الرد خلال فصل الخريف، وخلال ذلك تقوم بتأجير بعض أدواتها وإجراء بعض أعمال السمكرة البسيطة، وتصاحب شقيقها في عمله في مجال السمكرة أيضًا.

 


مواضيع متعلقة