"الأسوشيتد برس": تحالف الأضداد يدفع تركيا لتغيير موقفها من "الأسد"

"الأسوشيتد برس": تحالف الأضداد يدفع تركيا لتغيير موقفها من "الأسد"
طوال خمس سنوات استعر القتال في سوريا، كارثة إنسانية تثير الاضطراب في المنطقة والعالم، دائما ما كان هدف خصوم الرئيس السوري، بشار الأسد، هو الإطاحة به من السلطة، لكنهم يفتقرون الوسائل اللازمة لذلك.
الآن، ثمة عنصر قد يغير وجهة الرياح، فتركيا الحليف القوي لقوى المعارضة تقول إن "الأسد"، رغم وحشيته في الحرب، قد يلعب دورا، غير محدد، في مرحلة انتقالية.
البيان الذي أدلى به رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، رسم خطا فارقا، من ناحية: "يبدو أن الأسد ليس هو الشخص الذي يمكنه جمع (شتات السوريين)"، لكن من ناحية أخرى: "قد تجري محادثات مع الأسد حول الفترة الانتقالية".
حتى الآن، تبدو جارة سوريا إلى الشمال مصرة على أن يخرج الأسد من السلطة- إذ توفر الملاذ وخطوط الإمداد لمجموعات متنوعة من المتمردين السوريين وتغض الطرف عن استخدام مسلحي داعش لحدودها في شن حربهم الخاصة ضد الأسد أيضا.
تركيا لديها العديد من المبررات والأسباب لتقديم الدعم للتمرد، فبالرغم من أنها ليست دولة عربية، فإن أغلب سكانها من السنة، شأنهم في ذلك شأن معظم المتمردين، ومن ثم تشعر بالأسى والغضب لسيطرة الطائفة العلوية تلك الطائفة الشيعية التي تمثل الركن الثالث في محور إقليمي يضم جماعة "حزب الله" اللبنانية وإيران، على مقدرات الأمور في سوريا.
حكومة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حكومة إسلامية الأصول والنزعة، بينما أقر الأسد بأنه علماني التوجه.
تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي "ناتو" وتقدم الدعم حتى الآن للجهود الغربية للقضاء على النظام القمعي المستبد في دمشق، وأردوغان لم يعرف عنه التراجع لكنه يعمل في بيئة تتغير بشكل خطير.
أكراد سوريا ظهروا كقوة رئيسية تقاتل تنظيم "داعش" الإرهابي، ما منحهم قدرا كبيرا من الاستقلالية في منطقتهم شمالي البلاد قرب الحدود مع تركيا.
غير أن ظهور قوة أكراد سوريا، منح الأقلية الكردية في تركيا بعض الجرأة، وهو تطور مثير للقلق بالنسبة لأنقرة التي طالما حاولت تقليص طموح وقوة الأكراد.
رغم ذلك، تعد أنقرة بنشاط أكبر في محاربة المتطرفين بعد أن منيت البلاد بسلسلة هجمات استهدفت المدنيين وألقي فيها باللائمة على داعش.
يعني ذاك ضرب عجيب من تحالف ضمني للأضداد بين تركيا والأكراد بل وإيران وسوريا وروسيا والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة أيضا، موقف تحرص أطراف كثيرة على ألا يستمر طويلا.
أنقرة أرهقها أيضا استقبال اللاجئين السوريين، الذين بلغ عددهم على أراضيها الآن ما يربو على المليونين.
ربما الأمر الأكثر أهمية أن حملة أردوغان القمعية بعد محاولة الانقلاب العسكري في يوليو الماضي تلقى انتقادات واسعة في الغرب، ما يدفع أردوغان للتقارب مع روسيا.
جاء ذلك الاجتماع الودي الذي عقده مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، نصير الأسد، ليستهل ذلك التقارب وبدا مبشرا بالمزيد.
أيهم كمال، محلل شؤون الشرق الأوسط في مجموعة "أوراسيا" للاستشارات، يقول إن موقف تركيا تجاه الأسد شهد الكثير من المرونة بعد التدخل الفاعل لروسيا، وقصف الحكومة السورية غير المسبوق لمواقع القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة والذي كان يحمل في طياته رسالة لأنقرة مفادها أن الأسد هو الشريك الوحيد الجاد الذي يمكنه ضمان احتواء الأكراد السوريين.
وقال "كمال": "أعتقد أن هذه بداية رقصة يشير فيها كل المشاركون إلى رغبتهم بل وقدرتهم على إيجاد مساحات للمصالح المشتركة فيما يتعلق باحتواء الأكراد.. نحن إزاء عملية مساومة والسعي للتوصل لتسوية تخرج منها كل الأطراف رابحة".
وبينما تواجه دول عربية كثيرة الانهيار أو التهميش بسبب حركات التمرد، تستعد تركيا لنفوذ أكبر في المنطقة رغم الاستياء الدائم من الحكم الاستعماري الأخرق خلال عهد الإمبراطورية العثمانية.
بيد أنه مع انفتاحها الحالي على بقاء الأسد في السلطة، باتت أنقرة بحاجة إلى أن يتقبلها لاعبون آخرون، لاسيما التيار المعارض الرئيسي والقوى الأساسية في الغرب.
بالنسبة للغرب، فإن فكرة التحول المحتوم إلى الديمقراطية حظيت بقبول كبير عام 2011، عندما كان "الربيع العربي" في مهده وكانت الآمال تحلق عاليا.
غير أن ذلك الوضع تغير بسبب سلسلة من الاخفاقات بالمنطقة، ومن بينها دولة فاشلة في ليبيا، وصعود تنظيم داعش في عدة دول، والحرب المستمرة في اليمن وسوريا، وانتخاب إسلاميين في مصر وما تلاه من سوء حكم وإطاحة الجيش بهم.
حتى أن المآسي الطائفية في العراق دفعت البعض في المنطقة إلى الذهاب إلى فكرة أن صدام حسين تمكن على الأقل من المحافظة على وحدة الدولة طويلا رغم كونه طاغية وحشيا.
كما أن الحرب السورية على وجه الخصوص كانت لها تداعيات كارثية عبر منطقة واسعة، إذ قتل زهاء نصف مليون شخص، ونزح نصف سكان البلد، وتدفق ملايين اللاجئين ليس على تركيا ودول مجاورة فحسب وإنما على أوروبا أيضا، ما أجج كراهية الأجانب وصعوبات اقتصادية.
كما خلق هذا الصراع تقاربا أحبط واشنطن، إذ سمحت إيران مؤخرا لروسيا بشن غارات جوية من أراضيها دعما لبشار الأسد، ما يثير الدهشة بالنظر إلى تاريخ طهران.
من جانبها، أطلقت الحكومة السورية جميع أشكال الأسلحة العشوائية على مناطق مدنية في إطار سعيها إلى البقاء، إذ استخدمت الطائرات الحربية وما يطلق عليها البراميل المتفجرة وأساليب الحصار والتجويع، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف.
مع ذلك، لا تزال أيدي الغرب مرتعشة، إذ يخشى الوقوع في مستنقع آخر بالشرق الأوسط، فلم يتطرق إلى الإعلان عن منطقة حظر طيران في شمال سوريا، ولم يهاجم قوات الأسد بعدما اتهمها باستخدام أسلحة كيميائية، كما يتردد في دعم المعارضة المسلحة بقوة وبأسلحة ثقيلة.
بات هذا المشهد بمثابة هدية لبوتين، الذي يبدو أن دعمه للأسد راسخا واستراتيجيا وناجحا مقارنة مع مراوغات القوى الغربية.
من هذا المنظور، ربما خلص قادة الغرب رويدا رويدا إلى أن الحاجة إلى إنهاء الحرب ربما تفوق الحاجة إلى التخلص فورا من الأسد.
وما دفعهم في هذا الاتجاه هو حجة الأسد الرئيسية بأن الأكثر قوة بين خصومه، ألا وهو تنظيم "داعش"، ربما -ومن المثير للدهشة- هو الشر الأكبر.