شيطان «لاجارد» و«حنفى»

ياسر مشالى

ياسر مشالى

كاتب صحفي

لأن الشيطان يكمن عادة فى التفاصيل؛ فقد لفت نظرى خبر بثته وكالات الأنباء، الاثنين الماضى، مفاده أن محكمة «عدل الجمهورية» الفرنسية، فى العاصمة باريس، حددت جلسة 12 ديسمبر المقبل موعداً لمحاكمة مديرة صندوق «النقد الدولى» كريستين لاجارد، فى فرنسا، بتهمة الإهمال فى معالجة قضية رجل الأعمال الفرنسى برنار تابى حينما كانت «لاجارد» وزيرة للاقتصاد، وتذكرت على الفور وزير التموين المستقيل الدكتور خالد حنفى!

فمديرة صندوق النقد الدولى ستحاكم أمام محكمة «عدل الجمهورية» المختصة بنظر الجنح التى يرتكبها أعضاء الحكومة أثناء توليهم مهامهم، وتواجه تهماً قد تعرضها للسجن حتى مدة عام ودفع غرامة 15 ألف يورو، بسبب قد يبدو «تافهاً» من وجهة نظر كثير من الناس فى بلادنا، وهو دورها فى قرار تحكيم صدر فى 2008 لصالح برنار تابى الذى حصل على 404 ملايين يورو من أموال دافعى الضرائب، وكانت «لاجارد» حينها وزيرة للاقتصاد فى حكومة الرئيس السابق نيكولا ساركوزى.

«لاجارد» بأعوامها الستين، ورباطة جأشها التى لقبتها بـ«المرأة الحديدية»، باعتبارها أول امرأة فى التاريخ تدير صندوق «النقد»، قالت إنها مستعدة للمحاكمة، فيما سارع الناطق باسم صندوق النقد الدولى جيرى رايس بتقديم مساندة «معنوية» لمديرة الصندوق، وأعلن فى بيان أن مجلس إدارة الصندوق الذى يمثل الأعضاء الـ189 يواصل «إعلان ثقته» فى قدرة «لاجارد» على ممارسة مهامها بفاعلية فى إدارة صندوق النقد.

«حنفى» هو الآخر تلاحقه تهم المسئولية السياسية، والإشرافية، عن تسهيل التلاعب فى توريد آلاف الأطنان من القمح، والاستيلاء على نحو 550 مليون جنيه، حسب الأرقام المعلنة فى تحقيقات نيابة الأموال العامة ومكتب النائب العام حتى الآن، بخلاف ما يتم ضمه من محاضر جديدة، لكن الفرق بيننا وبين فرنسا وغيرها من الدول المتقدمة أن الدولة هناك لا تعترف بثقافة «الطرمخة»، فيما دولتنا تثبت بعد ثورتين أنها «بلد الطرمخة» الأولى فى المنطقة والعالم بأسره، فالمنصب الدولى المرموق الذى تشغله «لاجارد» منذ 2011، لم «يشغل» هيئة الادعاء عن تحريك الاتهام ضد وزيرة اقتصاد فرنسا السابقة، ولم يشغل محكمة النقض التى نظرت فى القضية وأحالتها إلى محكمة «عدل الجمهورية».. انظر إلى الاسم.. يا له من معبر: «عدل الجمهورية الفرنسية»، تشعر أنه يكمل بيت شعر أو جملة موسيقية نصفها الثانى «الثورة الفرنسية»، بقيمها الثلاث «الحرية والإخاء والمساواة».

أما فى مصر فقد اكتفى مجلس الوزراء بقبول استقالة «حنفى» ظهر 25 أغسطس الماضى، فى محاولة لـ«الطرمخة» على القضية الخطيرة، دون أن يصدر ولو بيان من خمسة سطور، فى استهانة متكررة بالرأى العام، وما زال يسكن جناحه الفخيم فى أحد الفنادق على النيل دون محاكمة.

سيظل الفارق بيننا وبين أى دولة ديمقراطية وبالتالى «متقدمة»، هو سيادة القانون، وعندما يزول هذا الفارق الجوهرى ستصبح مصر «دولة متقدمة» فى أقرب فرصة، وبغير هذه السيادة لن نتقدم خطوة ولو بعد ألف عام.