ندوة «النمنم»

عندما تولى الأستاذ حلمى النمنم وزارة الثقافة كنت أتوقع منه الكثير، فالرجل كاتب وباحث يمتلك الرؤية والفهم الكامل لعلل واحتياجات المشهد الثقافى المصرى، خصوصاً أنه سبق وأبلى بلاءً حسناً، قبل أن يتم اختياره وزيراً، فى مقاومة التطرف والتخلف الفكرى، وأتصور أننى وغيرى نتشارك فى إحساس بالإحباط ونحن نتابع أداء «النمنم» داخل وزارة الثقافة. كنت أتوقع جهوداً أكثر جدية ودوراً أكثر عمقاً فى إنعاش أدوات الثقافة الجماهيرية والرفيعة التى تملكها الوزارة، كجزء من خطة قومية للتغيير الثقافى للمواطن المصرى الذى أصبح نهباً لأفكار جماعات وكتل التطرف والتخلف، لكن ذلك لم يحدث، بل وقعت الوزارة فى عهده فى العديد من المطبات التى لم يسبق لها الوقوع فيها، مثل القصور فى تنظيم معرض القاهرة الدولى للكتاب، وحالة اللخبطة التى شابت ملف العام الثقافى المصرى الصينى، وغيرها، لكن كل ما سبق «كوم»، والندوة التى نظمها مؤخراً حول الوضع القانونى لجزيرتى تيران وصنافير كوم آخر، وذلك لعدة أسباب.

أولها أن قضية الوضع القانونى لجزيرتى تيران وصنافير منظورة حالياً أمام القضاء، ومنصة المحكمة هى التى ستفصل فيها، وقد سبق وقضت محكمة القضاء الإدارى بمصرية الجزيرتين، وطعنت الحكومة، ولم تزل فصول القضية تتوالى حتى الآن، وبالتالى لم يكن يصح أن تتفاعل الوزارة مع قضية منظورة أمام المحاكم. من حق وزارة الثقافة أن تختار أجندة ندواتها بالشكل الذى يرضى القائمين عليها، لكن ذلك لا يعنى بحال إسقاط الظرف الذى تطرح فيه القضية من الحسبان. أزمة «تيران وصنافير» أزمة ظرف فى المقام الأول، فقد تم طرحها فى ظل واقع مصرى يواجه الكثير من الأزمات والتحديات، وبالتالى تم التعامل معها بما يمليه سياق الحال، والحديث عن الوثائق التى تثبت حقوق ملكية الجزيرتين لهذا الطرف أو ذاك ليس أمراً ذا قيمة فى الظروف التى تسودها العصبية. ولعلك لاحظت أن أمر الجزيرتين تحول إلى سجال بين الطرفين النقيضين، فالمناصر لسعوديتهما جاء بأسانيد وأدلة، والمناصر لمصريتهما جاء بوثائق تثبت وجهة نظره، وهكذا، ولم يتوقف السجال عند حد استدعاء الوثائق، بل تجاوز ذلك إلى الاستشهاد بآراء شخصية لبعض الرموز، بل وبتقارير تنشرها بعض الصحف، وخصوصاً الأجنبية.

لم يكن من الحصافة فى شىء أن تنظم وزارة الثقافة ندوة حول هذا الموضوع فى ظل هذا الظرف الملتبس، وقد ضاعفت الوزارة من المشكلة حين أعلن الوزير أنه تم الاتفاق على إعداد كتيب موثق بالخرائط والمستندات المتعلقة بالقضية، بدعم المجلس الأعلى للثقافة، وخرائط الجمعية الجغرافية المصرية، كطبعة شعبية توضح المعالم الجغرافية للقضية. من حق الوزارة بالطبع أن تتخذ القرارات التى تراها مفيدة لتصحيح ما تعتبره معوجاً من مفاهيم فى العقل العام، لكن حالة الحماس، التى تعاملت بها الوزارة مع قضية تيران وصنافير تثير التعجب، فى ظل ما يشوب أداءها من بطء فى التعامل مع العديد من الملفات الأخرى. ليت عدوى «الحماس» تنتقل إلى ملفات أخرى مهمة تعكس دور وزارة الثقافة فى بناء خطاب ثقافى عقلانى مرتكز قادر على مواجهة التطرف والتخلف.. بدلاً من الدفاع عن سعودية تيران وصنافير!.