موال الفشل ومخطط اصطياد الطبقة الوسطى (2)

حسناً، نُكمل سيدى القارئ حديثنا عن الشريحة الاجتماعية التى تُمثل الرقم الأهم فى معادلة حلم التقدّم للأمة المصرية، وهى الطبقة الوسطى، وكنا أمس قد تحدثنا عن فخ ودوامة إحباط تم إقحام هذه الطبقة داخلها.

كانت الطبقة الوسطى، وما زالت، من استحدث ثورة يوليو، وكان من اللافت أن تلك الشريحة التى خلقها عهد الرئيس جمال عبدالناصر على وجه التحديد، يخرج أحفادها فى ذكرى يوليو هذا العام بالتندُّر على العهد الملكى.. سيل من التعليقات افترشت به صفحات التواصل الاجتماعى تعظم فى الملكية وتهاجم يوليو وجمال عبدالناصر!!

مفارقة غريبة للوهلة الأولى تعكس عدم إدراك أصحابها لجذرهم الاجتماعى، وأن شجرة نسبهم لم يكن من بينها بكاوات أو باشوات أو إقطاعيون، لكن معظمهم كانوا من هؤلاء الذين أقيمت من أجلهم حملة شعبية، لكى يرتدوا حذاء.. هذا هو التاريخ الطبقى فى مصر.. لكن المدقِّق يجب أن يتوقف أمام هذه الحالة، فهى تعكس شيزوفرينا اجتماعية صارخة وحالة اغتراب واضحة.. مدلولها من وجهة نظرى أن الأحفاد لم يجدوا ما حصل عليه الأباء والأجداد من ثورة يوليو التى أبدعتهم وقدّمت لهم التعليم المجانى والوظيفة الميرى والسكن الملائم.. وهذا هو الثالوث المقدّس للطبقة الوسطى «التعليم، الوظيفة، السكن».

فى المقابل، يتساءل أصحاب هذه الطبقة: ماذا قدم الرئيس السيسى لنا؟ وهو سؤال مشروع، ورغم الظرف الاستثنائى الذى يتولى فيه «السيسى» المسئولية، فإنه قدّم لهذه الطبقة الكثير رغم العبء الذى تتحمّله عن مختلف طبقات المجتمع، فلا هى تسكن القصور ولا تستفيد من الإسكان الاجتماعى وتنكوى بالغلاء، ولا تستفيد من منظومة التموين.

قدّم «السيسى» الخدمة الأهم لأى مواطن، وهى إعادة الحياة إلى طبيعتها، حتى إن كانت جودتها لم تكتمل بعد.. مصر ليست بمعزل عن إقليمها المشتعل، ولا عن عالمها المرتبك، ومع ذلك وبفضل تضحيات أبنائها فى القوات المسلحة والشرطة يكفيك أن تُطالع نشرات الأخبار لتُدرك أن مصر من أكثر الدول أمناً فى عالم اليوم، وهى نعمة كبيرة يشعر بها من حُرم منها.

أصبحت حوادث الطرق أقل من معدلاتها، ولم نعد نسمع عن حوادث «المزلقانات» بفضل جهد مهول فى تحديث وخلق شبكة طرق عصرية لمصر.

صحيح أن السلع أصابها الغلاء، لكن لم تنقص سلعة واحدة أساسية من السوق المصرية.. ارتفعت فواتير الكهرباء، لكن لدينا كهرباء، وودّعنا أيام التأقلم على الظلام.. تناست أعيننا مشهد طوابير البنزين.

وهذا الحمل الثقيل تُقدّمه الدولة وهى فى حالة حرب حقيقية وهى مهمتها وتضطلع بها.

لكن فى المقابل، كانت الطبقة الوسطى محقة فى غضبها تجاه عدد من الأمور، أولها العذاب النفسى الذى تعرّض له أبناؤها فى الثانوية العامة مهما كانت المبررات، فهى مسئولية منظومة التعليم والسلطة التنفيذية فى الأساس، وكذلك فى المعالجة السياسية لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية الشقيقة.. صحيح أن الرئيس خرج ليُعلن أنه فضّل أن يأخذ هو الضربة فى صدره، وفهم من حديثه أنه كان يريد أن يقطع الطريق على تلاسن شعبى بين الشعبين الشقيقين، لكن أبناء الطبقة الوسطى، وكما وصفناهم من قبل، لا يتبعون أيديولوجية بعينها، بينما لديهم تراكم معرفى واهتمام خاص بالشأن العام، شعروا بأنه تم تجاهل عقولهم وإرادتهم.. فهم من جهة يدركون وطنية الدولة المصرية والقائمين عليها، لكن من الجهة الأخرى عقلهم لا يتقبّل صيغة التجاهل، لا سيما أن الإدارة اعتمدت منهج المكاشفة والمشاركة فى الهم العام منذ اللحظة الأولى.. صحيح أن الإدارة لديها مبرراتها المنطقية التى يفرضها الوضع الراهن، لكن فى النهاية حدثت هذة النتيجة.

عملت ماكينة الإحباط على التقليل من شأن مشروع قناة السويس الجديدة وإشعار المساهمين فيه بالخسارة، وهى أكذوبة كبرى.. غداً نتولى الرد عليها..