كبير مرشدى «القناة»: «عبدالناصر» جمع المعلومات السرية عن عمل «مرشدى القناة» من خلال «سباق سباحة» فى القناة

كتب: عبدالفتاح فرج

كبير مرشدى «القناة»: «عبدالناصر» جمع المعلومات السرية عن عمل «مرشدى القناة» من خلال «سباق سباحة» فى القناة

كبير مرشدى «القناة»: «عبدالناصر» جمع المعلومات السرية عن عمل «مرشدى القناة» من خلال «سباق سباحة» فى القناة

بذاكرة حديدية تختزن مئات الحكايات والتفاصيل الدقيقة عن الأحداث التاريخية التى مرت بها مصر فى النصف الأخير من القرن العشرين، يتحدّث الربان وسام عباس حافظ، كبير مرشدى قناة السويس، عن أحداث شارك فى صُنعها، وذكريات مليئة بالإثارة والتشويق، بداية من رؤيته قناة السويس لأول مرة فى حياته، أثناء طفولته، وحتى آخر سفينة قادها للعبور من القناة فى الذكرى الستين لتأميم قناة السويس.

عايش «الربان» وقائع الطرد من نادى قناة السويس الذى كان يسيطر عليه الأجانب، عندما كان طفلاً على يد شاب إنجليزى، مروراً بالسباق الذى شارك فيه وسمح لضباط القوات المسلحة بمعرفة أسرار عمل المرشدين الأجانب، وتأميم القناة ومشاركته فى حرب الاستنزاف بمجموعة «39 قتال»، وانتهاءً بعمله بقناة السويس ووصوله إلى درجة كبير مرشدين. وإلى نص الحوار..

■ فى البداية، حدِّثنا عن ذكريات طفولتك مع قناة السويس، ومتى رأيتها لأول مرة فى حياتك؟

- فى عام 1951 كنت صبياً صغيراً، وكان عمرى 8 سنوات، اصطحبنى والدى العميد الدكتور عباس حافظ، أحد زملاء الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بالمدرسة الحربية، والضابط المصرى الوحيد الذى فرّ من الأسر فى حرب عام 1948 من قلب سجن فى تل أبيب، اصطحبنى أنا وشقيقى الذى يصغرنى بعام ونصف العام إلى نادى هيئة قناة السويس بمدينة السويس أثناء ذهابه إلى المدينة فى مأمورية تابعة لسلاح الحدود، الذى كان يخدم به وتركنا أنا وشقيقى فى النادى الذى كان يطل على المجرى الملاحى مباشرة، وكان معظم رواد النادى من الأجانب، ومن النادر وجود مصريين، وكان النادى مقسّماً إلى نصفين، يفصل بينهما سلك شائك، وكان الأول يتميّز بنظافة أرضيته وجمال مبانيه وألوانه المبهجة، وألعابه المتنوعة، والنصف الثانى من النادى غير مؤهل وغير نظيف وغير مبهج، ولا يحتوى على ما يحتويه النصف الآخر، وبما أننا كنا طفلين صغيرين لم نتخطَ سن العاشرة، جذبتنا مراجيح القسم المبهج وتخطينا السلك الشائك لنلعب هناك، حتى صرخت طفلة إنجليزية وبكت، ثم جاء شاب إنجليزى ضخم وحملنى من ذراعى أنا وشقيقى ورمانا إلى الجانب الآخر، وقال اوعوا أشوف حد فيكم هنا تانى، وقتها كنا أطفال مش فاهمين حاجة، بعد كده فهمنا إن النصف الحلو كان بتاع الأجانب والنصف الغلبان كان بتاع المصريين، ودى كانت أول مرة أشوف فيها قناة السويس، وعمرى ساعتها كان 8 سنين، هما كانوا بيعتبروا نفسهم أصحاب الأرض والمكان، ووقتها حسيت إنى مش فى مصر.

{long_qoute_1}

■ لكن قد تكون مجرد حادث عابر، وليس منهجاً متبعاً؟

- لا، فى اليوم نفسه مساءً، أخذنى والدى أنا وشقيقى، لنتنزه على جسر كان يتم نصبه على المجرى الملاحى للقناة بعد انتهاء مرور السفن ليلاً للعبور إلى الشرق، وكانت الناس تسير عليه، مصريين وأجانب، وفجأة قامت سيدة أجنبية بالإشارة إلى كلبها الضخم للهجوم علينا وتخويفنا حتى نبكى، أبويا شخط فينا، وقال «ما تخافوش، خوفوه انتم» وبصينا للكلب بشجاعة، وماخُفناش منه لحد ما الكلب رجع، وهو اللى خاف، أبويا كان مربينا على الشجاعة وعدم الخوف وممارسة الرياضة.

■ والدك كان صديق «عبدالناصر» وزميله فى المدرسة الحربية فى منتصف الثلاثينات، هل سبق لك رؤيته فى منزلكم؟

- بالتأكيد، فى عام 1951 كنا نسكن فى فيلا بحى المطرية، وبما أننا كنا أطفالاً صغاراً كنا نرى الكثير من ضباط القوات المسلحة يجتمعون فى جراج فيلتنا، وكان الكلام الدائر حينها أن هذا الاجتماعات التى كان يرأسها الضابط جمال عبدالناصر هى مجرد دروس من أجل امتحانات الترقية فى الكلية الحربية، لكن عندما كبرنا عرفنا أنهم كانوا يُخططون لثورة 23 يوليو 1952، خلال هذه الاجتماعات السرية، وكانوا يوزّعون الأدوار عليهم، وبعد الثورة انتقلنا إلى شقة كبيرة فى حى مصر الجديدة، وهى الشقة التى كان يعيش فيها والدى حتى وفاته قبل عامين، أبويا كان صديق «عبدالناصر»، علشان كده كان بييجى يزوره فى البيت عندنا، وأنا فاكر إنه قال لأبويا مرة لما كانوا قاعدين فى غرفة الصالون أثناء إحدى زياراته فى عام 1954 بعد توقيع اتفاقية الجلاء مع الإنجليز: «آدينا خلصنا من الإنجليز، لسه فاضل قناة السويس»، فاقترح عليه والدى الذى كان يشغل منصب رئيس اتحاد سباحة المسافات الطويلة، فى منطقة القاهرة اقتراحاً رائعاً لفك طلاسم عمل المرشدين الأجانب ونظام تشغيل القناة الذى كانت تديره الشركة الفرنسية، وكان حكراً على الأجانب فقط، وقال: من الممكن أن نُنظم سباق سباحة فى المجرى الملاحى لقناة السويس، وخلال المسابقة نرصد طبيعة عمل المرشدين، دون أن يلاحظوا ذلك. {left_qoute_1}

■ وهل وافق «عبدالناصر» على الاقتراح؟

- نعم، وتم تنظيم السباق فى عام 1955 قبل تأميم القناة بعام واحد، من مدينة السويس وحتى بورسعيد طوال 18 ساعة كاملة، وكان كل متسابق يسبح مسافة 2000 متر ويستريح ويُكمل زميله الآخر المسافة نفسها حتى انتهى السباق، وأثناء السباق كان يراقب عمل المرشدين ضباط بالقوات المسلحة، وكانوا يراقبون طبيعة عملهم بشكل دقيق جداً، بداية من دخول القوافل وتغيير المرشدين.

■ ومتى تخرجت فى كلية القوات البحرية وشاركت بحرب الاستنزاف؟

- تخرجت فى الكلية البحرية عام 1964، ثم حصلت على فرقة ضفادع بشرية وصاعقة قبل أن أسافر إلى اليمن للمشاركة فى الحرب، وفى عام 1967 عُدنا إلى مصر بعد احتلال إسرائيل لسيناء، ثم التحقت بمجموعة «39 قتال»، لقائدها الشهيد إبراهيم الرفاعى، وقُمنا بتنفيذ عدة عمليات ناجحة أزعجت الإسرائيليين، وأعجبت هذه العمليات الرئيس جمال عبدالناصر، لأنها أعادت الثقة من جديد إلى الجيش وأعادت الثقة للمصريين فى أننا قادرين على إعادة سيناء من جديد، لذلك كان الرئيس عبدالناصر يعزمنا على العشاء فى منزله بمنشية البكرى، لمباركة ذلك النجاح، وتشجيعنا، وبما أننى كنت نجل صديقه عباس حافظ، فإنه كان يعرفنى ويحدّثنى باسمى، وكان حديثه معى يتسم بالود والمحبة، حتى توقفت العمليات بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار عام 1970، وفى حرب 1973 أدت المجموعة «39 قتال» عدة عمليات قتالية هائلة، واستُشهد قائدنا إبراهيم الرفاعى أثناء الحرب، وبعد انتهاء الحرب كنت مكلفاً بإعادة الجنود التائهين فى سيناء، مع عدد من المهمات الأخرى فى السويس وبورسعيد.

{long_qoute_2}

■ هل كان كوبرى الدفرسوار الذى أنشأته إسرائيل أثناء الثغرة عقبة أمام عمليات التطهير؟

- نعم.. ظللنا نُفكر ماذا نفعل فى هذا الكوبرى، حتى اقترحت عليهم نسف الكوبرى تماماً، لأنه كان سيحتاج إلى روافع كبيرة وزنها أكثر من 200 طن، والمشرفون على عمليات التطهير وافقوا على اقتراحى، وبالفعل قمنا بنسفه فى شهر مارس عام 1975، لتُصبح عملية التطهير سهلة جداً بعد ذلك.

■ وما طبيعة عمل المرشدين فى القناة؟

- نظام عمل المرشد يتم وفق جداول تشغيل منتظمة ودقيقة، ومجال عملنا ينقسم إلى 3 أماكن أو 3 أجزاء فى القناة، الجزء الأول من منطقة خليج السويس وحتى دخول السفينة المجرى الملاحى للقناة، والجزء الثانى من المجرى الملاحى بالسويس حتى مدينة الإسماعيلية، والجزء الثالث من الإسماعيلية وحتى بورسعيد، إذا كانت السفينة من قافلة الجنوب والعكس صحيح، بمعنى أن الجزء الأول من قافلة الشمال يكون من مياه البحر حتى دخول المجرى الملاحى فى مدينة بورسعيد، والجزء الثانى من بورسعيد إلى الإسماعيلية، والجزء الثالث من الإسماعيلية حتى السويس، وخروجها إلى مياه خليج السويس. ونقوم أيضاً بشد السفن التى يحدث بها عطل ولا تستطيع التوقُّف، ونكون على علم بأنه يجب وقفها فوراً حتى لا تصطدم بسفينة أخرى أمامية، فنقوم بشدها إلى الخلف حتى تتوقف، والمرشد هو مايسترو مرور السفن من القناة ورئيسها حتى تعبر من القناة من خلال مساعدة قبطان القاطرات المصاحبة وفريق العمل.

 

 


مواضيع متعلقة