الفنان السورى الكبير لـ«الوطن»: الشعوب العربية تربت على الطائفية.. والإيمان أسمى من الدين 

كتب: خالد فرج

الفنان السورى الكبير لـ«الوطن»: الشعوب العربية تربت على الطائفية.. والإيمان أسمى من الدين 

الفنان السورى الكبير لـ«الوطن»: الشعوب العربية تربت على الطائفية.. والإيمان أسمى من الدين 

أعوام كثيرة قضاها الفنان السورى الكبير دريد لحام مبحراً بين عالم الفن والسياسة والأدب، ما جعله صاحب رأى سديد فى كل مناحى الحياة، إلا أن البعض يصف آراءه بالصادمة، كونها تتسم بالصراحة والجرأة فى الوقت نفسه، ومن جديد، عاود «دريد» المجىء إلى مصر منذ زيارته الأخيرة لها قبل عام، للمشاركة فى الدورة المنقضية من مهرجان الإسكندرية السينمائى، الذى شهد عرض الفيلم التسجيلى «المنتمى» للمخرجة ماجى أنور، الذى تناول أجزاء من حياته المهنية والاجتماعية والعائلية.

وفى حواره مع «الوطن»، تحدث دريد عن مشاركته فى المهرجان للعام الثانى على التوالى، وكشف عن آرائه فيما تشهده سوريا حالياً من حرب طاحنة، وأوضح حقيقة امتلاكه لصفحات باسمه عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وكعادته أطلق قذائفه السياسية والفنية فى حوار لا تنقصه الصراحة.

{long_qoute_1}

■ كيف ترى تكريمك من مهرجان الإسكندرية السينمائى للعام الثانى على التوالى؟

- أحرص على الوجود بكل المهرجانات العربية، ولكن يظل لمهرجان الإسكندرية مكانة خاصة فى قلبى، لا سيما أن رئيسه هو الأمير أباظة، الذى تربطنى معه علاقة صداقة، يسودها الاحترام المتبادل والفهم المشترك، وأعتز كثيراً بتكريمى الذى نلته فى الدورة المنقضية، وكذلك فى العام الماضى، وأتمنى أن أكون موجوداً فى الدورة المقبلة. {left_qoute_1}

■ ما رأيك فى شعار الدورة المنقضية «السينما والمقاومة»؟

- أوجه التحية لإدارة المهرجان والعاملين فيه لحسن اختيارهم لهذا الشعار، خاصة أننا بحاجة حالياً لفكر المقاومة أكثر من أى وقت مضى، ولكن من دون حصره فى الأعمال العسكرية فقط، إذ لا بد أن نتمتع بثقافة المقاومة أبد الدهر، بحيث لا تكون مرهونة بلحظة أو فترة معينة أو وضع سياسى خاص، كما يجب أن نتحلى بسلاح المقاومة، للقضاء على الآفات المترسخة فى مجتمعاتنا العربية، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر مقاومة الفساد والعنف الأسرى.. إلخ.

■ وما دور الفن فى مقاومة الفساد من وجهة نظرك؟

- لا بد أن نقدم أعمالاً فنية تتناول فكرة الفساد المجتمعى، وتتصدى للعنف الأسرى والعائلى، وتقدم رسائل النصح والإرشاد فى مسألة تحديد النسل، فالفن بإمكانه تسليط الضوء على الأزمات والآفات لحين التخلص منها نهائياً، ولكنى غير قادر مثلاً على استيعاب فكرة إنجاب رجل فقير لـ10 أطفال، ونراه يقول بعدها إن الله يبعث الطفل برزقه، لأننى لم أسمع عن واقعة واحدة فى التاريخ تروى عن قدوم طفل للحياة وبحوزته أموال.

■ كيف جاءت فكرة الفيلم التسجيلى «المنتمى» الذى استعرض أجزاء من حياتك وعُرض فى الدورة المنقضية من مهرجان الإسكندرية؟

- المخرجة ماجى أنور صاحبة الفكرة، وعندما أبلغتنى بمضمونها تحمست لتقديمها، وسألتنى حينها: «ما الأجزاء التى تريد التركيز عليها فى الفيلم؟» فأجبت: «ركزى على كل ما يرضيك شخصياً وفنياً» فوجدتها ركزت على جوانب من حياتى الفنية والعملية والعائلية.

■ لماذا اخترت «المنتمى» اسماً للفيلم؟

- طرحت «ماجى» أسماء عديدة للفيلم، ولكنى اخترت «المنتمى»، وهى مستمدة من مصطلح «الانتماء»، أى المنتمى إلى أرضه ووطنه.

{long_qoute_2}

■ ألم تخش التعاون فنياً مع ماجى أنور خاصة أن تجاربها الإخراجية محدودة؟

- أحب جيل الشباب، ولا أمانع فى التعاون معهم، للوصول إلى مرحلة تكامل الأجيال وليس صراع الأجيال، لأنى أرفض فكرة محاربة أحد الأجيال لجيل آخر خوفاً من أن يأخذ مكانه، ولكن لا بد أن يسلم كل جيل الراية لما يعقبه من أجيال، كما يحدث بالضبط فى سباق التتابع.

■ الانطباع الذى لمسته عند حديثك عن أولادك بالفيلم كان ينم عن عدم تحقق رغبتك فى عملهم بمجال الفن.

- مقاطعاً:

المسألة ليست كذلك، لأنهم لا يملكون موهبة التمثيل من الأساس، ولذلك اتجهوا جميعاً لمجالات علمية، كما أنه حال امتهانهم لمهنة التمثيل ستكون المقارنات حاضرة بينى وبينهم، وسيتعرضون لظلم بيّن فى رأيى، ولذلك لست حزيناً على الإطلاق لعدم عملهم بنفس مهنتى.

■ ألا ترى أن قصة حياتك المتشعبة الأحداث كان الأفضل لها تقديمها فى مسلسل تليفزيونى وليس فيلماً تسجيلياً؟

- أتفق معك فيما جاء بسؤالك، ولكن هذه الفكرة ليست مطروحة حالياً، وإنما المطروح هو مشروع لتسجيل مذكراتى بالصوت والصورة، من دون أن تأخذ طابع المسلسل الدرامى، بحيث أقص فيها مراحل طفولتى، وحكايتى مع المخابرات.. إلخ، ومع ذلك فأنا أحببت فيلم «المنتمى»، لأنه كما ذكرت سلط الضوء على جانب ما من جوانب حياتى الفنية والعملية والاجتماعية.

■ بعيداً عن الفن.. ألم تفكر فى ترك سوريا كما فعل العديد من الفنانين مع اشتداد أوزار الحرب هناك؟

- لم يراودنى هذا التفكير على الإطلاق، لأن الشجرة التى تتخلى عن جذورها تموت، وأنا لن أتخلى عن جذورى الموجودة فى سوريا.

■ ولكن شبح الموت أصبح يطارد أى سورى مقيم حالياً فى بلده.

- أنا أؤمن بالقدر ومن قبله برب العالمين، وأدرك أنى سأرى ما كتبه الله لى، وبالتالى لم أحاول تغيير هذا القدر إن كان سيحدث عاجلاً أم آجلاً؟ لا أفكر وحدى بهذه الطريقة، وإنما يشاركنى إياها زوجتى وأولادى أيضاً.

■ وما الحلول فى رأيك لإنهاء الأزمة السورية المشتعلة؟

- الحل يكمن فى وقف الدول العربية الغنية إمداد المنظمات الإرهابية والمتطرفة بالأموال، وهنا أقول إن مصر ليست من ضمن هذه الدول، خاصة أنها تتعرض لحوادث إرهابية من حين لآخر، وبعيداً عن هذه الجزئية، هل يعقل أن يُقاتل مواطن من الشيشان فى سوريا باسم الحرية؟ هل تقبلون كمصريين وجود جنسيات مختلفة فى بلادكم مهما تغلغلت الخلافات فى وجهات النظر بينكم؟ مصر شهدت مظاهرات فى التحرير واعتصاماً للإخوان فى رابعة، ولكنكم تمكنتم من حل مشاكلكم دون أى تدخل خارجى، ولكن سوريا حالياً تشهد محاصرة المرتزقة لها من 30 دولة وأكثر، وللقضاء على الأزمة أيضاً، لا بد أن نتحلى بثقافة احترام حرية الرأى والرأى الآخر، ومن هذا المنطلق، أحب الوجود والمشاركة فى المهرجانات العربية، لأنى أرى الفنانين والمثقفين والأدباء من كل أرجاء الوطن العربى، وأسلم عليهم وأعانقهم رغم أن بلدى قد يكون مختلفاً مع بلادهم، ومع ذلك نتعانق لإيماننا باحترام الآراء، ولأجل ذلك أطالب بإلغاء الجامعة العربية، لأنها «بلاء» للعرب من وجهة نظرى. {left_qoute_2}

■ لماذا؟

- الجامعة العربية شجعت أمريكا على احتلال العراق، وهنا أود أن أسأل القائمين عليها: «كان مالكم أنتم ومال صدام حسين رحمه الله؟» العراقيون وحدهم كانوا أصحاب الرأى فى رئيسهم وليس أنتم، علماً بأن المعارضين لحكمه يترحمون حالياً على أيامه مثلما يترحم الليبيون على أيام رئيسهم الراحل معمر القذافى، وبالتالى تكتشف من كل هذه التحركات أن هدفها هو الصراع على الكرسى، وبالانتقال للوضع الحالى فى سوريا، تجد أغلب الآراء متركزة على ضرورة تنحى الرئيس بشار الأسد، وكأن الأزمة تتلخص فى شخصه، وهذا ليس صحيحاً بالمرة، وانطلاقاً مما ذكرته، أطالب بإلغاء الجامعة العربية واستبدالها بجامعة للفنانين العرب، لأننا كفنانين قادرون على إضفاء أجواء من التفاهم والود بين البلدان والشعوب العربية.

■ كيف قرأت خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته أمام مجلس الأمن التى شدد فيها على أن رؤية مصر لحل الأزمة السورية ترتكز على ضرورة الحفاظ على وحدة الدولة السورية والوصول لصيغة مرضية لكل السوريين؟

- لم أشاهد خطاب الرئيس السيسى، ولكنى قرأت مضمونه فى الجريدة، ولمست فيه نية صادقة نحو رغبته فى إيجاد حل للأزمة السورية، ولكنى لا أعرف إلى أى مدى هو قادر على تنفيذ كلامه على أرض الواقع، خاصة أن السياسيين حاولوا كثيراً إيجاد حلول لمسألة تنحية الخلافات بين السوريين، ولكنى متأكد أن مصر باعتبارها الدولة ذات المكانة الأكبر بين الدول العربية قادرة على إحداث دور كبير فى الأزمة السورية، ومن ثم إيجاد حلول فعالة لها.

■ ولكن الإدارة المصرية تتعرض لانتقادات دائمة من السوريين لعدم تدخلها بشكل فعال فى الأزمة السورية.

- الانتقادات ليست موجهة للرئيس السيسى، وإنما كانت لمحمد مرسى، بسبب دوره السلبى آنذاك، وتحديداً عند مشاركته فى فعاليات مؤتمر القوى الإسلامية لنصرة سوريا، الذى أقيم داخل استاد القاهرة وسط حضور جماهيرى كبير، ودخل الملعب حينها فى سيارة حاملاً علم مصر وعلم ما يسمى بـ«الثوار السوريين»، أى إنه ساهم فى التفرقة بين أفراد الشعب السورى، فكان لزاماً عليه حينها أن يحمل العلم السورى وعلم ما يسمى بالثورة السورية معاً، ولذلك لا أجد وصفاً له سوى أنه شخص «أبله».

■ وهل ترى للفن دوراً فى حل جزء من الأزمة السورية؟

- الفن لن يحل المشكلة، ولكنه يجعلنا قادرين على تحملها ليس أكثر.

■ أليست هناك حلول أخرى للأزمة بعيداً عن دهاليز السياسة والفن؟

- لا بد من إعادة تطوير المناهج الدراسية، للقضاء على الطائفية والمذهبية، لأنهما وليدا التربية فى المدارس، وأمريكا وغيرها من الدول الكبرى ممن يرغبون فى تدمير بلادنا يعلمون ذلك جيداً، ويدركون أننا تربينا على الفكر الطائفى، بمعنى أن المسيحيين فى المدارس يخرجون خارج الفصول وقت حصة التربية الدينية للمسلمين والعكس صحيح، وهذه المسألة تُحدث شرخاً فى العلاقة بين المسلم والمسيحى.

■ ألهذا السبب طالبت بإلغاء مادة التربية الدينية من مناهج التعليم حسبما تردد؟

- لم أطالب بإلغاء مادة الدين، ولكن طالبت باستبدالها بمادة لتعليم الإيمان، لأن الإيمان أسمى وأعلى من الدين، باعتبار أن الأخير انتماء طائفى أو مذهبى لم يختره صاحبه، ولكنه اختيار إلهى من رب العالمين، ومن هذا المنطلق دعنى أسألك: «هل قرأت فى الدين الإسلامى والقرآن الكريم ومن بعده اعتنقت الإسلام أم أنك وُلدت مسلماً؟ أنت خُلقت مسلماً أو مسيحياً، وبالتالى اعتناقك لأى من الديانتين هو إرادة إلهية، ومن ثم فإن أى محاولة للتدخل فى هذه الإرادة تعنى الكفر بالله وإرادته، فأنت مسلم كما ذكرت، نزلت من بطن أمك مسلماً، فكيف أتدخل أنا فى هذا الانتماء وأحاربك على أساس نوع دينك، فكلنا مسلمون لرب العالمين، فمنا من أسلم بالقرآن، وآخرون أسلموا بالإنجيل، وهناك من أسلم بالحكمة والعقل، وأذكر هنا واقعة تعرضت لها فى دمشق قبل سنوات.

■ وما هى؟

- سألنى شيخ ذات مرة قائلاً: «هل أنت متدين؟» فأجبت: «لا، أنا مؤمن»، فسألنى: «وما الفارق؟» فرددت: «فارق كبير، التدين طقوس أؤديها كالصلاة والصوم.. إلخ، وقد تكون هذه الطقوس مثلاً مجال سخرية بين الأديان، فتجد المسلمين يسخرون من طقوس المسيحيين والعكس صحيح، أما الإيمان فهو ما يجمع الطائفتين، لأنهما يؤمنان بإله واحد، رغم اختلاف طقوس كل منهما، ولكنها وسيلة لعلاقة خاصة بين الرب وعبده، ما يحق لأحد التدخل فيها، ولا بد أن تكون هذه العلاقة عمودية وليست أفقية، لأن العلاقة العمودية لا تشهد حدوث أى مشكلة، أما الأفقية فتجد من يحاسبك فيها على انتمائك الطائفى، وهنا تكمن الإشكالية.

■ وما سبل حل هذه الإشكالية؟

- حل هذه الإشكالية يبدأ من المنزل، لأنه بمثابة المدرسة الأولى للطفل، ومن ثم يتعين على الأسر أن تُعلم أبناءها الإيمان بالله، وليس أنه مختلف دينياً عن الآخرين، لأنى عندما كنت فى المرحلة الابتدائية، ويحين موعد حصة الدين، كانت المشرفة تقول للطلبة المسيحيين: «اطلعوا بره الفصل» والعكس صحيح، وهنا أتساءل: «لماذا لا نتعلم الجوانب المشتركة بين الأديان؟» لا بد من وجود درس للدين الإسلامى وآخر للمسيحى، ودرس ثالث اسمه «التربية الإيمانية»، وتحضرنى حالياً مقولتان لابن رشد، الذى أعتبره واحداً من أهم الفلاسفة العرب، حيث قال: «الله لا يمكن أن يعطينا عقولاً ويعطينا شرائع مخالفة لها» وانطلاقاً مما قاله «ابن رشد» فى مقولته الأولى أتساءل: «هل يتقبل العقل ما نسمعه حالياً من فتاوى غريبة؟» الإجابة لا، ولكن بما أن الإنسان يملك عقلاً، فلا بد أن يستفتيه كى يصل بواسطته إلى الشريعة والله فى الوقت نفسه، أما مقولته الثانية فكان نصها: «تجارة الدين هى التجارة الأكثر رواجاً فى المجتمعات التى يسودها الجهل» وبالفعل الدين أصبح مهنة حالياً عند بعض رجال الدين وليس إيماناً مع الأسف الشديد، ويتجلى ذلك واضحاً فى الفتاوى الغريبة التى تصدر منهم.

■ هل ترى أن أوضاع مصر حالياً تعد الأفضل من بين البلدان العربية التى تشهد توترات داخل أراضيها؟

- مصر ستكون الأفضل إذا نجح شعبها فى القضاء على الإشكاليات التى تهدد العلاقة بين المسلمين والأقباط، ولا بد أن تعلّموا الناس أنهم مصريون أولاً قبل أن يكونوا مسيحيين أو مسلمين.

■ بما أنك كنت صديقاً مقرباً للعندليب عبدالحليم حافظ.. هل تملك معلومة إزاء ما يتردد حالياً حول زواجه من السندريللا سعاد حسنى؟

- كنت صديقاً لعبدالحليم حافظ، ولكن لم تكن علاقتنا ممتدة إلى النواحى الشخصية، وبالتالى لا أملك معلومة عما جاء فى سؤالك، ولكن «إيه المشكلة لما عبدالحليم يتزوج من سعاد حسنى؟» حقاً لا أجد سبباً وراء كل ما يثار حالياً فى هذه المسألة.


مواضيع متعلقة