الأكراد فى عيون الغرب: فرصة لفرض نظام جديد فى الشرق الأوسط.. و«ورقة رابحة» فى أيدى «واشنطن»

كتب: عبدالعزيز الشرفى

الأكراد فى عيون الغرب: فرصة لفرض نظام جديد فى الشرق الأوسط.. و«ورقة رابحة» فى أيدى «واشنطن»

الأكراد فى عيون الغرب: فرصة لفرض نظام جديد فى الشرق الأوسط.. و«ورقة رابحة» فى أيدى «واشنطن»

لم يكد يمر عام تقريباً على انطلاق الثورة السورية فى الربع الأول من عام 2011، حتى ظهر الأكراد بقوة على ساحة القتال كأحد الفصائل المقاتلة التى تواجه الميليشيات المسلحة والجيش السورى على حد سواء. وقتها لم يعلن الأكراد هدفهم التاريخى الذى يسعون بقوة إليه، وهو إقامة الدولة الكردية على أجزاء من سوريا والعراق وتركيا، بل اكتفوا بمحاولة حصد النفوذ والسيطرة على أكبر قدر ممكن من المساحات على أرض الواقع فى سوريا والعراق، حتى باتوا قوة لا يستهان بها استطاعت فرض نفوذها على الأرض وإجبار القوى الكبرى على التعاون معها لمحاولة حفظ ماء وجهها وتحقيق انتصارات فى مواجهة التنظيمات الإرهابية فى سوريا والعراق.

{long_qoute_1}

فى أعين الغرب، وبحسب محللين ومراقبين دوليين، فإن الأكراد باتوا إحدى الركائز الأساسية التى تعتمد عليها القوى الغربية لمحاولة فرض واقع جديد فى الشرق الأوسط يأتى بالاستقرار، على حد زعمهم، وهو ما يؤكده المحلل السياسى هنرى باركى مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز «ويلسون» للأبحاث السياسية، فى مقاله بصحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، حيث يرى أن «الأكراد لم يكن أبداً لديهم نفوذ فى الشرق الأوسط كما أصبح لديهم الآن، فهم باتوا بمثابة قوة التوازن فى سوريا والعراق، وعلى الرغم من تمردهم السابق فى تركيا وفى سوريا وفى العراق، فإن تمردهم هذه المرة مختلف تماماً عن السابق، حيث إن القوى الكبرى والصغرى على حد سواء، باتوا يسعون إلى الانصياع لمطالب الأكراد أكثر من ذى قبل، بهدف الحصول على تعاون الأكراد فى مواجهة التنظيمات الإرهابية على الأرض».

«باركى» يشير إلى أن «الولايات المتحدة نفسها باتت تجد نفسها تنسحب على مضض لتصبح مجبرة على تنفيذ مطالب الأكراد، فهى تحتاجهم بنفس القدر الذى تحتاج فيه إلى الأتراك لمواجهة تنظيم (داعش) الإرهابى. كما أن الحليف الأساسى للولايات المتحدة فى سوريا حالياً هم الأكراد وحزبهم (الاتحاد الديمقراطى)، بعد أن استطاع هذا الحزب أن يثبت أنه القوة الأكثر تنظيماً وقوة على الأرض والأكثر فعالية فى مواجهة (داعش)». وطرح المحلل الأمريكى سيناريو يمكن أن تلجأ الولايات المتحدة إليه، تحت مسمى «مقامرة فائزة»، حيث يمكن لـ«واشنطن» أن تتفق مع الأكراد على الانسحاب من مناطق القتال فى تركيا إلى شمال العراق وسوريا، فى مقابل أن تتعهد أنقرة بالتوقف عن التدخل فى المناطق الكردية السورية، وستمكن تلك الصفقة الولايات المتحدة من الإبقاء على صداقتها مع تركيا والأكراد فى وقت واحد، واستغلال الأكراد فى العمليات على الأرض داخل سوريا والعراق. مجلة «نيويورك بوست» الأمريكية قالت إن «الأكراد ورقة رابحة يمكن لعبها ببراعة لتحقيق إنجازات هائلة»، مشيرة إلى أنه على الرغم من مرور عامين تقريباً على إعلان التحالف الدولى لمواجهة «داعش» شن غارات على التنظيم الإرهابى، فإن الهزائم الرئيسية التى تعرض لها التنظيم كانت على يد «الأكراد». وتابعت المجلة الأمريكية: «إن تم اللعب بورقة الأكراد بشكل رابح، فإنه يمكن بكل سهولة أن يتحول الأكراد إلى عامل استقرار وقوة مواجهة موازنة لـ(الأسد) والتنظيمات الإرهابية، وربما ورقة مواجهة فى أيدى الغرب أيضاً ضد الطموحات الإيرانية لبناء إمبراطورية فى الشرق الأوسط. ويمكن أيضاً أن يتحول الأكراد إلى ورقة رابحة فى أيدى الغرب للتفاوض على وضع الشرق الأوسط الحالى والتوصل إلى نظام إقليمى جديد يضمن ويعكس التنوع العنصرى والعرقى والدينى واللغوى فى المنطقة. ولكن مثل هذه الاستراتيجية يجب أن تقوم بها إدارة بحجم الولايات المتحدة، ولكن للأسف لم تستغل (واشنطن) تلك الفرصة».

أستاذ سياسات الشرق الأوسط بجامعة «ميزورى» الأمريكية والباحث بمبادرة «كارنيجى» ديفيد رومانو، قال إنه فى الوقت الذى يحذر فيه عدد كبير من المراقبين والباحثين من تداعيات تحالف الولايات المتحدة مع الأكراد والإخلال بموازين القوى فى الشرق الأوسط من خلال تعزيز قوة «الأكراد»، فإن الواقع هو أنه يمكن استغلال هذا الواقع الذى يعد فرصة كبيرة لفرض الأكراد كقوة على أرض الواقع فى الشرق الأوسط، وحينها لن يكون «الأكراد» مجرد أداة فى أيدى «واشنطن» لمواجهة «داعش» فقط، وإنما سيمكن من خلال «الأكراد» فرض حلول جديدة فى الشرق الأوسط، وتحديداً فى سوريا وتركيا والعراق، ويمكن للولايات المتحدة أن تستخدم «الأكراد» كعامل استقرار لجلب السلام المستمر والدائم فى الشرق الأوسط.

بحسب ما يرى «رومانو»، فإن الحصول على استقرار طويل الأمد فى تركيا وسوريا والعراق وإيران، لا يمكن أن يحدث أبداً دون الاستجابة للمطالبة الكردية، والحقيقة هو أن الواقع الحالى فى سوريا يطرح أملاً ليس فقط لحل الأزمة السورية، وإنما لتغيير سياسات الشرق الأوسط بأكمله، بشكل ينتهى إلى حل المشاكل بين أكراد العراق وحكومتها، والمشاكل بين أكراد تركيا وحكومتها. وأضاف «رومانو»: «فى الواقع، يمكن للأكراد أن يخدموا بمثابة صناع السلام فى الشرق الأوسط، ولكن فى حالة تجاهل مطالب الأكراد، التى تعد عادلة، فإن الأرجح هو أن الأكراد سيواصلون دعواتهم الساعية إلى الانفصال عن الدول التى يعيشون فيها، وهو ما يعنى المزيد من الاضطرابات فى الشرق الأوسط».

المحلل التركى بصحيفة «جمهوريت» التركية سميح يلديز، قال إنه فى ظل تحولات التحالفات فى منطقة الشرق الأوسط، فإن «الولايات المتحدة باتت فى حاجة إلى حليف جديد فى منطقة معقدة ومن الصعب العثور على حلفاء أقوياء فيها، وبالطبع لن تترك واشنطن تحالفاً مثل هذا يذهب بهذه السرعة. ربما لا أحد يعرف ما ستنتهى إليه الأمور، ولكن حتى الآن الأكراد هم جزء من حالة التوازن التى تسعى الولايات المتحدة إليها فى المنطقة».

أستاذة العلوم السياسية الكردية أرزو يلماز، قالت إنه «فى أعقاب التوصل لاتفاق نووى مع إيران، فإن الولايات المتحدة تسعى إلى خلق حالة من التوازن بين السنة والشيعة فى المنطقة، وبعيداً عن الأكراد، فإنه ليس هناك قوة أخرى ترضى التحالف مع الولايات المتحدة، ولهذا فإن تحالف الأكراد مع الولايات المتحدة سيستمر، ولهذا فضلت الولايات المتحدة أن تتحالف مع الأكراد المنظمين، على التحالف مع السنة الذين تشتتوا وتفرقوا كثيراً».

وقال الكاتب البريطانى كون كولين، فى مقال بصحيفة «تليجراف»، إن «دولة كردستان المستقلة تقدم بديلاً جيداً للغرب، فى ظل شرق أوسط يتفكك، ووجود أنظمة موالية لإيران».


مواضيع متعلقة