من فات ماسبيرو تاه

حازم منير

حازم منير

كاتب صحفي

لم يسأل أحد نفسه: لماذا جرى ما جرى فى ماسبيرو؟؟ وما السبب فى تكرار تلك الأخطاء؟؟ وهل هى نتيجة ضعف أداء مسئول؟ أم خطأ فى المنظومة؟ أم تراجع وانهيار للقواعد المطلوب اتباعها فى المؤسسات الإعلامية الكبرى؟ أم إهمال من الدولة فى توفير متطلبات المؤسسة الإعلامية الأهم فى البلاد؟؟

لا أعرف على وجه الدقة، لمصلحة من هذا الهجوم الكاسح على التليفزيون المصرى والموجات المتلاحقة التى تشعرك بأن الفقيد مات وآن أوان تكفينه وتشييعه ودفنه، رغم أن الأخطاء متكررة وعلى مستويات مختلفة؟ هل هى الزفة والهيصة التى نهلل لها فى مواجهة أى خطأ لتحويله إلى مولد يهيص فيه الجميع، ويبدعون فى التحليل والاقتراح والتدبير؟ أم أنها هذه المرة أصابت الشأن الرئاسى، وكأن الأخطاء ممكن قبولها مهما كانت نتائجها إلا لو تعلقت بشأن رئاسى.

السقطات ليست جديدة على ماسبيرو، والعديد من الأخطاء تعد بمثابة إعادة إنتاج لما يجرى فى الفضائيات الخاصة من مخالفات وتجاوزات وانتهاكات، فلماذا ندق طبول الحرب فى مواجهة ماسبيرو؟ هل هى معركة «تخليص حق» فى مواجهة ما يتعرض له الإعلام الخاص من انتقادات؟ من المسئول عن الحال المتردى لهذا المبنى العريق الذى أسس إعلام العرب كله؟ ولماذا نجحت كوادر ماسبيرو فى تأسيس أغلب إن لم يكن كل الفضائيات الخاصة، وعجزت عن تحقيق ذلك فى بيتها؟

أسئلة عديدة وما زال هناك الكثير للغاية يحتاج لمن يقدم إجابات صادقة تسعى لإنقاذ مؤسس الإعلام العربى من مصير رفيقه القطاع العام، الذى خرج من بوابة فخر مصر إلى دوامة النسيان.

لقد أجرمت كل الحكومات المصرية المتعاقبة بدءاً من التسعينات ببيع شركات القطاع العام بحجة نزيف الخسائر، وهى الشركات التى مولت ووفرت تكاليف حرب أكتوبر لتحرير الأرض، وحافظت عبر تاريخها على التوازن الاجتماعى، ووفرت التمويل المطلوب لموازنة الدولة، وحين جاء وقت الجد اتهمتها الحكومة بالفشل والخسارة، لم يسأل أحد من الحكومة نفسه قبل قرار البيع لماذا خسرت؟ وهل خسرت أم تعرضت للخسارة بسبب التزامات فرضتها الدولة عليها؟

لقد ظل التليفزيون المصرى فى عهدة الدولة منذ تأسيسه، وحتى الآن، شهد نجاحات عديدة فى مراحل مختلفة، ومن يتابع قناة «ماسبيرو زمان» يرصد القدرات الخاصة للمذيعين على إدارة الحوار بسهولة ويسر والسيطرة على اللغة وإقامة جسور التواصل مع المصادر، ويرصد إبداعات إعلامية متميزة وأفكاراً وصوراً مختلفة، تعكس كلها رقياً ونجاحاً لم نتمكن للأسف من استكماله بعد أن تقرر تحميل ماسبيرو ما لا طاقة له به، وتم إلزامه بما لا يقرره، كما حصل مع القطاع العام.

السقطات فى منظومة الإعلام لا تخص «ماسبيرو» بمفرده، وإنما هى أكبر من ذلك بكثير، والشاهد القانون التائه المحجوب، أما الحكومة التى تفتقد تماماً لمنظومة إعلامية تخصها، فهى تفتقد لوزير إعلام لا يكون مسئولاً عن التليفزيون، وإنما عن التخطيط للسياسات الإعلامية للحكومة بكل مؤسساتها.

قديماً قالوا: «من فات قديمه تاه»، وبدلاً من لطم الخدود وشق الهدوم أعيدوا الحياة لتليفزيون العرب، فمهما أطلت فضائيات خاصة وزادت أعدادها سيظل ماسبيرو هو رمانة الميزان للإعلام المصرى، ولن تنجح أية محاولة لإهالة التراب عليه لصالح غيره، خصوصاً وهو يدفع فاتورة خسائر غيره، ويتحمل مسئولية أخطاء لم يرتكبها، الحق أقول لكم: «من فات ماسبيرو تاه».