«الوطن» ترصد: كهرباء الشوارع فى قبضة الباعة الجائلين

كتب: عبدالفتاح فرج

«الوطن» ترصد: كهرباء الشوارع فى قبضة الباعة الجائلين

«الوطن» ترصد: كهرباء الشوارع فى قبضة الباعة الجائلين

لجأت وزارة الكهرباء والطاقة إلى رفع أسعار الكهرباء على كافة المواطنين، فى مختلف الشرائح المنخفضة والمرتفعة، من أجل زيادة مواردها المالية، وتعويض تكاليف إنشاء المحطات الجديدة، ورغم مطالبتها المواطنين دائماً بترشيد الاستهلاك، لكن الوزارة نفسها لم تتخذ خطوات جادة لمنع سرقة التيار الكهربائى، أو لوقف إهدار الطاقة المهدرة نهاراً على أعمدة وكشافات الطرق والشوارع المُضاءة.

{long_qoute_1}

«الوطن» رصدت أشكال سرقة التيار الكهربائى، وإهدار الطاقة بعد رفع أسعار فواتير الكهرباء مؤخراً، حيث أبدى عدد كبير من المواطنين المنتظمين فى دفع فواتير الكهرباء، غضبهم من تصرفات الحكومة التى أجبرتهم على الدفع، فيما تترك من يسرقون التيار، بل وتوفر لهم الحماية الكاملة -حسب قولهم- رغم أن القانون نص على عقوبة الحبس فى جرائم سرقة الكهرباء.

وخلال جولتنا فى الميادين والأسواق والأنفاق فى المناطق الشعبية بالقاهرة الكبرى، رصدنا توصيل الباعة داخل نفق مشاة شبرا الخيمة، لمبات قوية لإنارة «فرشتهم»، عبر أسلاك صغيرة متصلة بكهرباء النفق، ولم يختلف الوضع فى مزلقان أرض اللواء ليلاً، حيث يمتلئ بعشرات الباعة الجائلين، يسرقون التيار لتشغيل لمبات صفراء كبيرة لإنارة عربات الفاكهة.

وفى أسفل محور كوبرى صفط اللبن، الذى يربط الطريق الدائرى بجامعة القاهرة والجيزة، تنتشر سرقات الكهرباء أمام كل مبصر بوضوح، فالأمر لا يحتاج إلى كشف أو تفتيش، فالوصلات والسرقات ظاهرة للجميع ليل نهار، ويستطيع المارة بسهولة رؤية أسلاك أعمدة إنارة الكوبرى، وهى تتدلى إلى أسفله لإضاءة الأكشاك المخالفة وفرشات بائعى الفاكهة والبضائع الأخرى، حيث يصعد هؤلاء إلى سطح الكوبرى ويفتحون غطاء الأسلاك، ويوصلون سلك «العمود» إلى أكشاكهم لإضاءة لمبات قوية صفراء شديدة الاستهلاك للكهرباء.

{left_qoute_1}

وفى منطقة الشوربجى، ببولاق الدكرور، أقام أحد المواطنين كافتيريا على الرصيف الملاصق لسور كلية الزراعة أسفل كوبرى صفط اللبن، دون تصريح وبشكل مخالف، ولم يكتف بإهداره مياه الشرب عصر كل يوم على «رش» الشارع، ليسرق كذلك التيار الكهربائى فى وضح النهار، عبر «سلك» متصل بأحد أعمدة الكوبرى أعلى الكافيتريا، ويظهر السلك بوضوح للجميع منذ أكثر من عام، دون أن يتحرك أى مسئول ضده، رغم أن رئيس حى بولاق الدكرور، يمر من الشارع يومياً، وغيره من المسئولين، إلا أن أحداً لم يحاول وقف إهدار المال العام، ما شجع الكثير من المواطنين الآخرين وأصحاب ورش صيانة الكاوتشوك على سرقة التيار من أعمدة الكوبرى.

فى شرق القاهرة، قال محمد حسين، أحد سكان منطقة «المطرية»، بنبرة يملأها الغضب: «وزارة الكهرباء رفعت علينا أسعار الكهرباء وسابت كل البياعين فى الشارع يسرقوا التيار براحتهم، يشوفوا حل فى الأعمدة اللى بيفتحوها بكل سهولة ويوصلوا منها، لو حد من مباحث الكهرباء والشركة كلف نفسه يتمشى شوية بالنهار أو الليل فى أى شارع، فى شبرا الخيمة أو المطرية أو الأميرية وإمبابة والجيزة وفيصل، هيلاقى سرقة الكهرباء عينى عينك، وفى الآخر يحملوا الفقد والعجز ده على الناس الملتزمة فى الدفع».

أضاف: «لو الحكومة تراخت فى منع السرقة، الناس كلها ممكن تسرق الكهرباء هى حكومتنا كدا تتشطر على الغلبان بس، المفروض تمنع السرقة، قبل ما ترفع سعر الكهرباء على الناس».

تنص المادة 71 من قانون تنظيم الطاقة، على معاقبة من يستولى على التيار الكهربائى بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد على سنتين، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على مائة ألف، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتنقضى الدعوى الجنائية فى حال التصالح.

{long_qoute_2}

قال «أ. م» محصل كهرباء بشركة جنوب القاهرة، طلب عدم ذكر اسمه، إن سرقات الكهرباء منتشرة فى كل الميادين والمناطق الشعبية فى الجيزة مثل بولاق الدكرور وأرض اللواء وشارع فيصل والطالبية، مضيفاً: «البياعين واخدين كهرباء من أعمدة الإنارة على عينك يا تاجر، بيفتحوا غطاء العمود فى الجزء الأسفل ويقطعوا السلك لتوصيل أسلاك كثيرة لأكثر من (فرشة)، لو رحت أى ميدان فى منطقة شعبية هتلاقى كل التجار منورين لمبات 200 وات وأكثر، لو فى بيوتهم عمرهم ما هيستخدموا اللمبات دى، لكن أبوبلاش كتر منه، والمفروض مباحث الكهرباء توقف تلك المخالفات وتحرر محاضر لأصحابها، وأحياناً بعض الموظفين والأمناء يلفوا لفة ويتراضوا من البياعين وتمشى الحكاية».

وتابع المحصل: «أنا شغال فى التحصيل بقالى 10 سنين، ماشفتش مباحث الكهرباء حررت محضر تعدى ضد البياعين اللى بيسرقوا كهرباء فى الشارع، والمفروض لو أنا شفت حد بيسرق كهرباء فى البيوت أبلغ عنه فوراً مع إن دى وظيفة الكشاف، وبما إنهم مش موجودين فإحنا بنحاول نشوف سرقة الكهرباء من خارج العداد».

{long_qoute_3}

من جانبه، قال وائل النشار، رئيس إحدى شركات الطاقة الشمسية، إن الحكومة تبيع حالياً الكهرباء للمواطنين بأغلى من السعر الذى تشتريها منهم إذا استخدموا الطاقة الشمسية، بعد قرار رفع الأسعار، ما يعنى أنها لا تشجع المواطنين على التوسع فى استخدام الطاقة المتجددة، لأنها تشترى الكهرباء من المواطنين بـ85 قرشاً للكيلووات، فيما تبيعها لهم بـ95 قرشاً، لافتاً إلى أن عدد المشتركين يصل حاليا إلى 30 مليوناً، كلهم مدعومون ولو بنسب متفاوتة، رغم ارتفاع الأسعار مؤخراً، لأن أسلوب التشغيل التقليدى المستخدم لتوليد الكهرباء ويعتمد على الغاز الطبيعى مرتفع التكلفة عكس مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح والمياه، كما أن تكلفة التشغيل تشمل سعر الوقود والصيانة وقطع الغيار، لأن التشغيل يجرى بطريقة ميكانيكية.

وأضاف «النشار»: «لو أوقفنا إهدار الطاقة عن طريق تغيير نظام السينسور فى أعمدة الإنارة، واستبدلنا اللمبات الحمراء والصفراء باللمبات (الليد) سنوفر الكثير من الكهرباء، أما سرقة الكهرباء حسب تقرير وزارة الكهرباء الأخير فإنه لا يؤثر على إنتاج الطاقة بشكل عام».

وقال أحمد سلامة، 33 سنة، فنى كهربائى من ميت عقبة، إنه فى ظل الارتفاع الكبير فى فواتير الكهرباء، يلجأ الكثير من المواطنين حالياً إلى سرقة التيار، بتوصيل بعض فروع الكهرباء وخاصة التى تغذى التكييف، من خارج العداد، وانتشرت هذه الظاهرة بشكل ملحوظ فى الفترة الأخيرة، مضيفاً: «أنا مثلاً طُلب منى أكثر من مرة توصيل المكيفات بهذا الشكل لكنى رفضت، لأن هذه سرقة وفعل مُحرم، والناس اللى عندها أجهزة تكييف فاتورة استهلاكهم كبيرة، ما يجعلهم يلجأون لتلك الطرق، وهناك أسر لا تمتلك أجهزة تكييف واستهلاكها مُبالغ فيه، مثل والد زوجتى متوسط فاتورته 240 جنيهاً فى الشهر».

تابع «سلامة»: «فى جميع المناطق الشعبية يسرق الباعة وأصحاب (الفرشات) الكهرباء من أعمدة الإنارة، حيث يستعين هؤلاء بالكهربائية الموجودين فى محيطهم لتوصيل التيار لهم مقابل 30 جنيهاً، فالباعة يخافون توصيل التيار بأنفسهم لخطورته على حياتهم، فإذا لامس سلك الكهرباء العمود المعدنى كهرب جسم العمود بالكامل، ويتسبب فى وفاة أى شخص يلمسه، ومع أذان المغرب يوصل البائع فيشة اللمبات الكبيرة لإنارة (الفرشة)، وعند مزلقان أرض اللواء يمكنك أن تلاحظ هذا الأمر بسهولة، ولا أحد يمنعهم، رغم أن سرقاتهم ظاهرة للأعمى، وهناك بيوت كذلك توصل الكهرباء من خارج العداد، والحكومة مش عارفه لأن كشاف العداد أصلاً لا يذهب لقراءته».

وقال طه محمد، صاحب محل فاكهة فى شارع العشرين بمنطقة فيصل: «أنا مركب عداد من 20 سنة، ورغم ارتفاع فاتورة المحل من 50 إلى 180 جنيهاً إلا أننى لا أفكر فى سرقة الكهرباء، مع أن كل الباعة الجائلين وأصحاب الفرش فى كل الأماكن الشعبية بالجيزة يسرقون الكهرباء، اذهب إلى سوق كفر طهرمس وصفط اللبن وشارع كعابيش فى فيصل، وسترى سرقة الكهرباء من أعمدة الإنارة عينى عينك، بتوع الكهرباء بيمروا عليهم وياخدوا من كل واحد 100 جنيه يحطوها فى جيبهم ويمشوا».

ويرى الخبير الاقتصادى مدحت نافع، أن وزارة الكهرباء تُحمل الشعب الكثير من الفواتير غير المسئول عنها، فهو يتحمل الرواتب التى تدفعها شركاتها لكثير من العناصر غير المنتجة، ويتحمل إهدار وتبديد الموارد نتيجة سرقة التيار فى ظل غياب الرقابة والمحاسبة، وفاتورة إهدار الطاقة الضائعة على إضاءة الأعمدة بالشوارع والكبارى نهاراً، فضلاً عن سرقة الكابلات النحاسية الأرضية بشكل ممنهج، واستبدال الكابلات النحاسية بأخرى من (الفايبر) لمنع سرقتها، وفاتورة إتلاف وقطع هذه الكابلات الأخيرة بفعل وحدات حكومية أخرى تحفر الأرض دون خرائط ولا أدلة لإقامة مشروعات أو إصلاح باقى المرافق، وهناك فاتورة تدمير أبراج الكهرباء وعدم مراقبتها، وتكلفة الفرصة البديلة أو الضائعة التى كان من الممكن اغتنامها بتطبيق أحدث أدوات إدارة المخاطر المؤسسية عند إنتاج وتوزيع هذا المنتج الحيوى.

وأضاف: «الفواتير التى يدفعها المواطن كثيرة ومن المؤكد أنها تتجاوز قيمة الدعم الذى تقدّمه له الدولة، وكان حتى وقت قريب لا يتجاوز 20 مليار جنيه، ثم اكتشفنا أنه قفز إلى ما يقرب من 30 ملياراً بالتزامن مع تراجع أسعار الوقود عالمياً، ما يثير علامات التعجب أحياناً».

تابع «نافع»: «يجب إعلان التكلفة الحقيقية لإنتاج الكهرباء حتى نعرف قيمة الدعم الحقيقية، بالإضافة إلى تقدير نسبة الهدر فى الشبكة القومية سواء من خلال السرقة أو الإضاءة فى النهار، وهى كهرباء تنتجها الحكومة بشكل مدعم بأموال الشعب، ويتم إهدارها دون محاسبة أحد، والمسئول الأول عنه وزارة الكهرباء التى لا تتخذ خطوات جادة لمواجهته».

واستطرد «نافع»: «لا أطالب بخصخصة إنتاج الكهرباء، ولا أريد أن يسلّمنا محتكر عام إلى محتكر خاص، لكنى أطالب بفتح باب المنافسة فى هذا القطاع، وتسهيل مشاركة الشركات الخاصة فى إنتاج وتوزيع الكهرباء بمختلف أشكالها، سواء تلك المنتجة من مصادر متجددة كالرياح والطاقة الشمسية والمساقط المائية، أو من مصادر تقليدية للطاقة وتمثل نحو 96% من الكهرباء المنتجة حالياً فى مصر، فنحن الآن فى أشد الاحتياج لإعمال الشفافية ومصارحة الشعب بالتكلفة الحقيقية وقيمة الدعم المقدم له حتى يتفهم عمليات الإصلاح الاقتصادى الجارية، مع ضرورة سد أبواب الفساد والسرقة التى تجرى على مرأى من المحليات وشركات الكهرباء».

فى المقابل، قال الدكتور محمد اليمانى، المتحدث الرسمى باسم وزارة الكهرباء، إن سرقة التيار الكهربائى تتسبب فى الفقد التجارى لشبكة الكهرباء، حيث يجرى استهلاكها دون مقابل، وللتغلب على هذه السرقات والمخالفات أصدر مجلس الوزراء القرار رقم 886 لسنة 2016، بتركيب عدادات كودية للمخالفين، وهو ما يسمى بـ«العداد الكودى» لأنه دون اسم وبرقم فقط، وإذا صدر قرار إزالة للمبانى المخالفة نرفع العداد، وإذا حصل على براءة أو رخصة تعاقد صاحب المنزل على عداد جديد، وركبنا بالفعل نحو 25 ألف عداد كودى مسبق الدفع دون أسماء.

وأوضح «اليمانى» أن سرقة التيار الكهربائى من أعمدة الإنارة مسئولية عدة جهات، منها مباحث الكهرباء وشرطة المرافق والمحليات، إضافة إلى بلاغات المواطنين الإيجابيين عبر الخط الساخن 121 أو من خلال الرسائل القصيرة والشكاوى عن طريق تطبيق «واتس أب».


مواضيع متعلقة