بروفايل| عمر سالم.. شجاعة الاستقالة

بروفايل| عمر سالم.. شجاعة الاستقالة
ظل باله وضميره مشغولين بالإجابة بعد أن صك مسامعه سؤال أحد تلامذته «كيف تسكت عن مخالفة النواب الدائمة للدستور والقانون، وبيدك زمام الأمور، على الأقل أنت الوزير المختص بالشئون القانونية والمجالس النيابية»، ولأن الإجابة كانت دائماً تحمل خيارين لا ثالث لهما؛ إما أن يكذب ويتجمل أمام طلابه بكلية الحقوق جامعة القاهرة، فيتحمل وطأة حماية حكومة ونظام فاشلين، وإما أن يفعل ما يرضى ضميره، وهو خياره الذى لم يعدل عنه منذ تم اختياره لتولى هذا المنصب.
هكذا اختار الدكتور عمر سالم وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية الطريق الأصعب الذى انتهى به إلى اتخاذ قرار الرحيل عن هذا المنصب الذى زهده طوال الوقت، لدرجة جعلته يبتعد دائماً عن الجلوس على مكتبه الوزارى داخل حجرته الفخمة بالبرلمان، والتى ورثها عن وزراء النظام السابق، فقدم استقالته.
لم يجد «سالم» سبباً مقنعاً يعتذر به عن منصبه الوزارى إلا «ظروف مرضية»، هكذا وصلت الاستقالة للدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء، وهكذا تخفف الوزير دمث الأخلاق من الحرج، خاصة بعد أن عجز قلبه العليل عن تحمل الاصطدام بالدستور الذى أصبح مقياساً لتفصيل قوانين عديدة داخل مجلس الشورى. كان أبرزها مخالفة تحذيره بأن قانون الانتخابات الذى يعد فى المجلس سوف يكون هدفاً سهلاً للطعن بعدم دستوريته، وهو ما حدث.
أما الاصطدام الثانى، فتمثل فى سطوة وزير العدل المستشار أحمد مكى على المجموعة الوزارية القانونية بهدف صناعة ترسانة من القوانين الهادفة لحماية نظام مرسى وأعوانه، وهو ما لم يقبله «سالم» الذى رفض المشاركة من قريب أو بعيد فى هذا «الطبخ»، فى حين واصل وزير العدل، فراح يرسل بمشروعات القوانين مباشرة إلى مجلس الشورى، دون عرضها على الوزارة المختصة.
الأخطر من ذلك أن سالم أعلن صراحة رأيه فى بعض مواد الدستور التى تم تفصيلها لصالح فصيل وأشخاص بعينهم، وهو الاصطدام الثالث للوزير مع الحكومة بأكملها، خاصة أنها تعاملت مع جلسات الحوار الوطنى بمبدأ «اللى فات مات»، ونسيت وعودها بتقديم ورقة بالتعديلات الدستورية المطلوبة لمناقشتها فى مجلس النواب القادم، إلا أن سالم قدم ورقته حول التعديلات المطلوبة، بل إنه أول من أظهر عوار المادة الخاصة بالعزل السياسى، والمحكمة الدستورية العليا.
المقربون للوزير يعلمون أنه كان دائم الضيق والانفعال من الأخطاء التى ترتكبها الحكومة يومياً فى حق المواطن البسيط، الأمر الذى جعل قلبه يضعف بنفس حالة الضعف التى يعيشها الوطن، وفى الساعات الأخيرة قبل رحيله من الوزارة، وجد سؤالاً آخر يصك مسامعه «هل الانسحاب من السفينة، هروب من المسئولية، أم كارت إنذار لحكومة استهانت بحقوق الثورة فلم توفر لقمة العيش، وسحلت الحرية، وابتعدت عن العدالة الاجتماعية؟». فى جميع الأحوال انتهت الأسئلة يا سيادة الوزير.