دراسة: خمسة مليارات حصيلة تجارة السجائر المُهربة فى خمس سنوات

كتب: محمود عبدالرحمن

دراسة: خمسة مليارات حصيلة تجارة السجائر المُهربة فى خمس سنوات

دراسة: خمسة مليارات حصيلة تجارة السجائر المُهربة فى خمس سنوات

انتعشت التجارة غير الشرعية للسجائر نتيجة حالة الانفلات الأمنى التى ضربت عدداً كبيراً من قطاعات الدولة، فى أعقاب ثورة 25 يناير 2011، بعد تمكن بعض المستوردين من تهريب كميات كبيرة من السجائر المقلدة ومجهولة المصدر عبر حاويات مرت من الجمارك دون الخضوع لضوابط الاستيراد المعمول بها لدى أجهزة الدولة، ومن ثم حقق العاملون بها أرباحاً تتجاوز مليارات الجنيهات فى الوقت الذى خسرت فيه الدولة مبالغ مالية موازية لتلك الأرباح.

{long_qoute_1}

يقول «أ. ح»، صاحب شركة استيراد وتصدير: بعض مستوردى السجائر فى مصر هرّبوا خلال الآونة الأخيرة ما يزيد على 120 ماركة سجائر أجنبية أصلية ومقلدة، داخل حاويات بضائع أخرى تأتى من الصين وتركيا وغيرها من بعض دول الاتحاد الأوروبى، مثل نجيلة الملاعب الصناعية، والأثاث، وبعض الأجهزة الطبية، ويتم تمريرها من الجمارك بالاتفاق مع بعض موظفى «الكشف» الذين يتواطأون مع أصحاب تلك الشحنات.

وأضاف الشاب الثلاثينى: السجائر المهربة إلى داخل مصر تشمل نوعين، الأول يتمثل فى سجائر الماركات الأصلية، وهذه يتم تهريبها لعدم دفع الضرائب المقررة عليها فى موانئ البلاد المنتجة لها، وكذلك الموانئ المصرية، خاصة أن قيمة تلك الضرائب تفوق سعرها الأصلى، فبعض علب السجائر الأجنبية لا يزيد سعرها على 17 جنيهاً، وتصل إلى 32 جنيهاً بعد دفع ضرائبها والمبالغ اللازمة للإفراج عنها، الأمر الذى يحدد سقف أرباح المستوردين، ويجعلها تجارة غير مربحة بالنسبة لهم، والثانى خاص بماركات السجائر المقلدة، وغالبيتها تأتى من الصين التى اشتهرت فى السنوات الأخيرة بـ«ضرب» غالبية الماركات بدرجات متفاوتة، فأحياناً تقلد الماركة الأصلية وتطلب من المستورد طباعة أوراق «وهمية» بتراخيص وزارة الصحة وأختام التحذير، وأحياناً أخرى تورد إلينا منتجات غير معروفة الهوية، ونتيجة انخفاض أسعارها حقق المتعاملون فيها على مدار الخمسة أعوام الماضية أرباحاً تتجاوز مليارات الجنيهات عن طريق تجار التجزئة وأصحاب الأكشاك والباعة المتجولين. {left_qoute_1}

وأشار المهندس «ص. ع»، مستورد، إلى أن «الفترة التى أعقبت قيام ثورة 25 يناير 2011 شهدت حالة من الهرج بالنسبة للمتعاملين فى تجارة السجائر بعد انتشار عمليات «تسليك» البضاعة من الجمارك عن طريق «التظبيط» مع بعض المسئولين فيها للإفراج عن بضائعهم بعد دفع مبالغ مالية «رشاوى» لهم، وهو الأمر الذى تسبب فى انهيار سوق السجائر محلية الصنع والماركات الأجنبية على حد سواء، لدرجة أن أحد المستوردين المشهورين فى محافظة القاهرة قام بـ«ضرب» السجائر محلية الصنع بعد استيراده المواد الخام من الصين وتوزيعها على الأكشاك والبائعين الذين لا يحملون رخص بيع، وتمكن من بيع ملايين «العلب» قبل أن يتم اكتشافه، وعلى الرغم من معرفة الأجهزة الأمنية والرقابة بما فعله هذا التاجر فى سوق السجائر، على حد قوله، وتحقيقه المليارات من تجارتها غير المشروعة، لا يزال هذا الشخص يحتكر سوق السجائر المستوردة حتى الآن فى غالبية محافظات مصر، دون أن يتمكن أحد من الاقتراب منه أو محاسبته». وأضاف «المستورد»: «سوء الأحوال الاقتصادية والارتفاع المستمر فى أسعار السجائر نتيجة زيادة الضرائب عليها دفع بشريحة كبيرة من المدخنين إلى شراء السجائر الصينية والمقلدة، والبحث عنها فى كل مكان دون النظر إلى المخاطر الصحية أو الاقتصادية التى قد تنتج عنها، ومن ثم وقعوا فريسة سهلة لتلاعب بعض المستوردين الدارسين لطبيعة السوق المصرية الذين يعلمون أن السعر هو المحرك الرئيسى لأى تجارة شعبية فى مصر، وسوف يستمر هذا الأمر حتى تتعافى أجهزة الأمن وتضبط حركة الجمارك مرة أخرى، ومن ثم غلق باب التهريب نهائياً».

وفى دراسة تقديرية أعدها الدكتور عصام الحرانى، أستاذ القانون التجارى بجامعة بنها، ووكيل كلية الحقوق، توصل إلى تحقيق تجارة السجائر غير الشرعية أرباحاً تتجاوز الخمسة مليارات جنيه على مدار الخمس سنوات الأخيرة، من خلال ضرب الأسعار الرسمية المعتمدة من الدولة، والبيع بأسعار منخفضة، بعد تمكن التجار من الهروب من دفع الضرائب المستحقة.

{long_qoute_2}

وقال «الحرانى» لـ«الوطن»: «غياب الرقابة هو السبب الرئيسى فى ازدهار سوق تهريب السجائر التى تحقق أرباحاً لأصحابها تفوق تجارة المخدرات، على حد تعبيره، وتتسبب فى تكبيد الدولة خسائر موازية تقدر أيضاً بالمليارات، نتيجة عدم حصولها على كامل مستحقاتها من الإشراف على عمليات البيع والشراء التى تتم فيها، الأمر الذى يستلزم ضرورة تعاون أجهزة الأمن مع جهاز حماية المستهلك من أجل إعادة ضبط شبابيك ومنافذ الاستيراد باستخدام نظام الدوريات الدائمة على بائعى التجزئة والأكشاك الصغيرة على حد سواء». وعن الأضرار التى تلحق باقتصاد الدولة نتيجة تجارة السجائر غير الشرعية، أشار أستاذ القانون التجارى إلى أن السجائر التى تصل إلى مصر من الصين وباقى الدول، غير المعتمدة، تكون مجهولة المصدر، وتمثل ضرراً بالغاً على صحة الإنسان، ونظراً لانخفاض أسعارها تضطر شريحة كبيرة من المجتمع المصرى للجوء إليها، خاصة أن السجائر تمثل الأهمية الأولى لدى شريحة كبيرة من المدخنين، وأحياناً تفوق فى أهميتها لديهم الطعام والأدوية، ومن ثم تخلق اقتصاداً موازياً لا يقوم على أسس سليمة معروفة، بعيداً عن أنظمة ومؤسسات الدولة، وهو الأمر الذى يسبب خسائر مادية ومؤسسية للدولة.

 


مواضيع متعلقة