«الوطن» تنشر تحقيقات النيابة فى قضية بيع الأطفال فى المحلة الكبرى

كتب: رفيق ناصف

«الوطن» تنشر تحقيقات النيابة فى قضية بيع الأطفال فى المحلة الكبرى

«الوطن» تنشر تحقيقات النيابة فى قضية بيع الأطفال فى المحلة الكبرى

أكثر من 10 سنوات مرت على تلك اللحظة غير أنها لم تغب عن ذهن أحمد عبدالعال، 44 عاماً، إطلاقاً، لا يزال يذكر الطبيب الذى أخبره أن أحد التوأمين اللذين وضعتهما زوجته للتو فى أحد المستشفيات بمدينة المحلة الكبرى قد توفى، وأن عليه أن يتسلم توأمته التى ولدت معه، والتى لحسن الحظ لا تزال على قيد الحياة، انشغل «عبدالعال» فى الوليدة الحية وغاب عن ذهنه أن يسأل الطبيب عن جثة الطفل الميت، بعد أن أخبره الطبيب أنهم سيدفنونه بمعرفتهم، ربما لهذا السبب تحديداً ترسخ فى ذهن «عبدالعال» أن ابنه لا يزال حياً، وربما هو السبب نفسه الذى دفعه بعد أكثر من 10 سنوات لأن يتقدم ببلاغ لدائرة قسم أول المحلة طالباً من الشرطة إجراء تحليل DNA لطفل يدعى «إبراهيم» تم ضبطه مع طفلين آخرين ضمن شبكة لبيع الأطفال بمدينة المحلة أطرافها ممرضة وعاملتان بمكتب صحة بالمحلة، وأطباء نساء وتوليد بينهم الطبيب الذى أجرى لزوجته عملية التوليد قبل أكثر من 10 سنوات، اعتقاداً منه بأن «إبراهيم» هو طفله الذى أخفاه عنه الطبيب فور الولادة وأخبره أنه ولد ميتاً.

{long_qoute_1}

يروى «عبدالعال» الذى يعمل فنى تمريض بمستشفى طنطا الجامعى، الحكاية من بدايتها، فيقول إنه توجه فى عام 2005 بصحبة زوجته «داليا. ف، 38 سنة» ربة منزل، إلى الدكتور «على. ت»، طبيب النساء والتوليد، المقيم بشارع العباسى أول المحلة، وهو أحد الأطباء الموجه إليهم تهمة توليد السيدات وبيع المواليد، لإجراء عملية الوضع لزوجته التى كانت حاملاً فى توأم، وعقب الولادة سلمه الطبيب مولوداً واحداً فقط «حبيبة»، وأبلغه أن المولود الثانى ذكر، غير أنه توفى فور ولادته.

يواصل «إبراهيم» قائلاً إنه عقب القبض على أفراد العصابة وعلى الطبيب ضمنهم، خطر فى ذهنه أنه ربما يكون التوأم الذى وضعته زوجته لم يكن يعانى من أى شىء، خاصة أنهما كانا على قيد الحياة قبل دخول زوجته غرفة العمليات، وحالتهما الصحية كانت جيدة، وأن الطبيب ربما باع نجله الثانى، وأنه يشتبه أن يكون الطفل الأول «إبراهيم»، من الـ3 أطفال الذين باعتهم العصابة إلى متسولة ولحّام كهرباء فى مدينة المحلة الكبرى، ولذلك لجأ للشرطة ببلاغه الذى يطالب فيه بإجراء تحليل الـDNA للتأكد من ذلك، خاصة بعد علمه بتورط الطبيب المذكور مع عصابة فى بيع الأطفال وإجراء عملية ولادة لسيدات ساقطات.

واقعة بيع الأطفال فى المحلة والمعروفة إعلامياً بـ«قضية عصابة بيع أطفال السفاح»، التى تفجرت فى مايو الماضى، كشفت عن تورط أطباء وممرضة وعاملتين «إحداهما توفيت» بمركز الصحة بالمحلة إلى جانب ربة منزل، فى بيع الأطفال حديثى الولادة مقابل مبالغ مالية بموجب تحرير أوراق رسمية مزورة وشهادات ميلاد وشهادات صحية لأطفال السفاح من سيدات ساقطات، وعثرت الأجهزة الأمنية على إخطارات ولادة تحمل أسماء أطفال ومذيلة بتوقيعات وأسماء بعض الأطباء والبعض الآخر أجرى عمليات ولادة لسيدات ساقطات.

وتعود وقائع القضية إلى خلافات زوجية كانت قد نشبت بين المتسولة «سمية. م. م»، 34 سنة، مقيمة شارع الحرية بدائرة قسم أول المحلة، وزوجها لحّام الكهرباء «عمرو. س. أ»، 36 سنة، سبق اتهامه فى قضايا ضرب وسلاح نارى، ما دفع الزوجة للإبلاغ عن العصابة، التى ظلت تعمل على مدار أكثر من 10 سنوات فى الخفاء ببيع أطفال السفاح لراغبى التبنى مقابل مبالغ مالية يقتسمونها فيما بينهم. {left_qoute_1}

«سمية» بررت كشفها الواقعة فى تلك الفترة بسبب المعاملة السيئة من زوجها لها وللأطفال ورفضه الإنفاق عليهم، إلى جانب إقامته علاقات مع بعض النساء «فى الفترة الأخيرة أساء معاملتى وكثر تعديه بالضرب علىّ، واكتشفت وجود علاقات بينه وبين بعض السيدات، وفى النهاية قام بطردى أنا والأطفال الـ3 من البيت فى وقت متأخر من الليل».

«سمية» تم إلقاء القبض عليها وهى تتسول وبرفقتها الأطفال «إبراهيم» 8 سنوات، و«حنين» 5 سنوات، و«ملك» سنتان، أمام حديقة الأمل بمدينة المحلة الكبرى، وفقاً لما أكده مصدر أمنى مسئول بمديرية أمن الغربية، مشيراً إلى أنه بعد اصطحابها إلى ديوان قسم شرطة أول المحلة، كانت المفاجأة عندما أفصحت بأن الأطفال الـ3 ليسوا أبناءها، وأن زوجها عقيم ولا يقدر على الإنجاب، وهو ما دفعه بمساعدة شقيقته «عزة» وممرضة «صباح»، و«هيام و«قدرية» عاملتين بمكتب الصحة، وأطباء نساء وتوليد بالمحلة، بشراء الأطفال وقيدهم بدفاتر الصحة باسمها واسم زوجها وذلك على غير الحقيقة.

{long_qoute_2}

التحريات السرية التى أجرتها الأجهزة الأمنية وحصلت «الوطن» على نسخة منها بينت أن «عمرو. س» تزوج من «سمية. م» فى 2001، ولم ينجبا نظراً لمرض الزوج بالعقم ما تسبب فى وجود خلافات بينهما وقيام الزوجة برفع عدة قضايا تطلب فيها الطلاق، معللة ذلك برغبتها فى الإنجاب وتحقيق حلم أى زوجة بأن يكون لها أطفال، وفى 2008 قام الزوج وشقيقته المدعوة «عزة. س»، ربة منزل، بإقناع الزوجة «سمية» بتبنى طفل رغبة من زوجها فى استمرار الحياة الزوجية بينهما وعدم قدرته على الفراق، وقامت شقيقة الزوج بترتيب ذلك مع «قدرية. أ»، 40 سنة، عاملة غسيل موتى وشهرتها «سحر المغسلاتية»، و«هيام. ع، وشهرتها «أم عزة»، عاملة بمكتب صحة أول المحلة سابقاً، توفيت منذ 3 سنوات، وتحصلوا على الطفل «إبراهيم» وعمره 3 شهور، من طبيب نساء وتوليد يدعى «هشام. ف» مقابل 10 آلاف جنيه، قام الزوج بسدادها.

وكشفت التحريات أن «قدرية» و«هيام» قامتا بتسجيل الطفل فى سجلات ودفاتر مكتب صحة أول المحلة، بعد الحصول على إخطار ولادة من أحد الأطباء بمستشفى المحلة العام، وبالاستعلام من مكتب صحة أول المحلة ثبت ورود بلاغ بولادة الطفل «إبراهيم» بتاريخ 1 ديسمبر 2008، من قبل المدعو «عمرو. س»، ومذيل بتوقيعه، ومرفق به أوراق وبطاقة الرقم القومى الخاصة بـ«سمية» و«عمرو»، وصورة وثيقة زواجهما باعتبارهما «الوالدين» وصورة ضوئية من وثيقة طبية من الدكتورة «إيناس. م»، طبيبة أمراض نساء وتوليد بمستشفى المحلة العام، مؤرخة بتاريخ 24/11/2008 تفيد بميلاد الطفل «إبراهيم» ومثبت بها اسم الوالد والوالدة وتم التحفظ على تلك الأوراق.

وأضافت التحريات أن الطفلة «حنين» مواليد أغسطس 2011، وتحصلت عليها الزوجة من الممرضة «صباح» والعاملة «هيام» من مسكن الأخيرة مقابل 5 آلاف جنيه، وذلك بعد حصولهما عليها من أحد الأطباء، وبالاستعلام من مكتب صحة أول المحلة عثر على بلاغ من الزوج «عمرو» يفيد ولادة «حنين» ومذيل بتوقيعه ووثيقة الزواج وإخطار مولود مذيل بتوقيع «نيازى. ا» طبيب نساء وتوليد بتاريخ 25 يوليو 2011، وأن الولادة تمت بالمنزل على غير الحقيقة. {left_qoute_2}

وأضافت التحريات أن الطفلة «حنين» هى نتاج حمل سفاح وجار تكثيف التحريات لتحديد والدتها، والممرضة «صباح. ا» هى من قامت بتسهيل قيد الطفلة بدفاتر المواليد بمكتب صحة أول المحلة مع علمها أن الطفلة جاءت من حمل سفاح، وأن البيانات الثابتة بدفتر المواليد على غير الحقيقة وغير خاصة بالطفلة.

كما جاء فى التحريات أن «سمية» تحصلت على الطفلة الثالثة «ملك» فى شهر نوفمبر 2014 من الممرضة «صباح» مقابل 4 آلاف جنيه، وأن الأخيرة قامت بمساعدتها فى قيدها بسجلات ودفاتر المواليد بمكتب صحة أول المحلة، وبالاستعلام من مكتب الصحة تبين أن المبلغ بولادة الطفلة هو الزوج «عمرو» بتاريخ نوفمبر 2014، ويوجد إخطار ولادة صادر من مستشفى الدكتور عبدالظاهر التخصصى ومذيل بتوقيع الدكتورة «فايزة. ق».

وأثبتت التحريات أن الأطفال الـ3 ليسوا من صلب المدعو «عمرو. س»، ولا زوجته المدعوة «سمية. م»، وأنهم جميعاً أطفال سفاح وجارٍ تكثيف التحريات لمعرفة أمهاتهم، والبيانات المثبتة فى السجلات والدفاتر وشهادات الميلاد فى مكتب صحة أول المحلة مزورة وغير صحيحة، وذلك بالاشتراك مع ممرضة وعاملتين وأطباء نظير دفع مبالغ مالية للحصول على هؤلاء الأطفال وتربيتهم.

وقالت الزوجة «سمية» فى التحقيقات إن الطفل إبراهيم حصلت عليه من «هيام. ع»، وشهرتها الداية «أم عزة»، عاملة بمكتب الصحة وتوفيت منذ 3 سنوات، وتعرفت على «صباح. ا» ممرضة بمركز رعاية الطفل بأول المحلة، حال وجودها عند المدعوة «هيام. ع»، وأنها هى من جاءت لها بالطفلتين «حنين» و«ملك» من الدكتور «على. ت»، طبيب نساء وتوليد، وذلك مقابل مبلغ مالى دفعه زوجها، وهى من قامت أيضاً بتسهيل إجراءات قيد الأطفال الـ3 فى سجلات ودفاتر مكتب صحة أول المحلة باسمها هى وزوجها، مشيرة فى التحقيقات بالمحضر رقم 2866 أول المحلة، إلى أن الممرضة «صباح. ا» أخبرتها أن الأطفال نتيجة حمل سفاح وأن الداية «أم عزة» هى من كانت تجلب السيدات الساقطات إلى الطبيب «على. ت» لإجراء عمليات الوضع لهن، مقابل مبالغ مالية. مبينة أن الممرضة «صباح» أخبرتها أن إحدى الطفلتين من سيدة كان زوجها محبوساً ورغبت فى التخلص من الطفلة عقب ولادتها، والطفلة الثانية كانت من سيدة فى إحدى قرى مركز طنطا، وكانت على علاقة غير شرعية بأحد الرجال، وأيضا رغبت فى التخلص من الطفلة عقب ولادتها، وبالنسبة للطفل «إبراهيم» بين أنها لا تعلم مصدره، لافتة إلى أن تلك الأمهات يتركن الطفل بدون مقابل مادى، ولكن نظير تخلصها منه. الزوج «عمرو. س» لم ينكر أقوال زوجته فى التحقيقات واعترف أنه دفع 10 آلاف جنيه مقابل شراء الطفل الأول «إبراهيم»، و5 آلاف جنيه فى الطفلة الثانية «حنين»، و4 آلاف جنيه فى الطفلة الـ3 «ملك»، وقيدهم باسمه رغبة منه فى التبنى، وأن زوجته هى من قامت بإحضار الأطفال من طبيب النساء والتوليد «على. ت»، وأن هؤلاء الأطفال نتيحة حمل سفاح، والطبيب المذكور يقوم بتوليد النساء الساقطات وبيع الأطفال مقابل مبالغ مالية.

وبالتحقيق مع الممرضة «صباح. ا»، نفت فى البداية اشتراكها فى شراء الأطفال أو تسهيل قيدهم، كما تدعى الزوجة «المبلغة»، وأقرت بوجود علاقة بينها وبين الزوجة «سمية» من خلال تردد الثانية على مركز الرعاية التى تعمل به الأولى لصرف الألبان للأطفال، وأنها تدخلت فى حل خلافات بينها وبين زوجها.

وبإعادة مناقشتها أوضحت أنها تحصلت على الطفلة الثالثة «ملك» من الطبيب «على. ت» بعدما أبلغها بأن لديه سيدة سيقوم بتوليدها وترغب فى التخلص من المولود، وأنها اتفقت مع الزوجة «سمية. م» على بيع الطفلة لها، وبالفعل تسلمت الطفلة من الطبيب من مستشفى حباظة التخصصى بالمحلة وذلك فى التاسعة من صباح يوم الجمعة، وسلمتها إلى الزوجة مقابل 4 آلاف جنيه تحصلت عليها على دفعتين وساعدتها فى قيد الطفلة بدفاتر المواليد بمكتب صحة أول المحلة.

وبالتحقيق مع العاملة «قدرية. ا»، عاملة غسيل موتى، وشهرتها «سحر المغسلاتية»، بينت أن الطفل «إبراهيم» تحصلت عليه بمشاركة زميلتها «هيام. ع»، وشهرتها الداية «أم عزة»، من طبيب يدعى «هشام. ف» تخصص نساء وتوليد، وذلك مقابل مبلغ مالى لا تتذكر قيمته لمرور فترة طويلة على الواقعة.

النيابة العامة قررت حبس الزوج «عمرو. س»، وشقيقته «عزة»، والممرضة «صباح. ا»، والعاملة «قدرية. ا»، على ذمة التحقيقات فى القضية، واستكتاب الأطباء «نيازى. ا»، و«على. ت»، و«فايزة. ق»، و«إيناس. م» ومضاهاة ذلك بالبيانات المدونة بإخطارات الولادة للأطفال الـ3 «إبراهيم، حنين، ملك» والمذيلة بتوقيع كل منهم، لمعرفة ما إذا كان كل منهم هو المحرر للبيانات المدونة بإخطارات الولادة من عدمه، وتسليم الأطفال إلى الزوجة «سمية. م»، على سبيل الأمانة وأخذ التعهد عليها بحسن معاملتهم ورعايتهم.

«الوطن» تواصلت مع المتهم الأول داخل محبسه، مؤكداً أنه لم يكن فى نيته مخالفة القانون وتربية أطفال ليسوا من صلبه، مشيراً إلى أن إقدامه على شراء الأطفال وقيدهم باسمه جاء رغبة منه فى إسعاد زوجته، وحتى تتراجع عن موقفها بطلب الطلاق منه، بعد رفعها دعوى قضائية تطالب فيها بالخلع كونها ترغب فى الإنجاب. وأكد «سمير. ا» والد المتهم «عمرو» والمتهة «عزة» أن الأطفال الـ3 هم أحفاده ودائماً ينادون عليه بكلمة «جدو» ويوفر لهم كافة الرعاية ويعاملهم أحسن معاملة، وفى كل صباح يأتون إلى ورشة اللحام الكائنة أسفل المنزل ويصبحون عليه ويقبلونه ويتناولون الإفطار معه. مبيناً أن زوجة نجله هى السبب وراء سجن نجليه «عمرو، وعزة» وأنها خدعته هو وأهالى المنطقة بادعائها الحمل، حيث كانت تخرج عليهم وواضعة فى بطنها «مخدة» لتوهمهم بأنها حامل، وكذلك أثناء عملية الوضع، مشيراً إلى أنه يقيم بمنزل مع زوجته الثانية فى قرية الراهبين التابعة لمركز المحلة، وكان فى كل فترة يزور نجله للاطمئنان على حاله، حتى فوجئ بإخباره بالقبض عليه من قبل قوات الشرطة وأن الأطفال ليسوا أبناء نجله ولا زوجته، مؤكداً أنه يعاملهم وسيظل يعاملهم كأحفاده بغض النظر عن أى شىء.


مواضيع متعلقة