«الوطن» تخترق مافيا تهريب البشر

كتب: سهاد الخضرى

«الوطن» تخترق مافيا تهريب البشر

«الوطن» تخترق مافيا تهريب البشر

يخوضون رحلة من رحلات الموت برغبة كاملة، عبر مراكب الهجرة غير الشرعية، بحثاً عن حياة أخرى محتملة، تتنوع الأسباب وتختلف من مهاجر إلى آخر، فبعضهم يبحث عن حياة أفضل مما يحيا، وآخرون ضاقت بهم السبل ولم تعد حياتهم تمثل لهم قيمة، إثر إخفاقهم فى تحقيق جزء من طموحاتهم، لتتساوى فى مخيلتهم اليائسة، حياة العدم التى يحيونها مع المجازفة فى عرض البحر تحت شعار «أنا كده كده ميت».

{long_qoute_1}

ووراء مئات الضحايا التى تتساقط يوماً تلو الآخر، مافيا متخصصة فى الاتجار بالبشر، يملكون شبكة عملاء فى كافة البلدان، خاصة العربية والأفريقية، التى يعانى أبناؤها من الفقر، يتحصلون على مبالغ طائلة رغم عدم وجود ضمانة لتنفيذ حلم الهجرة ولو بطريقة غير شرعية لزبائنهم الذين تحول معظمهم من أشخاص بائسة تحلم بحياة رغدة، إلى مقامرين بأموالهم وأنفسهم من أجل هدف قلما يتحقق.. وفى رحلتها لكشف العالم السفلى لتهريب المواطنين، التقت «الوطن» بعض الصيادين المتعاونين مع المهربين فى رحلات الهجرة غير الشرعية، لكشف تفاصيل وآلية عمل تلك الشبكات السرية. «حضرت اتفاقات كتير لمافيا متخصصة فى تجارة البشر، وعرضوا عليَّا سنة ٢٠٠٧ إنى أكون رئيس مركب هجرة كان اسمها (م. ب) مملوكة لـ«أ. أ» سمسار مواد بترولية، وله نشاط فى تجارة البشر».. هكذا أكد «م. هـ»، صياد، 32 عاماً، مضيفاً أن مافيا الهجرة عرضت عليه قيادة أحد المراكب إلى إيطاليا وعلى متنه ٤٠٠ شخص من كافة الجنسيات بينهم سودانيون وصوماليون وإريتريون و٨٠ مصرياً، وقال إنه تم الاتفاق معه على قيادة المركب من الإسكندرية إلى إيطاليا مقابل ١٢٠ ألف جنيه، وشمل الاتفاق حصوله على ٦٠ ألف جنيه قبل الرحلة و٦٠ ألفاً أخرى فور وصوله، واشترطوا عليه أن يبقى معهم أحد أقربائه كضمان لهم فى الاتفاق.

وأوضح أنه اتفق مع المافيا ومالك المركب حينها على ضرورة إجراء «عَمرة» للمركب بالإسكندرية تستغرق يومين، ثم نقل المهاجرين من منطقة أبوقير على متن لنشات، كل لنش يحمل ٣٠ مهاجراً، إلا أنهم رفضوا، حيث كانوا فى عجلة من أمرهم، واستعانوا بآخر من رشيد، ولكن قوات حرس الحدود ألقت القبض على طاقم المركب المكون من 8 بحارة، والمهاجرين بمنطقة صقلية، وصدر قرار بحبس رئيس المركب والبحارة ٧ أشهر وإخلاء سبيل المهاجرين. وأضاف أنه عُرض عليه الأمر مرة أخرى عام 2013 للخروج برحلة هجرة غير شرعية بمركب «إ. ب»، حيث اتفق معه أحد كبار تجار المخدرات ومهربى البشر على انطلاق المركب من عزبة البرج متجهاً للمغرب لتحميل ٧٠ مهاجراً والعودة بهم إلى ميناء الإسكندرية، وتبين له كذب رواية المافيا وأن المركب سيعود بشحنة هائلة من مخدر الحشيش لإغراق السوق فى مصر، فرفض استكمال الاتفاق والعمل معهم وتم ضبط المركب بأعضاء المافيا فى دمياط من قبل القوات البحرية والإدارة العامة لمكافحة المخدرات. ولفت إلى أن أى اتفاق على رحلات الهجرة غير الشرعية يحضره مالك المركب والريس ومتعهد تابع للمهرب، مضيفاً أن «رشيد» تعد البوابة الأولى للتهريب حالياً بعد السيطرة الأمنية على المداخل والمخارج فى دمياط، وأوضح أنه سبق أن خرجت 4 عمليات تهريب هجرة غير شرعية من دمياط، ويتم حساب مكافأة ريس المركب على حسب أعداد المهاجرين وتتراوح ما بين 500 إلى 1000 جنيه على كل مهاجر، وتصل أعداد المهاجرين فى كل رحلة ما بين ٨٠ إلى ٦٠٠ مهاجر، حيث تتوجه الرحلات لإيطاليا، أما تجارة الأعضاء فتكون على متن المراكب وتتحصل المافيا على ألف جنيه عن كل رأس، لافتاً إلى أن من يموت على متن المركب يتم بيع جثمانه لتجار الأعضاء البشرية. {left_qoute_1}

وقال «ع. أ»، 64 عاماً، صياد، إن تردى الأوضاع الاقتصادية عقب ثورة يناير وعدم وجود فرص عمل دفعه للجوء للتهريب بعد 56 سنة فى مهنة الصيد، مضيفاً: «أنا أب لخمس بنات والمهنة ما بقيتش مجزية زى الأول، وورايا تجهيز بنتين وترتيب حياتهم، وأبوالبنات ظروفه صعبة».

وتابع: «فى يوم حكيت لواحد صاحبى عدم قدرتى على تجهيز البنتين، فعرفنى على أحد العاملين فى مافيا التهريب بمنطقة البرلس، ويعد أحد كبار المهربين ويدعى (هـ. ع)، ورغم صغر سنه لكنه كوّن ثروة بالملايين وبيدير شبكة واسعة للتهريب وبيشتغل معاه حوالى 150 واحد فى مصر وخارجها، وله اتصالات فى كل دول العالم، وبالفعل أقنعنى المهرب بأنى هاخد فلوس كتير لو اشتغلت معاه، فاتفقت معاه على الخروج برحلة هجرة غير شرعية لإيطاليا، وأقنعت ٨ بحارة عشان يشتغلوا معايا مقابل ٢٦ ألف جنيه، كنت بأمتلكهم من خلال عملى فى الصيد لأجل تجهيز بناتى».

وأضاف أن المبلغ الذى كان بحوزته لم يكن يكفى تجهيز فتاة واحدة، ولجأ إلى المجازفة بدفع المبلغ للبحارة على أمل إتمام الرحلة والحصول على المال الوفير، وحينما حان الوقت خرج بالمركب وعلى متنه 75 مهاجراً دفع كل منهم 40 ألف جنيه، ومن بين المهاجرين مصرى سلم عقد منزله للمهرب لحين وصوله إيطاليا وسداده المبلغ بعد تواصله مع أحد أقاربه المهاجرين، وآخرون تنازلوا عن ممتلكاتهم من رؤوس الماشية والأرض، مقابل سفرهم ومنهم من دفع المبلغ كاملاً أو جزءاً منه مقابل ضمانات.

{long_qoute_2}

واستكمل: «المركب الصغير ما يشيلش أكتر من ٧٥ مهاجر، أما المراكب الكبيرة اللى طولها ٣٠ متر أو ٣٢ متر بتشيل فوق الـ٥٠٠ مهاجر، ورغم إن المركب اللى كنت عليه كان متهالك لكن وصلنا بالرحلة، بس المهرب ضحك عليَّا ومادانيش أى فلوس رغم إنه وعدنى بوصول المبلغ فور وصولنا إيطاليا، بس آدينى خسرت فلوسى، وأول وصولنا جزيرة كريت فوجئت بالطيران الحربى على بعد ٧٦ ميل، وفضل الطيران يراقبنا يومين ونص متواصلين لحد ما وصلنا إيطاليا وفضلنا 5 أيام فى عرض البحر مستنيين عملاء المهرب عشان يستلموا مننا المهاجرين بزوارق زى ما اتفقوا معانا، لكنهم ماوصلوش وجت بدالهم قوات حرس الحدود الإيطالى، ومسكونا، كنا بنتمنى القبض علينا عشان نعرف ندخل إيطاليا، والمهاجرين كانوا متواصلين مع قرايب ليهم هناك، وكل واحد من المهاجرين جاله حد قريبه عشان يهربه، أما اللى ما لوش قريب فى إيطاليا وما حدش اتدخل يساعده فبيتم ترحيله بعد فترة». وأوضح أنه من المتعارف عليه فى رحلات الهجرة غير الشرعية، أن المافيا توفر سيارات لتقل المهاجرين ممن دفعوا مبالغ كبيرة لنقلهم من المركب وتهريبهم إلى داخل إيطاليا، أما من دفع مبلغاً صغيراً يظل على متن المركب ولا يساعده أحد وقد يلقى القبض عليه بمعرفة السلطات الإيطالية، وأضاف أنه فور وصول القوات الإيطالية للمركب، تم القبض عليهم واحتجازهم ٦ أيام على ذمة التحقيقات. وقال: «خلال التحقيقات فبركنا قصة إن مافيا خطيرة تعرضت للمركب فى عرض البحر وأجبرتنا على تحميل المهاجرين لتوصيلهم إلى الشواطئ الإيطالية واختطفت أحد العاملين بالمركب كضمانة لتوصيل المهاجرين»، وحينها لم تصدر جهات التحقيق أى قرار إدانة بشأنهم وتم الإفراج عنهم، مشيراً إلى أن أقارب المهاجرين المقيمين فى إيطاليا ساعدوا من وصل إلى إيطاليا، إما بالإفراج عنهم أو مساعدتهم قانونياً لحين التمكن من إيجاد مخرج لعدم ترحيلهم.

وأكد أن رحلات الهجرة غير الشرعية كانت تنطلق من دمياط ورشيد والبرلس والإسكندرية، حيث يتم تحميل المهاجرين فى سيارات نقل مع البضائع والماشية ويظلون مختبئين فى أحد الجراجات أو المنازل المهجورة أو أرض مهجورة لحين وصول إشارة لعملاء المافيا بضرورة جلب المهاجرين لأقرب نقطة من المركب المجهز لاقتيادهم، بعد تجهيز الطريق، حيث يتم التسفير مقابل مبلغ مالى يتراوح بين ٣٥ و٥٠ ألف جنيه، وهناك عدد من المحامين يعملون مع المافيا ويقومون بجمع المبالغ المالية من المهاجرين وذويهم لتسليمهم للسمسار، حيث يعمل عدد من المحامين كنقطة تواصل بين المهاجرين والمافيا.


مواضيع متعلقة