حديقة «الميرلاند» التى تحولت لأطلال تحتضن العشاق
![حديقة «الميرلاند» التى تحولت لأطلال تحتضن العشاق](https://watanimg.elwatannews.com/old_news_images/large/90219_660_2578415_opt.jpeg)
كمدينة هجرها أهلها تاركين الأطلال، أو كقرية غضب الله عليها، فأنزل صاعقة من السماء، فلم يذر فيها إلا الأشباح. المكان مصر الجديدة، من أمام مترو عبدالعزيز فهمى، إن كنت قادماً من العباسية، فسوف تكون على يسارك عقب ميدان روكسى، وإن كنت قادماً من شارع الحجاز أو ميدان سفير، فإنها ستكون على اليمين قبل الوصول لميدان روكسى. الحديث عن حديقة الميرلاند، التى كانت قديماً جنة خضراء، ذات أشجار باسقة، أوراقها وارفة، ورد يانع ألوانه يسر الناظرين، كانت تتوسطها بركة ماء غير آسن، تجعل زائر الحديقة يشعر كأنه انفصل عن العالم الخارجى، ودخل إلى عالم جديد سمته الجمال. كل الجمال توارى، واستبدل بدلاً منه قبحاً، حيث ذبل الشجر، وبدا فى وقفته بلا أوراق كخيال مآتة لا يخدع إلا الطيور، وينفر منه البشر. السوق التجارى هدم، وترك مكانه هوة سحيقة، حيث الرمال واللون الأصفر هما العنوان بدلاً من اللون الأخضر. الريبة عنوان كل الأشخاص الموجودين فى المكان، بدءاً من رجال الأمن، مروراً بقاطع التذاكر وأخيراً وليس آخراً برواد المكان الذين بات أغلبهم من طلبة المدارس. اكتسبت الحديقة سمعة سيئة، يقول البعض إن من لا يجد بيتاً يصطحب فيه عشيقته، فإن أبواب الحديقة تفتح طريقها إليهما بسعة صدر. لا يدخل الحديقة عازب، كل يتأبط ذراع رفيقه، ويتوسدان جذع شجرة، يرتكنان إليها، ويؤديان ما يخطر لهما من أفعال فاضحة. لا يعبأ هؤلاء بمار ينظر إليهم، الخجل منزوٍ فى الميرلاند، الكل ترك برقع الحياء على البوابة، وحمل تذكرة بجنيه واحد، يروق له فعل ما يدور بخيالاته المحمومة. يظهر كل حين عامل البوفيه، يقترب من كل زوج، يقف أمامهما متململاً، لا يتحرك إلا حين يقدم له أحد الراقدين أرضاً، نقوداً نظير كوب من الشاى، أو زجاجة من المياه الغازية. إتاوة ليستمرا فى فعلهما الذى لا يعترف أحد بكونه فاضحاً، لذا يتصرفون على طبيعتهم، الكل يتصرف بنمطية موظف يذهب إلى عمله كل صباح، قاطع التذاكر الذى يقطع التذكرة بابتسامة خبيثة، وكذلك رجال الأمن الماكثون فى غرفة داخلية غاضين الطرف عما بداخلها، وأزواج الفتيان والفتيات، الذين حضروا للمكان لمهمة محددة، ما إن تنقضى، حتى يرحلوا وعلى وجوههم تنطق أمارات السعادة. الحديقة شاسعة المساحة، قديماً كانت الأسر تذهب إليها فى المناسبات، حاملين الملاءات والجرائد، فارشين الطعام والشراب على الأرض، تاركين الأبناء يركضون فى لهو، وكان الشباب يحملون الكرة ليلعبوا فى الحديقة بلا زعيق من صاحب بيت يضيق بلعبهم أسفل منزله. من ضيق البيت لرحابة الحديقة، هرب أهالى المطرية وعين شمس والمناطق غير الراقية المحيطة بمصر الجديدة. المكان الوحيد الذى باشتراكية غير ممنهجة احتضن الجميع بلا تمييز. احتضان غير شرعى بمظلة قانونية. حين حاولنا الحديث مع أى من الموجودين بالمكان، سواء عمال أو زوار رفضوا بعنف، سواء كان الحديث ودياً أو رسمياً، لا أحد يتكلم فى حديقة الميرلاند، الألسنة تعقد، ولا تحل إلا بين الرفاق غير الحائرين. المسئولون عن المكان يرفضون التكلم، يقولون إن إدلاء التصريحات سوف يودى بهم للجزاءات، يخشون التصوير، يحذرون أن يصور أحد شيئاً وإلا لن يحمد عقبى فعلته. يقولون إن الحديقة تتبع شركة مصر الجديدة، وإليها يعود كل شىء. يستغرب قاطع التذاكر الأسئلة، يقول: «أرجوكم بلاش صحافة، وسيبونا نشتغل، إنت عايز الآداب تنط لنا كل شوية».
أخبار متعلقة:
«مصر» التى كانت «جديدة»
عمارات الحي الهادئ "علي كل لون"..هندي ومغربي وأوروبي
بيت «جمال عبدالناصر»في منشية البكري.. حلم المتحف الذى لم يكتمل
الكوربة.. واحة على الطراز البلجيكى
مترو مصر الجديدة.. «زقزوقة» لأصحاب المزاج وطلبة المدارس
الثورة فى زيارة خاصة لـ«مصر الجديدة» والفضل لـ«مرسى»
"اللي بني الحي كان في الأصل بارون"
فى رسالة ماجستير عن «الضاحية البعيدة»: سكانها يركبون العجل ويتنزهون فى «جروبى» و«أمفتريون»
من «الشهبانو» إلى «الحسين بن طلال».. ميدان «تريومف» يتحدى الحكومة