فضاء الصراع الإقليمى الذى ليس له علاقة بفضاء «ناسا»

خالد عكاشة

خالد عكاشة

كاتب صحفي

يصدر سنوياً «المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية» و«معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولى» تقريرين، يعدان هما الأرفع والأدق فى مجال الإنفاق العسكرى لكافة بلدان العالم، يشكلان مرجعية معتمدة لكافة المهتمين بما لهما من رصانة مهنية واستقلالية كاملة، التقريران يضمان عادة قائمتين هما الأهم بخصوص حالة الإنفاق العسكرى عموماً، القائمة ترصد الخمس عشرة دولة الأعلى فى الإنفاق العسكرى، ونسبة هذا الإنفاق للناتج المحلى الإجمالى للدول، ويكون ذلك عن العام محل الرصد، ويليهما فى الأهمية تقييم التوسع أو التراجع فى حجم الإنفاق العسكرى العالمى الكلى بمقارنات إحصائية مع الأعوام المنصرمة.

التقرير الصادر من المعهد الدولى «بريطانى مقره لندن» عن عام 2015م أورد هذه القائمة (الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، السعودية، بريطانيا، الهند، فرنسا، روسيا، اليابان، ألمانيا، كوريا الجنوبية، البرازيل، أستراليا، إيطاليا، العراق، إسرائيل)، باعتبارها الدول الأعلى إنفاقاً فى المجال العسكرى بهذا الترتيب من الأكبر للأقل، وجاءت قائمة معهد ستوكهولم «سويدى» عن ذات الشأن متماثلة تقريباً فيما عدا تغييرين طفيفين فى المركزين الأخيرين، وبطبيعة التخصص والنشاط البحثى لى ولكل أساتذتى وزملائى نكاد طوال العام نتتبع معظم هذه الدول، فضلاً عما ينشر بأقلام كتابهم ومحلليهم المتخصصين بذات الشأن، ربما شاهدنا وقرأنا كافة العناوين المتوقعة وغير المتوقعة، لكن يقيناً لم يقابلنى السؤال الاستنكارى الذى طرحه «عصام حجى» مؤخراً عن لماذا نتسلح؟ ومن سنحارب بهذه الأسلحة؟ حيث تبدو تلك الزاوية بالمقارنة مع ما نطالعه من كافة تلك الدول، بأكثر سماجة واستخفافاً فهى مما يمكن عبوره سريعاً لفرط جهالتها المركبة.

ما دفعنى حقيقة لتناول هذا الموضوع ليس رداً على عصام حجى قطعاً بل لفت انتباهى أنه تساؤل متكرر، ظهر أخيراً على ألسنة العديد من المصريين كنت على المستوى الشخصى أرجعه إلى عدم دراية ممن يطرحه بقواعد إدارة الصراعات وموازين القوى، لكنى انتبهت إلى أنه أصبح يستخدم كنوع من إضفاء العمق والقدرة على ابتكار العناوين لمتحدثين بعينهم، ولهؤلاء لدىَّ بعض من الإجابات المتواضعة والإشارات السريعة، إن كان الأمر يتعلق فقط بغياب المعلومات والتحليلات المتعلقة عن هذه الشريحة التى تقصد الإساءة، وهى حقيقة تسىء لنفسها باستخفاف نادر، خاصة والأمر يتعلق بالوعى الذى أصبح اليوم موجوداً على قارعة الطريق لمن يرغب فى اكتسابه بعصر المعلومات.

الجيش المصرى يدخل طوراً تحديثياً لرفع القدرات التسليحية والتدريبية والتقنية، لأنه يستقرأ فضاء الصراع والتوتر الإقليمى ليجده فى أخطر وأدق أحواله منذ عقود، وهذا تقدير صحيح بالنظر إلى أربع ساحات عربية مشتعلة، اثنتان منها تهددان فى حال تفاقمهما أو انكسارهما المشرق العربى بكامله، ونعنى «سوريا والعراق»، والثالثة «اليمن» التى لم تخرج من دوامتها بعد مهددة بقوة للمحيط الخليجى ولباب المندب وممرات البحر الأحمر الاستراتيجية، والأخيرة فى «ليبيا» التى تتنازعها فوضى الصراع المسلح والقوى الخارجية، لكافة تلك الملفات الجاهزية العسكرية المصرية «فرض عين»، لأمنها الذاتى ولأمن أشقاء المصير، الذين أمام تلك المخاطر تصب مباشرة فى أوزانهم الاستراتيجية القدرة العسكرية المصرية، ورغم أى تحفظات على العمل العربى المشترك لكن هناك لحظات مصيرية جاهزية مصر فيها تعلمها وتطلبها كافة الدول الشقيقة، المعلن فيها ربما أقل كثيراً مما يدور واقعياً على الأرض، فالبعض منها يتعلق بخطوط إقليمية حمراء لا يسمح بتجاوزها، كالدور المصرى لصالح العراق فى حربها ضد إيران، الذى تم بالكامل فى ظل مقاطعة سياسية عربية شاملة لمصر، هذا مثال وحيد ودال خرج للعلن بعد سنوات على اللسان العراقى وليس المصرى.

تبقى مجموعة من الإشارات ربما تفيد عصام حجى ومن تدور برأسه هذه النوعية من التساؤلات، وهى دعوة أيضاً للقراءة وتكوين الوعى بهذه القضايا، ففيما يخص الأوضاع الأمنية بسيناء، التى تتهددها التنظيمات الإرهابية، ما الردود الإسرائيلية المفترضة على العمل والوجود العسكرى المصرى؟ ولماذا تضع الأطراف الدولية خطاً أحمر سميكاً للمشاركة مع مصر فى فرض حلول أمنية بليبيا لفوضى الميليشيات؟ وهل صراع غاز شرق المتوسط ببعيد عن الأطماع التركية الإسرائيلية؟ ولماذا لم تبدأ فيه كلتا الدولتين؟ هناك مصطلح ربما كتب عنه كثيراً «توازن الردع» مفيد لمن يريد تعلم قراءة خرائط الصراع، لا أعلم حقيقة لماذا لم يشغل عصام حجى أو غيره من المتسائلين وقتهم ببعض من الثقافة المجانية الموجودة على مواقع مراكز الدراسات الاستراتيجية، التى يفعلها بدأب نظراؤهم من دول العالم كافة، قبل الجلوس أمام الميكروفونات والتورط فى مثل تلك الترهات الساذجة.